ثقافة وفن

فرقة «أمية» صاحبة التاريخ الحزين … مها الشاطر لـ«الوطـن»: أتمنى أن نشكّل فرقة على قدرها احترافاً وطموحاً

| سوسن صيداوي

فرقة «أمية» للفنون الشعبية. حلم التراث السوري الضائع. هل نبالغ؟ هل نحن انفعاليون وعاطفيون؟.
هل نحن مزهوون بفترة لمع بها الإبداع بسرعة ضوء البرق؟ أسئلة كثيرة يمكن طرحها حول فرقة «أمية» للفنون الشعبية. وبالتأكيد لن نبالغ.
وسنترك الحديث لمن أسسها ومن رقص وعزف وعاصرها. وللتذكير هذه الفرقة تتبع لمديرية المسارح والموسيقا في وزارة الثقافة.
تأسست في عام 1960 من هواة من الطلبة والطالبات، دُعمت الفرقة من الوزارة – وكيف لا؟- وهي هويتنا التي نتقدم بها لنصافح الآخر في الدول العربية والأجنبية، فمن محلياتنا المتنوعة فكرا وثقافة وتراثاً وحضارة تلخصت بمجموعة مؤلفة من أكثر من 150عضوا تنوعوا بين راقصين وموسيقيين ومغنين ومصممي أزياء ومدربين.. إلخ.
توقفت الفرقة في عام2000و لكنها عادت إلى الساحة في 2013، ولكن بين تأسيسها وانطلاقتها، ومن بعد توقفها، نترك الحديث لذوي الاختصاص ومن عمل بها.

من راقصي «أمية»
حدثتنا الراقصة مها الشاطر الموظفة حالياً في نقابة الفنانين فرع ريف دمشق، وكانت من بين راقصي (أمية) البارزين والمحبوبين، وهي ممن عاصروا أوج ازدهار الفرقة ولو لمدة لم تتجاوز العامين ولأسباب ستذكرها لاحقا في حديثها لـ«الوطن» منذ البدايات: «أنا انتسبت لفرقة (أمية) للفنون الشعبية في عام1985، لقد كانت في تلك الفترة بأوج عطائها وازدهارها، في أثنائها كان يرافقنا خلال العروض فرقة موسيقية مؤلفة من ثلاثين عازف تقريبا، يعزفون مباشرة المقطوعات الموسيقية مع الكورس الغنائي لنقوم نحن برقص اللوحات على المسرح، وكنا نفوق الستين راقصا. ولكن السبب الذي دفعني لتركها بعد سنتين ونصف السنة من الالتزام بها، هو القرار بمنعنا من ممارسة أي عمل إضافي خاص، وبالطبع هذا القرار اضطرني- وللأسف الشديد- لترك (أمية)، لأنني بحاجة إلى تأمين متطلباتي المعيشيّة، فالتفت للفرقة (الشامية) للفنون الشعبية التابعة لوزارة السياحة، وبقيت فيها نقدم العروض ونسافر إلى الدول العربية والأجنبية، وكانت أخر محطاتي في الرقص بالعمل مع القدير دريد لحام في مسرحية (شقائق النعمان) حوالى خمس سنوات تقريبا، وباختصار لم أنتقل للعمل في الدراما لأنني لا أحب التمثيل. ولكن ما يمكنني أن أخبركم به عن مشواري في الرقص الشعبي أن مرحلته كانت طويلة جداً وزخمة جداً بالعروض الرائعة التي كانت تتكلم عن الفلكلور والتراث السوري، على حين الوضع اليوم وأقصد بالنسبة لفرق الفنون الشعبية الحاضرة، هو سيئ جداً واستعراضي إن صح التعبير، فالراقصون لا يقدموا عروضا حيّة بمرافقة فرقة موسيقية، بل يرقصون على موسيقا مسجّلة على (الكاسيت)، هذا عدا اهتمامهم بالأزياء وبالتراث وبالرقصات، هذا الأمر بالذات لا يمكننا مقارنته أبدا بما كان يُعرض سواء في فرقة (أمية) أو الفرقة (الشامية).
من المعروف أن (أمية) صدّرت موهوبات من الراقصات اللواتي أصبحن اليوم من أهم النجمات في الدراما السورية، في سؤالنا عن الفنانات اللواتي كنّ مع (الشاطر) أثناء تقديم العروض أجابت»لم يكن عند انتسابي للفرقة أي من الفنانات المقصودات، فقبل انضمامي بفترة كانت الفنانة غادة بشور قد تركتها والتفتت للرقص الشرقي، وحتى أميرة خطاب من الفنانات اللواتي انضممن إلى فرقة التلفزيون ومن بعدها للتمثيل، على حين هناك من الراقصات من بقينّ في الفرقة حتى التقاعد، ومنهنّ من أصبحنّ مدربات مثل وفاء ضعضي ومن بعدها تقاعدن».
وبالنسبة للنجاحات والحفلات التي قدموها في دول العالم العربي والأجنبي وتمثل عروضها التراث السوري المتنوع تابعت «خلال السنتين ونصف السنة التي قضيتها في (أمية) سافرنا إلى الكثير من الدول العربية: مصر، تونس والمغرب. والدول الأجنبية كروسيا ودول أوروبا، وقدمنا التراث السوري الأصيل بالمناسبات والمحافل الدولية، وأثرنا الإعجاب عند الأجانب لتنظيمنا وروحنا الواحدة عندما كنا نؤدي اللوحات، مندمجين مع الموسيقات والأغاني المقدمة، هذا عدا الأزياء التي كنا نرتديها والتي لم يتم اختيارها بشكل اعتباطي بل كانت مرتبطة بكل لوحة وبكل فولوكلور يعود إلى منطقة من المناطق السورية الحبيبة».
وعن التدريبات والتمارين أشارت مها الشاطر إلى أن الأساتذة لم يتهاونوا مطلقاً فيها، وحتى وزارة الثقافة كانت تستقدم لهم الخبراء الأجانب ومنهم الروس: «تلك الفترة كانت جميلة جداً، وكان يدرّبنا:عمر العقاد، عدنان أبو الشامات، حسام تحسين بيك، وعدنان مهايني، أيمن بهنسي. لكل لوحتين راقصتين مدرب خاص، فمثلا عمر العقاد درّبنا على (الميلوية).
وعدنان أبو الشامات درّبنا على رقصة (السماح والموشحات). على حين أحمد المهايني وحسام تحسين بيك كانوا يدرّبوننا على معظم اللوحات. وأحب هنا أن أشير إلى أنه في تلك الفترة كانت وزارة الثقافة تقدم جميع أنواع الدعم المطلوب للفرقة، فكانت مثلا تستقدم لنا الخبراء الراقصين الروس وحتى العازفين منهم، ومن بينهم عازفة البيانو «ناتاشا» زوجة الفنان حسام تحسين بيك، وحتى أنهم كانوا في بداية وقت التمرين يدرّبوننا على المرونة واللياقة مدة ساعتين، لتهيئة أجسادنا للبدء بتمارين اللوحات الراقصة المطلوبة للعروض. هذا كما أن كل احتياجات الراقصين والعازفين كانت الوزارة توفرها سواء من مأكل، مشرب، لباس، وحاجات السفر، فالدعم والتقدير لهذه الفرقة كان كبيراً جداً في الماضي».
وعن معارضة الأهل أو تشجيعهم للانضمام لفرقة الفنون الشعبية والقيام بالرقص تابعت الشاطر من تجربتها الشخصية «بالنسبة لعائلتي بالذات لم يكن هناك مانع أو عائق لأني كنت أقدم الرقص الشعبي الذي يمثل تراثنا السوري، وبالطبع هناك من العائلات من لا تؤيد الرقص ولو كان شعبيا، ولكنّ عائلتي من بيئة منفتحة، فلم أجد صعوبات بالانتساب للفرقة وخصوصاً أنها تابعة لوزارة الثقافة، وبعد السنتين ونصف السنة في (أمية)، انتقلت إلى المسرح العسكري وبقيت فيه نحو العام، بعدها طُلبت للفرق الخاصة وللفرقة (الشامية) التابعة لوزارة السياحة، حيث قدمنا العروض المحلية وفي الدول العربية والعالمية».
هي كانت شاهدة على التأثير المباشر للرقصات التراثية المستوحاة من كل المناطق السورية، ومن المسرح التأثير يكون مباشراً، وعن نظرة الغرب لتراثنا الشعبي ومتابعتهم للعروض قالت: «ذات مرة لما سافرنا إلى روسيا، على الرغم من أنه بلد أجنبي إلا أنهم أحبّوا جداً العرض الذي قدمناه بـ(أمية) واستمتعوا باللوحات المتنوعة التي كانت تمثّل تراثنا السوري: من موسيقا إلى غناء وإلى رقص وأزياء».
أما في كلمتها وكرسالة توجهها لوزارة الثقافة حول أهمية أرشيف (أمية) والفِرق الأخرى التي عاصرتها كالفرقة (الشامية) وفرقة التلفزيون مختتمة حديثها معنا: «للأسف في الوقت الحالي هناك فِرق كثيرة ولكنها لا تصل إلى مستوى (أمية)، التي كانت تعلو المسرح وترافقها فرقتها الموسيقية الخاصة، أتمنى أن نشكل فرقة على هذا القدر من الاحتراف والطموح، وفيها من المواهب الشابة التي تسعى لتقديم الأفضل بكل حماس وشغف، وأذكر مرة من الطرائف التي كانت تحدث معنا أثناء العروض، أننا مرة ومن شدّة حماسنا كسّرنا خشب المسرح تحت أقدامنا. كنا نشعر بفخر كبير وباعتزاز أكبر لأن الفرقة وطنية وتراثية بامتياز. وأخير بقي أن أقول لكم، إن الرقص بدمي ويجري في عروقي، وصحيح أنني لم أعد أقدم الرقص الشعبي، إلا أن متعته مازالت تحتّل ركنا خاصا في قلبي وبمجرد التفكير أو التذّكر في الماضي أشعر بمتعة لا توصف».

من الجانب الموسيقي
ربما أصبحت الصورة أوضح لكم أعزاءنا القرّاء بأنّ (أمية) فرقة الرقص للفنون الشعبية، كان يرافقها بشكل دائم فرقة موسيقية يزيد عدد أعضائها على ثلاثين عازفاً ومغنياً، ومن بينهم كان لنا الحديث مع العازف محمد هنود الذي استذكر أمجاد الفرقة وأخبرنا من تجربته الخاصة «كانت العروض في السابق كلّها حيّة، وكلّ اللوحات تضجّ بالحياة وبالحركة وبالألوان والفرح. هذا كما أنّ اللوحات كلّها مدروسة ومبنية على فكرة، ابتداءً من الأزياء إلى اللوحات الراقصة، إلى الغناء وهكذا. في تلك الفترة ما قدّمناه كان فنا حقيقيا يجسّد التراث السوري. وأتذكر جيداً أنه من شروط قبول الراقصين عدا مرونة الجسم المطلوبة، أن يتّميزوا بابتسامتهم وبشاشتهم الطاغية أثناء الرقص، وبأن يقفوا على خشبة المسرح بثبات وشموخ وثقة عالية».
توقفت (أمية) عام2000 بقرار من وزارة الثقافة، بسبب ظهور فرقة (زنوبيا) التي انتسب إليها فيما بعد كل أعضاء (أمية) ويختم هنود حديثه «للأسف الشديد فيما بعد وحوالى عام الألفين كانت تشتّت (أمية) لضعف الدعم والأموال وعدم الاهتمام بها كما في السابق، فاضطر الكثير من الراقصين بالالتحاق للعمل في فرقة التلفزيون، ومنهم من تركوا الرقص ليطوّروا أنفسهم بالإخراج أو المونتاج مثلا. وأخيراً أشعر بالألم الشديد على الحال الذي آلت إليه (أمية) لأنها كانت فرقة ملتزمة بفنها وبعروضها وبتراثنا وتمثل سورية كلّها».

من تجربة قريبة
من الراقصين والمدربين الذين شهدوا تطور(أمية) ولكنهم التزموا مع فرقة التلفزيون نتوقف مع نبيل لبنية الذي أثار في حديثه أمورا أخرى «في سنة 1968 كان هناك إلى جانب (أمية) فرقة (التلفزيون)، (أمية) تميّزت بالإقبال الشديد على عروضها من الجمهور، وكل من عاصر تلك الفترة يعلم تماما الدعم الذي كانت تتلقاه هذه الفرقة سواء من استقدام المدربين المحترفين من الأجانب، إضافة إلى الدعم في الإنتاج والذي لم يبخل في دراسة الأزياء أو اللوحات الموسيقية والراقية، فكيف لا، و(أمية) هي التي تمثل التراث السوري والهوية السورية لنا لنعرّف بها الأجانب عنا. بعدها كما ذكرت أعلاه جاءت فرقة (التلفزيون) المرادفة لها وأصبحوا يستعينون ببعضهم عند النقص في الراقصين أو الأزياء وهكذا».
وأخيراً في سؤالنا: لماذا لا يكون لدينا فرقة واحدة تمثّل سورية جاءنا الجواب: «حالة صحيّة وتثير التنوع وجود تعدد بالفرق الشعبية، وخصوصاً أن عُمر مرونة جسم الراقص محدد، فالأمر يتطلب متابعة وإدارة جادة للبحث بشكل دائم عن عناصر شابة من الراقصين، وهذا سيكلّف وزارة الثقافة ويتطلب منها إمكانيات ودعم لإقامة المسابقات وتوظيف من يتم اختيارهم من العناصر الموهوبة والبعيدة في اختيارها عن الوساطات، وهنا أتوقف بذكرى بعيدة، في مسابقة للتلفزيون تقدّم عدد وصل للآلاف ولم تختر اللجنة إلا خمسة عشر راقصاً، هنا الحالة صحيّة وليست قائمة على الوساطات، وإذا التزمنا بما التزمت به اللجان في الزمان السابق فسنكون بألف خير ودائما ستنتعش فرقنا بالشباب الحالم والطموح. أخيراً، أما بالنسبة للفرق الخاصة الموجودة في الساحة، أقول إن بعضها جيد المستوى، ولكنها لم ترق للمستوى التراثي الذي كانت تقدمه (أمية)».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن