مرت نظرية المـؤامرة بمراحل كثيرة، وبلغت أوجها في القرن الماضي، حيث سقط العرب ضحية لمؤامرات كثيرة كانوا في غفلة عنها، فضاعت جغرافيا، وتاهت شعوب، وتعكر أفق السلام ربما إلى الأبد.
وقضى كثير من العرب وقتاً طويلاً، وبذلوا جهداً عظيماً في اتجاهين، الأول هو إقناع أنفسهم وشعوبهم بأن كل ما يجري هو مؤامرة، والثاني في مواجهة المتآمرين أنفسهم بنظرية المؤامرة.
وبما أن الوقائع تحكي النتائج، لا داعي لذكرها، رغم أن المؤامرات لم تتوقف ولن تتوقف، والفارق بين هذا الزمن وذاك، هو أن الشفافية الآن أوسع، والقدرة على استحصال المعلومات، والبناء عليها أكثر، وبالتالي تقل فرص الانخداع، ويتراجع الوهم، أمام ما تتم قراءته من وقائع وتصريحات وأحداث، هذا إن كانت الرغبة والإرادة في التحليل موجودة، والقدرة على المقاومة متوافرة.
وبالطبع رغم ثبوت نتائج المؤامرات الكثيرة التي أصابت العرب، إلا أن الحديث عنها والمقارعة بها، يظل صعباً وخصوصاً أمام المجتمع الغربي، الذي يحتفظ دوماً بدفاعه القائم على التهكم من نظرية المؤامرة، والسخرية من طرق الدفاع المستمرة لنا من موقع الضحية.
والحقيقة، أنه مع الوقت، وبعد استخدام هذا السلاح الضعيف، تجد نفسك، تتساءل إن كان دفاعك كضحية، هو أفضل سبل الدفاع، وإن كانت حقوقك أو أي مما تبقى منها يمكن أن يعود أو ترى ملامحه يوما بهذا الاسلوب.
ففي كل المؤامرات، وخصوصاً التي تبنى على شكل نظرية، ثمة احتمالات ودراسات للخطا والتوقعات المجابهة، وقد فشلنا دوماً في إفشال المؤامرات، مستمتعين بسادية الوقوف كضحايا، كما يسجل التاريخ غير العادل دوما، والذي في وقت لاحق، كما هو الحال في فلسطين، يصبح حتى الضحايا ملامين، لتعصبهم، وشقاوتهم، ويأسهم، وعدم قدرتهم على التخلص من تلك الضغينة الثقيلة والاندفاع للأمام.
كبشر هذه حكايتنا، إذ إن صراعنا وتنافسنا لن يتوقف أبداً. وينتصر دوماً، من يتحضر ومن يعد العدة، ومن يتجهز ويخطط ويعرف أهدافه ويعرف خصمه وكيف يجابهه.
أما الضحية، فيمكن أن يحصل على التعاطف، وربما على دعم كتاب أدبي، أو ورقة بحثية، وفي أحسن الأحوال إنتاج سينمائي ضخم. لكن من دون ميداليات تعلق على صدره، أو حكايا فخر يرويها لأحفاده.
والمثير أنه بعد مرور السنين، يتحدث المتآمر نفسه عن فعلته، بعضهم ليريح ضميراً متشنجاً، وبعضهم الآخر من باب التفاخر. وأنا نفسي شهدت كثيرين، ممن قالوا «فعلنا وفعلنا، وكان الكل يقول إنه حقيقة يعلم، إلا أن أحداً لم يفعل شيئاً ليوقفنا»، سوى الكلام والصراخ، وترداد صيحات هنالك مؤامرة.
والآن كثيراً ما يقبل الآخر الغربي حديثنا عن المؤامرة بهزة رأس موافقة، إذ صار العالم مكشوفاً، أكثر، وفي مناسبات عدة انتشرت أوراقه السرية، ونصوص برقيات السفارات المشفرة، ولم يعد ثمة حاجة لإثبات شيء مثبت.
بل إن العالم صار مكشوفاً لدرجة أن رئيس دولة عظمى، يجاهر برغبته في سرقة نفط دولة أخرى، وإرسال الجنود لحماية لصوصه، وتوظيف الشركات التي يمتلك أسهماً فيها رغم ما في ذلك من احتمال اتهامه بجرائم الحرب.
بهذا المستوى من الصدق، لا حاجة للحديث عن المؤامرة، ولا عن حقيقة وجودها. بل إن الأكثر صحة، هو حذفها من القاموس اللفظي والإعلامي والسياسي. واستبدالها بسبل مواجهتها، من جميع النواحي، وتتصدرها القانونية.