قضايا وآراء

الديمقراطية كيف ولمن؟

| د. بسام أبو عبد الله

قضية الديمقراطية والحريات من القضايا التي كُتب عنها الكثير، وتحولت إلى شعارات لأغلب النُخب والأحزاب والقوى السياسية في منطقتنا، حتى إن أكثر الأنظمة العربية تخلفاً ورجعية حولت وسائل إعلامها إلى منبر للتشدق والحديث عن الديمقراطية والحريات، وتحريض شعوب المنطقة ضد حكوماتها، وهي لا تمتلك الحد الأدنى لنماذج الدول المعاصرة، ولكن يبقى السؤال الإشكالي والأساسي: هل الديمقراطية هي صناديق انتخابات وتصويت، أم هي ثقافة جوهرها الحوار والقدرة على قبول الآخر المختلف معك في الرأي والمقاربة، ولكن لأهداف وطنية؟ هذا سؤال مطروح؟ وأما السؤال الآخر فهو: هل الغرب عموماً يقبل بالديمقراطية عندما تُنتج قادة وطنيين ملتزمين بمصالح شعوبهم، وقضايا بلادهم؟
الحقيقة أن التطورات التي تجري من حولنا، وفي العالم تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن النظام الغربي الليبرالي لا يقبل إطلاقاً أي نموذج ديمقراطي إذا أنتج قادة وطنيين يبحثون عن مصالح شعوبهم، ويسعون لتحقيق سيادة بلدانهم وكرامتها الوطنية، والأمثلة أمامنا أكثر من أن تُعد وتحصى، ودعوني أشير إلى بعضها:
الرئيس البوليفي ايفو موراليس نفذ ضده انقلاب منظم خلال الأيام الماضية بإشراف أميركي مباشر عبر خلية معروفة باسم «خلية لاباز» كانت تدير المعركة ضده حتى إسقاطه، وكشفت المعلومات عن تواصل مباشر بين أعضاء في الكونغرس الأميركي، وقيادات في اليمين البوليفي للإطاحة بـموراليس، والطبيعي أن أسباب الإطاحة به تكمن في سياساته الاقتصادية والاجتماعية، وفي نسجه لعلاقات دولية مع القوى البازغة الجديدة في العالم روسيا، الصين، إيران، بهدف تحقيق مصالح الأغلبية الشعبية البوليفية، وهو أمرٌ لا يروق للشركات الأميركية، وعملائها المحليين، وبالطبع فإن تجربة موراليس لا تخلو من الأخطاء التي تستغلها القوى المعادية له، لكن أميركا وعملاءها لم يكونوا يوماً يبحثون عن مصالح الشعوب إطلاقاً بل تبحث عن مصالح شركاتهم، وعن عملاء محليين ينفذون أجندتها.
أما الرئيس البرازيلي السابق لولا دا سيلفا، فقد تم سجنه ظلماً لأكثر من خمسمائة يوم بتهم الفساد، ليجري إطلاق سراحه بعد فضيحة نشرت في وسائل الإعلام تتحدث عن تورط قضاة في المحكمة العليا في الاتهامات الموجهة له، الأمر الذي أجبر القضاء البرازيلي على إطلاق سراحه، ليبدأ رحلة تنظيم جديدة لليسار البرازيلي ستشكل نهضة جديدة لليسار اللاتيني الذي وقع في أخطاء عديدة لا مجال للنقاش فيها الآن.
وإذا انتقلنا إلى تشيلي لوجدنا أن هناك انتفاضة شعبية ضد الرئيس اليميني سباستيان بنييرا الذي يقود سياسات نيو ليبرالية أضرت بالطبقات الشعبية والفقيرة.
في الوقت نفسه تواجه فنزويلا حصاراً أميركياً، وحرباً شبه معلنة من الولايات المتحدة، وصلت إلى حد محاولة اغتيال الرئيس نيكولاس مادورو بشكل مباشر، على حين أن كوبا تخضع لحصار منذ أكثر من ستين عاماً، لأن قيادتها السياسية معادية لمخططات الولايات المتحدة الأميركية.
أما إذا انتقلنا إلى منطقتنا فسوف نجد أن ما يحدث في لبنان انكشف وانفضح، من خلال تدخل السفارة الفرنسية المعلن فيما يسمى قادة الحراك، ودعوتهم للنقاش في شكل الحكومة اللبنانية القادمة وتركيبتها، على حين أن قيادة المقاومة وعلى لسان الأمين العام لحزب الله حسن نصر اللـه طرحت بدائل واضحة كانت ممنوعة منذ سنوات، ومنها إدخال الصين وروسيا وإيران لمساعدة الاقتصاد اللبناني، وتطويره باتجاه يحقق المصالح الوطنية، وهو أمر ممنوع من قبل القوى الغربية، وعلى رأسها واشنطن، وأدواتها المحلية.
في العراق نغم آخر تمثل بوضوح شديد في إخفاق عملية سياسية رتبتها الولايات المتحدة وسفارتها، وأنتجت كارثة على العراق تنموياً، واقتصادياً، كما أنها أنتجت فساداً لا يحتمل، وهي نفسها أميركا وحلفاؤها من يصنع هذا الواقع، ثم ينقلب عليه تحت العناوين نفسها: الديمقراطية والحرية… الخ، ولكن الأسباب الأعمق هي أن حكومة عبد المهدي بدأت تتطلع لشراكات خارج إطار الهيمنة الأميركية ومنها مع الصين، وروسيا، وإيران، ودول جوارها عبر فتح معبر البوكمال، الأمر الذي دفع واشنطن لتحريك الشارع الذي يضم أصحاب مطالب محقة، ولكن يضم عملاء سفارات، وأدوات وسائل تواصل اجتماعي، ومخبرين، وفوضويين وغيرهم.
الحقيقة أن النموذج الأبرز لكل هذه الحالات هو سورية التي جندت لها الولايات المتحدة عشرات آلاف الإرهابيين، وحصاراً اقتصادياً، واستخداماً للكثير من الأدوات الداخلية بربطات العنق، أو من دونها، وإعلاماً ممولاً بمليارات الدولارات، وحملة تشويه وشيطنة لرئيسها وقائدها بشار الأسد، ومنصات معارضة مأجورة تعمل بالساعة وبالدولار، وتحت العنوان نفسه: الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان… الخ، والسؤال المركزي والإشكالي هنا: هل نحن بحاجة للديمقراطية؟ وإذا نحن بحاجة لها فعن أي ديمقراطية نتحدث، ولمصلحة من؟ هل الديمقراطية التي يمكن أن تجلب بالمال السياسي قيادات مرتهنة ومرتبطة وعميلة للقوى الغربية، أم قيادات وطنية تدافع عن مصالح الدولة والشعب.
سأحاول ذكر بعض النقاط التي أراها مهمة من أجل المستقبل، كي لا نقع في مطبات، أو أفخاخ نصبت لنا تحت العناوين البراقة نفسها، ومنها:
• إن النخب المعجبة بالغرب وقيمه عليها أن تعيد النظر في كل ماضيها، ومقارباتها لأنه ثبت أن هذا الغرب الساحر، كما بدا للكثيرين، يريد ديمقراطية تنتج قيادات تعمل لمصالحه ومصالح شركاته، وليس لمصالح شعوبنا ودولنا.
• إن الإصلاح، والديمقراطية هما حاجات وطنية لابد منها شرط ضبطها بإصلاح تشريعي، وقانوني يحفظ مصالح الشعب، والدولة، ويغلق الثغرات التي يمكن أن يتسلل منها الأعداء والخصوم في الداخل والخارج.
• إن مصالح الأفراد، وحرياتهم لا يمكن أن تكون أكثر أهمية من مصلحة الأمن القومي للبلاد، وهو ما نجده لدى الغربيين أكثر منه لدينا، إذ إنهم مستعدون لخرق حقوق الإنسان، وحريات البلدان، وسيادتها عندما يتحدثون عن أمنهم القومي، بما في ذلك حقوق مواطنيهم، وهناك عشرات الأمثلة في بريطانيا، وفرنسا، وأميركا… الخ.
• النقطة الأخيرة: إن أي نظام سياسي لا يحقق المصالح الاقتصادية، والاجتماعية لأغلبية أبناء الشعب لا قيمة له، حتى لو أتى بصندوق الاقتراع، فالديمقراطية ليست صناديق للانتخاب والاحتفال، بل هي قيادة وطنية تمثل سيادة البلاد، وكرامتها الوطنية، وبرامج اقتصادية واجتماعية تحقق المصلحة العامة، ولذلك فإن الفاسدين والخونة هم في النهاية أدوات قابلة للاستخدام من قبل أعداء البلاد بأي وقت وفي أي زمن.
الكلام موجه للرأي العام السوري بشكل أساسي، كي لا نكرر ما غناه البرازيليون لرئيسهم المظلوم لولا دا سيلفا: «أعترف أني متعب، من كثرة ما خدعت»، والخلاصة أننا لن نخدع مهما حدثونا عن ديمقراطية مدعومة من أميركا والغرب المنافق، مهما اختلفت أسماء المنصات، والمعارضات، بل سنعمل على تطوير بلادنا، وإصلاحها وفقاً لمصالحنا ومصالحنا فقط، وهذا يحتاج لقادة سياسيين، وقادة رأي عام لا يباعون ولا يشترون وفقاً لما يريده الغرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن