ثقافة وفن

فرقة «أمية» صاحبة التاريخ الحزين … حسام تحسين بيك لـ«الوطـن»: ضياع تسجيلات هائلة للتراث السوري… وعروض فرق اليوم استهلاكية

| سوسن صيداوي

(أمية) فرقة جرح تلاشيها وعدم امتدادها كنواة أو حجر أساس لمدرسة تختص بالفنون الشعبية، أمر يُشعر به على الخصوص أشخاص ممن انتسبوا إليها وعاصروا نجاحاتها أو تألقها محلياً وعربياً وعالمياً.
حول هذه الفرقة كان اللقاء مع الفنان حسام تحسين بيك، وهو من الأشخاص الذين انتسبوا وأسسوا وعملوا على تدريب الراقصين، ولم يبخل ببذل أي جهد مستطاع لتبقى (أمية) مستقطبة الأنظار والإعجاب وحتى الدعم المادي والمعنوي من وزارة الثقافة، وللمزيد عما حصل لهذه الفرقة خلال عشرات الأعوام السابقة من تاريخ التأسيس حتى يومنا هذا، نترككم مع التفاصيل.

عن البدايات
هو من المؤسسين وممن قام بتدريب الراقصين الذين تنوعوا بالالتحاق إلى (أمية). عن التأسيس والبدايات حدثنا الفنان حسام تحسين بيك «من المعروف أن المرء يتطور ويسير قدماً نحو الأمام، إلا نحن بصدد هذه الفرقة، للأسف الشديد سرنا باتجاه الخلف. البداية كانت نتيجة لاجتماع جامعة الدول العربية والذي تقرر خلاله إنشاء فرق تحيي الفنون الشعبية، لمواجهة إسرائيل التي أخذت التراث العربي والفلكلور العربي ونسبته لنفسها، وبناء عليه شكّلت وزارة الثقافة السورية فرقة(أمية) وتأسست في عام1964، طبعا قبل هذا التاريخ كانت الفرقة موجودة، إلا أنها لم تكن قد أخذت الصفة التي تمثّل بها نفسها، ولقد كان الأستاذ صفوح قصاب حسن هو من أحدث هذا المشروع، واستحضروا لنا مدرباً من جورجيا، وبعد المسابقة أخذت الفرقة منحى مدروساً وجدّياً، شُكلت لتسافر وتدور العالم وتُحضر جوائز ذهبية جداً سواء بالرقص أم الموسيقا أو الأزياء».

الدعم كان في السابق
في زمن التأسيس وعندما انطلقت البدايات، كانت الهمم مشحوذة بطاقة إيجابية عالية ومساع خيّرة نحو اللامحدود لتقديم الأفضل والأنجح، ربما كان هذا الحال في زمن تأسيس (أمية) وعن الدعم الذي قُدم للفرقة من وزارة الثقافة أشار الفنان حسام «لقد استحضرت الوزارة الخبراء من الأجانب، وقام مدرب من جورجيا بتأسيسنا، ولكن أنا مثلاً لم أبن لوحاتي الراقصة على عمله، بل تعلّمت منه التقنيات والحركات وتمسّكت بما لديّ من حركات كي أحافظ على الأصالة لبلدي، إذاً استفدنا منه كثيراً ومنحنا ثقافة تعلمنا منها أمور اللياقة والنظام واحترام المسرح وأهواء الجمهور. وبما أنني دمشقي الهوى والروح، هذا الحب جعلني أعشق ما لدينا وأطوّر اللوحات الراقصة، ومنها رقصة (السيف)، إذاً لأوضح أكثر هنا: إن ثقافة المدرب الأجنبي انعكست عليّ كتراث وأصالة، وللأسف الشديد كل هذا التأسيس والدعم المادي والمعنوي ذهب هباءً».

الواقع مترد
بريق الفرقة خبا، ولم تستمر في حصد النجاحات أو استقطاب الجمهور السوري المحلي والعربي وحتى الأجنبي، وعن الأسباب التي آلت إلى هذا التراجع أشار تحسين بيك إلى أن «(أمية) لها باع كبير وطويل، والمنطق يقول إن فرقة مثلها يجب أن تكون حجر أساس لمدرسة حتى يكون هناك رديف، ولكن مع كل أسف الرديف عشوائي وغير مدروس، وبالنتيجة بدأت تتراجع عناصرها من الراقصين، الذين كبروا بالعمر وفقدوا المرونة ما انعكس سلباً على قدراتهم.
اليوم لا يوجد شيء اسمه فرقة (أمية)، لأنه من المعيب جداً أن يكون لدينا فرقة قوامها أكثر من 65 راقصا وترافقهم فرقة موسيقية عالية المستوى وعدد أعضائها مع الكورس لا يزيد على الثلاثين، وأن تصل الفرقة إلى مرحلة تقدّم فيها العروض على شريط (كاسيت)، على حين في زمان مضى كنا نعرض موسيقات شرقية أصيلة تراثية وطربية بمرافقة آلات:عود، ناي، قانون ومجوز… إلخ. هذه المشهدية انعدمت وهذا الأمر مخجل بل ومُذل، وخاصة عندما تصعد فرقة على خشبة المسرح وتمثل سورية في المهرجانات والمحافل الدولية وتؤدي لوحاتها الراقصة بمرافقة شريط (كاسيت)، على حين الفرق الأخرى المشاركة معها بالمهرجانات نفسها أو المحافل، تقدم عروضها مصحوبة بفرقها الموسيقية، إذاً تردّت الفرقة بمستواها بشكل مخيف».

تراثنا اندثر
في تساؤلنا عما حصل لكل هذا الجهد المبذول والغني في الإنتاج، وعن حال أرشيف(أمية)الذي يجب أن تستفيد منه الفرق الحالية، أضاف: «أنا مثلكم.. أتساءل دائماً وأقول:هذه الجهود كلّها هل يعقل أنها اندثرت ولا وجود لها؟ هذا الكم الهائل من التسجيلات والصور والأهازيج والأناشيد وما يدور بكل مباهج الحياة.. هل يعقل أن يختفي؟ في الحقيقة وللأسف الشديد، لقد اختفى أرشيف (أمية) وهو غير موجود في الوزارة. أتكلم هذا وقلبي يعتصره الألم، مع الأسف اندثرت (أمية) ولم يبق منها سوى موظفين كبار بالسن، ونشاطاتها الحالية غير ملحوظة، لا تقدم أي فن يشدّ الجمهور كي يتشجع ويتابع عروضها بشكل مستمر».

فَرقٌ بالفِرق
بين الماضي والحاضر وضعنا الفنان بمقارنة ابتداء من زمن التأسيس حتى الوقت الراهن «على أيام القائد حافظ الأسد كلما جاء إلينا رئيس من دول عربية أو أجنبية، كان يُطلب من (أمية) أن تقدّم عرضاً في الحفل. السؤال الذي يطرح نفسه أليس الحال اليوم معيباً، وأليس هو تخلّفاً أم نحن نتخلّف؟ فالمتخلف يقف بمكان ولكنه يحاول التوجه نحو الأمام، أما المتخلّف فهو يرجع إلى الخلف، نحن بهذه الفرقة تخلّفنا رغم أهميتها العالمية، فأي دولة تأتي إلينا تُحضر معها فرقتها كي تحاورنا باللغة المفهومة عالمياً من خلال الرقص والموسيقا، على حين نحن أهملنا هذه اللغة التي نحاور بها العالم، صدقوني عندما أفكر بالأمر أشعر بالأسى الكبير وبأن التصرف فيه جنون، حققت (أمية) اسماً مهماً ضمن منافسات الفرق الشعبية الأجنبية وحصدت الميداليات الذهبية ضمن المنافسات الواسعة».
وفي جوابه عن تقدير مستوى الفرق التي جاءت بعد(أمية) «حاولت الوزارة تشكيل فرقة أخرى وهي (زنوبيا) وأنا قمت بتشكيلها، وأعددت لها برنامجاً ضخماً، ولكن بسبب طبيعة عملي والتزاماتي بالتمثيل والمسرح وبالسفر، لم أتمكن من أن أستمر فيها، وبالطبع نجحت فرقة(زنوبيا) وكان حالها جيداً، ولكن للأسف بعد أن تركتها تراجعت أمورها- وذكرتها هنا لأن حالها حال (أمية) من حيث القدرات والمميزات- والآن (أمية) باقية بالاسم فقط، ومنذ سنوات ليست بعيدة طلبت مني وزارة الثقافة أن أكون خبيرا، فوضعت من أجل إحيائها شروطاً وخطة: كإنشاء فرقة موسيقية واختيار عناصر جديدة. كان من المفروض أن تُنفّذ، ولكن وللأسف لم ينفّذ أي منها، حتى إنهم أخذوا الملاك الوظيفي للفرقة، الأمر الذي جعل (أمية) من دون ملاك. هذا وكنت استلمت لفترة من الزمن فرقة (التلفزيون) وأيضاً قدّمنا فنوناً شعبيةً وتراثيةً، وعلى إثرها الفرقة اندثرت، يعني نحن بدأنا بفرقتين أو أكثر، اليوم يجب أن يكون لدينا نحو خمس عشرة فرقة، وهنا أقول إن التنوع يُغني والمنافسة بين الفرق لا تؤدي إلى التشتت، ولكن حال الفِرق التي تقدّم الفنون الشعبية، عروضها استهلاكية واستعراضية، فلا هوية لها، بل يمكننا أن ندرج حركاتها الراقصة تحت تصنيف التمارين الرياضية، حيث يدور الراقصون ويلتفون من دون أي حركة مدروسة. وأما بالنسبة للأزياء التي ترتديها، فهي عبارة عن قصاصات قماش ملونة، على حين في (أمية) كنا في كل سنة نُجري مسحاً، حيث تشكل لجنة لمكان من الأماكن السورية الأخيرة الغنية جداً بأقلياتها-على الرغم من امتزاج الأقليات إلا أن لكل منها خصوصيتها الباقية- وكانت اللجنة تذهب إلى المناطق السورية وتصوّر الأفراح والأعراس وكل المناسبات وكل مباهج الحياة التي تتفاعل معها من دبكات ورقصات، وتصوّر الأزياء وتشتري القديم منها، ومن ثم تعود إلى دمشق، لندرس الحركات كي نوّلد منها تصاميم جديدة للوحات ما يتناسب مع العرض المسرحي المشروط بالوقت والهدف للوصول إلى ذوق المتلقي من خلال الفرجة، من دون أن نخرج عن الأصل الأساس، وكنّا نعمل على الأهازيج والكلام كي نغني اللوحة لتكون قريبة من الواقع الأصلي».
فنانات أصبحن نجمات

معروف أن هناك مجموعة كبيرة من الممثلات وأصبحنّ اليوم قديرات ونجمات، انطلقنّ في بداية المشوار من منصة الفرق الشعبية، ومن الأسماء ذكر لنا الفنان تحسين بيك «كنت قد شكلّت فرقة خاصة، ومن أسماء النجمات الحاليات في التمثيل أذكر على سبيل الذكر لا الحصر: كاريس بشار، سوسن ميخائيل، مرح جبر، صباح الجزائري، غادة بشور، مها المصري. هؤلاء الفنانات استمررن بالمسيرة واتجهن نحو التمثيل والنجومية».

في كلمته الأخيرة
الحزن سيطر على أفكار ومشاعر الفنان حسام تحسين بيك في كل النقاط التي أثارها الحوار، فعمق إحساسه نحو (أمية) عالي التقدير، وفي نهاية حديثنا ختم برسالة وجهها لوزارة الثقافة وللجهات المعنية قائلاً: «كنت ذكرت أعلاه بأنني طُلبت لعدة مرات من أجل الخبرة، وهنا أؤكد أنني لم أكن موجوداً بصدد المال بل من غيرتي على هذه الفرقة لكوني من عناصرها المؤسسين.
إذاً من الخط البياني لتأسيس الفرقة ونشاطها مع نجاحاتها إلى اليوم، من المبكي والمحزن جداً على فرقة كانت كـ(الغول) بالمهرجانات وتحصد لأدائها المميز الجوائز الذهبية، اليوم هي ماضية نحو التلاشي ولم يعد يُذكر حتى اسمها، شخص مثلي تربى في هذه الفرقة وتأسس فيها وشاهد عظمتها، يؤلمه أن يرى نهايتها هكذا. ما أقوله هنا هو رسالة أوجهها للمعنيين، لقد كان من المفروض أن يكون لـ(أمية) مكان أسوة بالمعهد العالي، أو قسم خاص بالفنون الشعبية بالمعهد العالي.
وللأسف الشديد ما هو حاليّ من الفرقة عبارة عن بقايا. حاول الشباب جهدهم وهم كالغريق الذي يتمسك بقشة، ولكن (أمية) الحالية لا تشبه أمية السابقة، هناك كنا نسافر إلى الخارج ونقدّم برنامجين، زمن الواحد منهما لا يقل عن ثلاث ساعات، وكنا أكثر من مئة شخص ما بين موسيقيين وراقصين ومصممي أزياء، كنا ندخل المسرح بثقة ونقدم عروضاً جدّ رائعة بشهادة الأجانب والدول العربية المستضيفة.
وأخيراً لقد طلبنا ونطالب، وهذا تقصير من وزارة الثقافة ووزارة الإعلام ونقابة الفنانين ووزارة السياحة، كلّهم لم يستطيعوا أن يتضافروا ويتفقوا على رأي واحد بضرورة إنشاء مدرسة للفرق الشعبية من خلال تأسيس قسم خاص بالمعهد العالي، مع البحث عن الأرشيف المسجّل الخاص بالفرقة. للأسف حتى اللحظة لم يهتموا بها بعكس وزير الثقافة الأسبق فوزي كيالي الذي اهتم بالفرقة ودعمها كثيرا، لكن من بعده حصل تراجع كبير إلى أن فقدت(أمية) ملاكها الوظيفي. سأكتفي وأختم بأن فرقة(أمية) نواة يجب أن نبني عليها مدرسة، لا أن تضمحل وتندثر، متناسين ما تدرّ عروضها من أرباح تعود إلى خزينة الدولة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن