سورية

انطباعات من متابعة أعمال «الدستورية» … لا إمكانية لاتخاذ أي قرار إلا بالتوافق والتصويت سيطيل أعمال اللجنة

| جنيف - مازن جبور

انطباعات كثيرة يمكن أن تتشكل لدى الصحفي بعد ثلاثة أيام من أعمال لجنة مناقشة الدستور، في وقت من المرتقب انطلاق أعمال لجنتها المصغرة اليوم.
أبرز هذه الانطباعات التي تشكلت لدى الصحفيين ولمسوها خلال مجريات أعمال اللجنة وتصريحات معظم أعضائها، أنه لدى سورية وعموم السوريين دستورهم العصري المقتنعون به وعلى من يريد تعديل أو صياغة دستور جديد أن يقنع الآخرين بأهمية أي تغيير آخذاً بالحسبان الثوابت الوطنية السورية التي لا يمكن تبديلها أو المساومة عليها، وإدراك من يرغب بالتعديل أن التوافق هو الحل الأمثل، لأنه في حال الذهاب إلى التصويت فلا يمكن التكهن بآفاق زمنية لانتهاء أعمال اللجنة التي قد تطول وتطول.
من بين الانطباعات، أن الوفد المدعوم من الحكومة السورية أظهر تماسكه وثقته بالدولة السورية المنتصرة التي تدعمه فكان أكثر انفتاحاً على كل الخيارات وهو ما بدا منذ الجلسة الافتتاحية عندما أعلن الرئيس المشترك من جانب الوفد أحمد الكزبري استعداد الوفد لخياري وضع دستور جديد للجمهورية العربية السورية أو مناقشة الدستور الحالي.
كما أن جدية الوفد المدعوم من الحكومة السورية ظهرت من خلال تشكيلته التي تتضمن خبراء قانونيين ودستوريين وأساتذة في القانون، إضافة إلى عمله المنظم والمحضر بشكل جيد، وامتناعه عن الظهور على الإعلام بهدف عدم التشويش على أعمال اللجنة، وهو أمر نابع من التزامه بما طلبته الأمم المتحدة من ضرورة العمل بعيداً عن الإعلام وجعل جلسات أعمال اللجنة الموسعة مغلقة.
الوفد المدعوم من الحكومة السورية منذ بداية أعمال اللجنة كان واضحاً لناحية تمسكه بثوابته الوطنية التي لن يقبل أبداً، ليس فقط التنازل عنها بل حتى مجرد المساس بها، وهو ما أكده خلال كل أعماله ونشاطاته في جنيف، إذ أكد الكزبري أن الوفد لن يكون ولن يلتقي مع من هو بعيد عن الثوابت الوطنية، الأمر الذي يعتبر رسالة واضحة إلى كل من وفد المعارضات وللمبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسون.
كذلك اعتمد الوفد المدعوم من الحكومة السورية الوضوح في طروحاته، فأكد ثقته بجيش بلاده وبقيادتها، وتصميمه على تحقيق أهداف الشعب العربي السوري، فلم يحاب ولم يوارب في مواقفه الأطراف الأخرى ولا الأمم المتحدة، فانتزع احترام كل المتابعين في قصر الأمم المتحدة بجنيف سواء مكتب المبعوث الأممي أم الصحفيين.
هذه الانطباعات كان من السهل تشكلها لدى الصحفيين، من خلال أحاديثهم المتداولة في «بار الصحفيين» بقصر الأمم المتحدة أو حتى من خلال توجه المبعوث الأممي مباشرة إلى الوفد المدعوم من الحكومة السورية للسلام عليه بعد انتهاء الجلسة الافتتاحية يوم الأربعاء الماضي.
خلال الجلسة الافتتاحية بدا واضحاً، أن مصافحة الضالين حرام حتى يهتدوا إلى الثوابت الوطنية للوفد المدعوم من الحكومة السورية، إذ إن الرئيس المشترك الكزبري لم يعط الفرصة للمبعوث الأممي ولا للرئيس المشترك من الطرف الآخر، كي تتم تلك المصافحة وما إن انتهت الجلسة الافتتاحية حتى غادر مباشرة المنصة ووقف إلى جانب زملائه في الوفد.
أيضاً انطباع عام آخر تشكل، بأن الوفد المدعوم من الحكومة السورية أتى إلى جنيف فارضاً كل شروطه وآرائه، خصوصاً أنه ليس من طلب تعديل الدستور أو صياغة دستور جديد بل أتى ليقدم فرصة جديدة للضالين عن الثوابت الوطنية ومن يمثلون علهم يعودون إلى رشدهم، وإن لم يعودوا فهم الخاسرون حتماً، وما لم يحصلوا عليه في الميدان بكل تأكيد لن يحصلوا عليه في لجنة صياغة الدستور، وهو أمر بات معلوماً لديهم.
إضافة إلى تشكل انطباع مفاده، أن الوفد المدعوم من الحكومة السورية والشعب السوري الذي يمثله، لديه دستوره العصري المتكامل الذي لا رغبة له بتغييره إلا لما فيه الخير لمستقبل سورية وشعبها، ولذلك فعلى من يريد التغيير أن يقنع الطرف الآخر بأهمية هذا التغيير أو أن يحقق النسب المطلوبة للتصويت على التعديل، وهو ما لن يستطيعه أبداً بدلالة الأرقام المطلوبة للتصويت التي لا يمكن تحقيقها.
وبالنسبة للمبعوث الأممي فيبدو أنه كان مدركاً أن الانطباعات السابقة هي حقائق، فلم يجد سبيلاً لكتابة النجاح لبدء أعمال اللجنة سوى الموافقة على اشتراطات الوفد المدعوم من الحكومة السورية، الأمر الذي ظهر في القواعد الإجرائية لعمل اللجنة ومدونة السلوك التي وفقاً لمصادر في جنيف تمت صياغتها قبل انعقاد هذه اللجنة وأتت متوافقة تماماً مع ما طلبته دمشق، وبكلام آخر يمكن القول إن هذه الورقة صياغة «دمشقية» بحتة، لم يدخل عليها أي تعديل.
بيدرسون يدرك أن دوره في هذه اللجنة لن يتخطى دور ميسر الأعمال، وهي الكلمة التي يكررها في كل ظهور إعلامي، وأن هدف هذه اللجنة هو إطلاق الحل السياسي الذي كانت تطالب فيه الدول الغربية والعربية المعادية لسورية، لعلها تجد مخرجاً لهزيمتها في الميدان وتعيد تطبيع العلاقات مع دمشق من بوابة «اللجنة الدستورية».
بيدرسون الذي بدا مفعماً بالأمل والتفاؤل من الخارج كان يكبت الكثير من القلق والخوف من انفجار الأمور في أي لحظة ولعل إقراره بخلافات عميقة في مؤتمره الصحفي عقب انتهاء أعمال اللجنة كان كمن ينفّس قليلاً مما كبته على مدار عدة أيام ولم يستطع البوح به، فالرجل لا بد أنه نام يوم الجمعة بعمق من شدة التعب بعد جهد ما يقارب السنتين لإنجاز تلك الأيام الثلاثة، يوم الجلسة الافتتاحية ويومي جلسات العمل، وربما لم يعد يعنيه كثيراً انتهاء أعمال اللجنة أو عدم انتهائها خصوصاً أن لا آجال زمنية لذلك.
تعب بيدرسون لم يكن من تشكيل اللجنة وحسب، بل إن التعب الرئيسي جاءه من الطرف الذي توهم أنه تابع للأمم المتحدة وأنه كتلته في اللجنة وحاول تحفيزه كثيراً واستقطابه أكثر، إلا أن الحقائق كان واضحة جداً للمتابعين، أن وفد المجتمع الأهلي هو قسمان رئيسيان قسم الـ29 عضواً القادمين من دمشق المتبنين بأغلبيتهم العظمى لذات طروحات وثوابت الوفد المدعوم من الحكومة السورية، وقسم الـ21 عضواً المقيمين في الخارج والسائرين بطبيعتهم في طريق الضلال ذاته الذي يسير عليه وفد المعارضات.
انقسام اللجنة الدستورية الموسعة من حيث الثوابت والأهداف والأجندات هو ذاته ما سيواجهه بيدرسون في اللجنة المصغرة المكونة من 45 عضواً، (15 عضواً لكل وفد من الوفود الثلاثة)، وبحساب أن هناك 8 أعضاء من مجموع التسعة والعشرين عضواً في وفد المجتمع الأهلي الذين أتوا من دمشق، فإن بيدرسون سيكون أمام فريقين في اللجنة المصغرة الأول مكون من 23 عضواً يتقاسمون بأغلبيتهم العظمى الثوابت الوطنية والأهداف نفسها، والفريق الآخر مكون من 22 شخصاً ولهم الأجندات الخارجية اللاوطنية نفسها.
في المقابل، كان واضحاً أن وفد المعارضات وفد مدرب على التدليس والتمليس للمنظمة الأممية من خلال استخدامه مفردات تم تلقينه إياها، إذ ركز على مصطلحات من قبيل تمثيل النساء والحريات العامة والديمقراطية واللاعنف وهي كلها مصطلحات تركز عليها الأمم المتحدة وتتبناها.
إلا أن الرئيس المشترك للجنة عن وفد المعارضات هادي البحرة وأعوانه من أزلام الخارج كانوا مدركين لحقيقتهم المهزومة ولحقيقة أنها الفرصة الأخيرة لهم كي يغسلوا ماء وجههم، فكان وديعاً في مؤتمره الصحفي بعد انتهاء أعمال اللجنة، حتى إنه تراجع عن تصريحاته بأنهم أعدوا مسودة دستور أرادوا أن يطرحوها متجاوزين بذلك قرار تشكيل اللجنة الذي ينص على مناقشة الدستور الحالي أو صياغة دستور جديد بعد الاتفاق على ذلك خلال أعمال اللجنة.
كما كان البحرة وأزلامه عاجزين عن التسويق لأنفسهم وداعميهم في الإعلام العربي والغربي، وذلك أنهم اضطروا للسكوت أو الإجابة بأجوبة محرجة لهم عن أسئلة وجهت لهم حول عملهم الاستفزازي وكذب ما روجوا له من أكاذيب وشائعات.
من خلال ما سبق يبدو واضحاً ثلاث حقائق رئيسية، منها:
أولاً: إن الوفد المدعوم من الحكومة السورية لن يتزحزح قيد أنملة عن ثوابته وأهدافه وهو والشعب السوري الذي يمثله لديهم دستورهم العصري المقتنعون به وعلى من يريد تعديل الدستور أو صياغة دستور جديد أن يقترب من تلك الثوابت والأهداف، وأن لا إمكانية لأي تعديل أو اتخاذ أي قرار إلا بالتوافق ويجب على الطرف الآخر والمنظمة الأممية أن يتحاشوا الذهاب إلى التصويت.
ثانياً: المبعوث الأممي كان يبحث عن نجاح منقوص، بأن يتم بعهده تشكيل اللجنة الدستورية وبدء أعمالها وهذا أقصى ليس فقط ما يمكنه تحقيقه بل حتى الحلم به.
ثالثاً: لا يمكن التكهن بآفاق زمنية لانتهاء أعمال اللجنة بل يمكن التكهن بأمر وحيد أن عملها سيطول ويطول.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن