من دفتر الوطن

سرطان الثدي.. والرجولة!

| فرنسا- فراس عزيز ديب

انتهى شهر تشرينَ الأول لينتهي معهُ ما باتَ يُعرف بشهرِ التوعيةِ العالمية من مرضِ سرطان الثدي. في سورية لا نستطيع إلا أن ننظرَ بالكثير منَ الفخرِ إلى المستوى المتقدِّم الذي وصلَت إليه حملاتُ التوعية ضد هذا المرضِ الخبيث رغمَ ظروف الحرب وتشتّتِ الاهتمامات، إن كان عبرَ حملاتِ التوعية التي أطلقتها الجِّهات الرسمية، أو تلكَ التي تبنَّتها الجِهات الخاصّة.
هذا العمل الكبير وإِن كان مثارَ احترامٍ وإشادة، لكنهُ بدا منقوصاً من نقطةٍ مهمة بدت شبهَ غائبة عن حملاتِ التوعية تلك والمتمثلة باقتصارِ رسائل التوعية على النساءِ فقط، حتى اللون الوردي الذي يرمز لشهر التوعية يوحي وكأن المرض هو أحد الأمراض النسائية، لكنَّ الحقائق العلمية والعملية لا تقول ذلك.
قبلَ أيام نشرَت إحدى الصحف الفرنسية لقاءً مع فرانك، مواطنٌ فرنسي يعمل كخبيرِ معلوماتية، قال إنه اكتشفَ إصابتهُ بسرطان الثدي قبل أشهر عن طريق المصادفة.
فرانك تعمَّد الخروج بهذا اللقاء ليحكي عن تجربتهِ الشخصية عسى التوعية تعمّ الجميع من دون استثناء، فهوَ أكد أنه كما الأغلبية العظمى من الرجال الذين يجهلون تماماً أو يستبعدونَ فرضيةَ إصابتهم بهذا المرضِ الخبيث، حتى عندما اكتشف وجود كتلة فوق الثدي الأيمن لم يعِرها في البدايةِ أي اهتمام، إلى أن اقتنع بالذهابِ إلى الطبيب الذي لم يخبرهُ فقط بإصابتهِ بهذا المرض، لكنه أشاد بردةِ فعله، فاكتشاف الأمر بشكلٍ مبكِّر يسرَّع بعملية الشفاء، وهو ما حدث.
ربما تبدو الأرقام عن نسبِ الإصابة بهذا المرض بين الرجال ضعيفة، لكنها بذات الوقت ترتفع بنسبٍ مرعبة، فمثلاً آخر إحصاء في فرنسا تحدَّث عن أكثر من 500 إصابة سنوية بين الرجال، أما الاعتقاد السائد بأن الرجال سيكونون عرضة فعلياً للإصابة بهذا المرض بعد سن الستين فقد كسره مثلاً فرانك الذي تجاوز الأربعين عاماً بقليل.
قصة فرانك تبدو جديرة بالاهتمام للاستفادة منها وإسقاطها على مجتمعاتنا العربية عموماً والسورية خصوصاً، لأن قراءةَ تجارب كهذه في مجتمعاتٍ تبدو نوعاً ما منفتحة، وكيف شعرَ الرجل بالصدمة عندما عرفَ بإمكانية إصابة الرجال أسوةً بالنساءِ بهذا المرض تجعلنا نتساءل:
ترى كم عدد الذين يعرفون فعلياً إمكانية إصابة الرجال بهذا المرض؟
إذا كان بعض هذه العقليات في مجتمعاتنا ترفض حتى الآن مثلاً إجراء تحاليل طبية لتحديدِ إمكانية الإنجاب باعتبارها حسب زعمهم انتقاص للرجولة، فكيف سيتم إقناعهم أن الشك بالإصابة بهذا النوع من السرطان لا يعني ارتفاعاً في هرمونات الأنوثة؟
في الخلاصة: هناكَ أمراض كثيرة بدأت تفرضُ نفسها في هذا العالم بحكمِ عواملَ كثيرة، فالتكنولوجيا مثلاً ساهمت بارتفاع نسبِ الإصابة بأمراض الظهر والعمود الفقري، وبعض الأمراض فعلياً ترتفع فيها نسب المصابين بطريقةٍ جنونية منها مثلاً سرطان الثدي، هذا الأمر يتطلب أن تشملَ حملات التوعية الرجال والنساء على حدٍّ سواء وعدمَ الاكتفاء بعبارة (حملة التوعية موجهة للسيدات فوق سن الأربعين) أو تلكَ التي تستخدمها منظمة الصحة العالمية في حملات التوعية التي تشرف عليها من بينها عبارة (أكثر أنواع السرطان شيوعاً بين النساء في بلدان العالم المتقدمة وتلك النامية على حد سواء)، أو غيرها من العبارات التي تشي بفرضية أن المرض حكر على النساء، والحقائق لا تقول ذلك ولو كانت النسب ضعيفة.
حمى اللـه الجميع من كل الأمراض، والشفاء لمن خصّهم القدَر بنعمةِ امتحان الدنيا لا الآخرة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن