نشرت إحدى وسائل الإعلام منذ فترة تقريراً مفصلاً عن قصص الأطفال التي استمتعنا جميعاً بقراءتها، والتي كانت نموذجاً مشتركاً للتعليم والتربية بين مختلف ثقافات العالم، ومن ضمنها الأكثر شهرة قصة ليلى والذئب، بياض الثلج والأقزام السبعة، الأميرة النائمة، سندريلا وغيرها.
وركز التقرير على ناحية كانت مجهولة عند معظم جيلنا، في أن ما نراه لم يكن سوى نسخ منقحة لتناسب قراءة الأطفال، وذلك عن أصل ممتلئ بالعنف الدموي، والجنس، وأحياناً أخرى بالنهايات البائسة.
وهذا ذكرني باكتشاف المراهقة الصادم يوماً بأن شعراء الحب العذري في التاريخ العربي، والذين كنا نحفظ قصائدهم في صفوف مدارسنا، ليسوا عذريين على الإطلاق، بل إن معاجم بعضهم مليئة بالجنس الصريح، المتناقض تماماً مع ما كنا نتلقاه في صفوفنا.
وبالعودة لقصص الطفولة، في مثال ليلى والذئب، التي تنتهي في الأصل بموت الجدة والطفلة التي جازفت بالمشي في الغابة وحيدة ومن ثم دفعت ثمن مجازفتها، والأميرة النائمة التي تستيقظ في القصة الأصلية على اغتصابها، ما يتركها بعدة أطفال غير شرعيين، وإلى ذلك من تلك القصص، التي تم «تأديبها» لاحقا بشكل يناسب تربية الأطفال بالمئة عام الأخيرة.
وتطبق عقلية الترويض هذه سينمائياً، ولكن بشكل معاكس، ومثال ذلك قصة «الجوكر» التي تعود لعام 1940، كشخصية أساسية بين شريري عالم «دي سي» لقصص الأطفال والمراهقين المصورة، وهي لرجل عديم الاتزان مهووس بالإجرام الذي يجده أنجع وسائل تهدئة ضغطه النفسي.
وبالطبع هنالك نسخ عديدة لطرق التعاطي مع تلك الشخصية الخيالية، وبعضها اقترب كثيراً من تقديمها بلحم ودم، كما فعل هيث ليدجر في فيلم «فارس الظلام»، لكن النسخة الأخيرة من المحاولات واسمها «الجوكر» بطولة خواكين فينيكس تتخطى كل الحدود السابقة في إطار تقديمها بشكلها السوداوي المطلق، المثير للاضطراب.
العمل صادم، من نواح عدة، فهو يتنازل تماماً عن الترفيه الذي تتمتع بها كل أفلام الخيال العلمي التابعة لمجموعتي «مارفل» و«دي سي»، وهو بالتأكيد يحلق بعيداً عن مستوى عمر الثامنة عشرة لمن يحق لهم المشاهدة، ويرقى بمستوى تمثيله وكتابته وإخراجه لمستوى الحصول على جوائز عالمية في ذات الوقت.
لكنه رغم ذلك، يسوق قصة بطل إجرام إسطوري، خلق من أجل أن يُهزَم دوماً من بطل حماية عالم الأخيار والقانون «بات مان» في مدينة الانحلال الأخلاقي «غوثم».
بناء إنسانية المجرم، وتفنيد ملفه الصحي النفسي، وإعادة خلقه بما يتناسب مع تعقيدات عالمنا الحاضر، وتقديم الإجرام المعلل، بالطريقة نفسها، يتناسب مع الطريقة التي استعيدت بها شخصيات أبطال القصص المصورة الأخيار، لكي يتم خلقها من جديد، وإظهار نقاط ضعفها البشرية، وهوسها بالقوة، واحتمالات خطئها المستمر، بل ذهب المنتجون والمؤلفون من خلفهم لاختراع خلايا مقاومة هدفها محاسبة الأبطال الخارقين، فأحد لم يكن يفكر في أعداد الضحايا الهائل التي كانت تنتج عن مقاتلة الأشرار والأخيار، وأحياناً من الأخيار أنفسهم.
كل ذلك، في إطار ملاءمة تراث سابق مع تطور الحاضر وتعقيداته، ومعالجته ليصبح الماضي أكثر انسجاماً مع الحاضر، أو كما في قصص الأطفال العكس تماماً.
كل هذا مع الرهان على عنصر مفاجأتنا بملامح جديدة لوجه قديم لتزيد إثارة المعرفة، وفضولها. الفيلم لمن يرغب في اختصار رحلة نفسية مضطربة، ولكن تستحق التجربة.