ثقافة وفن

النحت في نسخته الجديدة يلتفت إلى المرأة والأنوثة … سامر قزح لـ«الوطـن»: تعتمد التجارب على دمج المواد لتقديم شيء معاصر مختلف

| سوسن صيداوي

الابتعاد عن الكلاسيكيات، الولوج عميقاً نحو العصرنة والحداثة، طرح التجارب المدمجة باختلاف المواد بعيداً من المألوف، هي خطوط تمّ الاتفاق عليها عبر معرض سنوي يمتد ضمن مشروع انطلق العام الماضي، في(نَحْت) اليوم في نسخته الثانية، يتقدم برؤية جديدة تحت عنوان: (Mixed Media) أو خلط المواد. (نحت2) معرض جماعي افتُتح في غاليري سامر قزح في دمشق، احتوى خبرات وتجارب لأجيال مختلفة من مجموعة نحاتين سوريين متميّزي البصمة، وكما أشرنا أعلاه المنحوتات اعتمد تشكيلها على دمج أكثر من مادة واحدة -كالمعادن مع البلاستيك أو الخشب-للعمل النحتي الواحد وبحسب رؤية النحات. حصد المعرض إعجاب الحضور، لجمالية وفرادة محتوياته التي تذهب نحو ثلاثين قطعة لكل واحدة منها حكاية. والنحاتون الخمسة عشر المشاركون حسب الترتيب الأبجدي: أبي حاطوم وجميل قاشا وربا كنج ورهف علّوم وسماح عدوان وصفاء الست وعلاء علي محمد وعيسى قزح وفؤاد أبوعسّاف وكنانة الكود ومصطفى علي وميسان سلمان ووائل الدهّان ووضّاح سلامة ويامن يوسف.
«الوطـن» كانت في الافتتاح وحول المشاركات وما يحمله الجديد لهذا المشروع توقفنا مع مُطلق الفكرة، مع عدد من الفنانين المشاركين.

صاحب المشروع
سامر قزح مدير غاليري (قزح) وصاحب فكرة المشروع الذي انطلق العام الماضي بأول معرض (نحت1) وبتجارب مختلفة ومتنوعة، ولكن عن المعرض الحالي(نحت2) والمشاركين فيه صرّح لـ«الوطـن» معرض (نحت2): هو من سلسلة معارض سنوية باشرتها الغاليري، بهدف الاهتمام الأكبر بالنحت السوري، وبالنحاتين السوريين، مع فتح الباب لفرص وتجارب مختلفة. قدم معرض (نحت1) العام الماضي تجارب نحتية كلاسيكية، على حين طلبنا هذا العام من بعض النحاتين- وعدد المشاركين خمسة عشر نحاتاً -بأن يقدموا تجارب معاصرة تعتمد على دمج المواد النحتية بعمل واحد، بمعنى ألا يعتمد العمل النحتي على مادة واحدة كالخشب أو البرونز، بل اشتغل الفنانون على دمج عدة مواد ببعضها في المنحوتة، مقدمين شيئاً معاصراً مختلفاً عن الكلاسيكيات القديمة. وبهذا النَفس ستواظب معارض (قزح)».
وعن الفنانين المشاركين عن إمكانية مشاركة فنانين مغتربين تابع قزح: «بالنسبة للفنانين المشاركين فأغلبهم مقيمون في سورية، وبالطبع هناك الكثير من النحاتين السوريين المغتربين والمهتمين جداً بالمشاركة ولكن هناك صعوبة بقدومهم أو بنقل منحوتاتهم إلينا، والجميل بالأمر أن المشاركات الحالية تنطوي على تجارب لأجيال متعددة، سواء أكانوا من الأساتذة القدماء أو من النحاتين الشباب».
وأخيراً قال صاحب فكرة (نحت): إنه أول معرض اختصاصي نحتي وجماعي، وانطلق (نحت1) في العام الماضي، ولكن هذا المشروع خُطط له منذ أكثر من عشر سنوات، وبسبب ظروف البلد لم تتم المباشرة بالمشروع إلى العام الفائت.

مصطفى علي
من جانبه عبّر النحات العالمي مصطفى علي عن سعادته ومفاجأته لما احتوى المعرض من تجارب، ليتابع: «أنا بكل صراحة فوجئت بالمستوى العالي للمعرض، والحقيقة ما أدهشني أكثر بأن أصحاب التجارب السابقة الذين شاركوا معنا في (نحت1)، هم اليوم نحاتون أنضج وتجاربهم تحمل قيمة فنية أكبر، وأقولها بكل حماس: إن هؤلاء الشباب هم اليوم أكثر ترسيخاً لظاهرة النحت في سورية، وأنا أرى أننا سنشهد بصمة جديدة بالنحت السوري المعاصر». وعن منحوتته أشار إلى أنها في معظمها خشبية المادة، وهي تجسد شكل رأس سمكة، وفيه من التآكل دليل على التلاشي وعلى أن دوام الحال من المحال.
عيسى قزح

يمثل المعرض لقاء خمسة عشر نحاتاً بتجارب متنوعة، وعن تجربته الخاصة حدثنا النحات عيسى قزح: «فتح المعرض الحالي لنا باب الحوار والمنافسة بين المشاركين من خلال عرض تجاربنا، وخصوصاً أننا اليوم مختلفون عن السابق بما نقدمه في دمج المواد. أما عملي فهو يجسد الازدواج بالشخصية، فلقد اشتغلت على البرونز -كالعادة- مع مادة جديدة استخدمتها لأول مرة وهي مادة البلاستيك الذي قمت بتذويبه ودمجت معه مادة القصدير، لتدل المنحوتة على الازدواجية في الشخصية من حيث البرونز وفوقه البلاستيك والقصدير، وبالطبع هذه التجربة قابلة للتطوير والتجديد بشكل دائم».

روبا كنج
وفي سؤالنا عن المختلف فيما قدمته النحاتة روبا كنج المتفردة في إظهار الأنوثة بجماليتها، أجابت: «في العام الماضي كانت الفكرة في المشروع مجرد اجتماعنا كنحاتين في معرض واحد، وبالطبع حينها قدّم كل نحات أعماله بمواد وفق حريته المطلقة، على حين المعرض الحالي (نحت2) طُلب منا أن نقدم أعمالنا بدمج العديد من المواد، وبصراحة هذا الأمر شكل لدّي تحدياً بأن أدمج مواد مختلفة وأصوغ منها عملاً بعيداً من الطريقة التقليدية فيما كنت أقدمه، كما أضافت لي هذه التجربة بأن أطلق لنفسي العنان وأتجرأ في طرح أعمال فيها من الأفكار الجديدة وحتى في المواد من حيث تطبيقها وتنسيق الألوان ببعضها بعضاً». هذا كما شاركت كنج بعملين أحدهما خشبي والثاني من معجون الورق والجرائد مع مادة الغراء اللاصقة، مشيرة إلى أن الأخير أربكها جداً ولكنها تمكّنت في النهاية من تقديم العمل وفق رؤيتها.
وقد ختمت حديثها بالتعبير عن سعادتها بهذه الحالة التي يفرضها مشروع (نحت) السنوي من حيث لقاء النحاتين»في التعرف على تجارب وخبرات جديدة ضمن أعمار مختلفة، الأمر الذي يفيدنا ويغنينا».
يامن يوسف

مما كتب النحات يامن يوسف من أفكار قدمها ليتأمل بها الزائر كما المنحوتات: «النسيان.. حين تبدأ الوجوه التي أحببناها بالتلاشي.. حين تبدأ تلك الملامح الهشة كالماء بالتسرّب من ثقوب الذاكرة.. نحن بحاجة لإيقاف ذلك النزيف، بحاجة لصيد تلك الملامح بين حدود عمل فني تشكيلي أو كلمات كتاب أو حتى أن نثبتها بحجر».. ومن هنا كان سؤالنا إن كان النحت تثبيتاً فكيف تمكنت مواده الهشة ومنها(الشاش) من منع التلاشي بالنسيان، فأجاب: «المعايير النحتية اختلفت في العالم كله من حيث الوزن والمادة، بالتأكيد إن العمل الفني ديمومته بقيمته الفنية، فالمواد الداخلة في التصنيع تعطي العمل القيمة المادية، ومعرض (نحت2) ينطلق من تحفيز النحاتين على تطويع المواد الداخلة في المنحوتة مهما كانت لتجسد أفكارهم، فمثلاً أنا استخدمت الشاش رغم أنه مادة هشة وهزيلة كي تجسّد ملامح وجوه لبعض الأشخاص وطبعاً من خلال تجاربنا نحن نحاول أن نلحق بركب الغرب الذي سبقنا ونحن متخلفون عنه، لكن هذا لا يعني أنني لست متفائلاً بحركتنا التشكيلية السورية، وبرأيي الفن يكون معاصراً للوقت الذي ينبثق منه وليوثق المجتمع فيه». خاتماً بأن وجوده في المعرضين السابق والحالي مهم جداً لكونه يُغني التجارب المقدمة من الفنانين والسعي لتقديم المختلف، «في المعرض ميزة التجريب الذي في النهاية سيطورنا ويجددنا دائماً».

وائل دهان
وأخيراً عبّر النحات وائل دهان في حديثه لنا عن سعادته وحريته التي تمنحه إياها تجاربه التي تتنوع في مشروع (نحت) وعن مشاركته السابقة والحالية»في المعرض السابق اشتغلت على مادتي المعدن والسيراميك، ولكن في (نحت2) تتلخص تجربتي بالعمل على المعدن وفوقه عجينة السيراميك، ولكن هذه المرة قمت بشيّه خارج الفرن، وبصراحة استمتعت بهذه التجربة التي اشتغلت عليها لأول مرة، لأنها منحتني نوعاً من الحرية من حيث متابعة تغاير التأثيرات التي تخضع لها المواد أثناء وضعها داخل الفرن. وبالعموم أسلوبي بالمشاركة في أي معرض، يكون بتجريد نفسي من كل ما أملك من معارف وخبرات، لأكتسب مهارات ومعارف جديدة، بل أسعى لفتح طرق مغايرة لما اعتدته لتطوير نفسي وتجاربي النحتية، وأخيراً وعبر هذا المعرض ومن خلال التجارب المقدّمة نحن نغتني دائماً ونتنوع من خلال آفاقه المختلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن