ثقافة وفن

اللاذقية وأحفادُ أوغاريت، يحتفون بالوطن الأم (أوغاريت) الأسطورة .. عشتار والشجرة توءمان فهما الرمز الروحي لتلك المرحلة

| جورج ابراهيم شويط

تحت رعاية وزير الثقافة، أقامتْ جمعية أصدقاء أوغاريت، أسبوعاً للثقافة، بعنوان (أوغاريت الوطن الأم) استضافته أروقة المتحف الوطني باللاذقية، ببهاء قناطرها الأثرية، على مدى أربعة أيام، تضمّن محاضراتٍ ثقافية تراثية عن أوغاريت، وحفلاً تكريمياً للموسيقار زياد عجان، إضافة لعرض فيلم تناول حياة الفنان عجان، وما حققه من إبداعات، تشهد لها الحياة الموسيقية في القطر، وشهد الأسبوع الثقافي معرضاً فنياً مهماً في مجال الفن التشكيلي والنحت، بمشاركة فنانين لهم حضورهم على الساحة الفنية في القطر وفي العالم. يضيف الباحث سجيع قرقماز المشرف على الفعالية: إن مهرجان ملامح أوغاريت انطلق عام 1999 واستمر حتى عام 2010 ولتسع دورات متتالية، وهو مهرجان يجمع الفن والملامح والأساطير والثقافة والفلسفة والاقتصاد والمجتمع، من حياة أوغاريت الأم.
الأستاذ مجد صارم مدير الثقافة أكد أن حضارة أوغاريت هي إرث فكري وفني وفلسفي وإبداعي فريد، ومتقدم بالزمن، نعتز به، رغم مرور آلاف السنين على انطلاقة إشعاعاته، وهو ما يؤكد أصالة بلدنا وحضارتنا، التي تمتد إلى عمق التاريخ.. ومازالت متجذرة في نفوس أبنائها..
جمعية أصدقاء أوغاريت كما يشير رئيس الجمعية، الباحث الموسيقي زياد عجان، يعود تأسيسها للعام 2007 وبهدف التعريف بحضارة وإرث أوغاريت.

«المرأة في أوغاريت»
محاضرة للدكتور بسام جاموس، المدير العام السابق للآثار والمتاحف في القطر، استعرض فيها دورَ المرأة، الأم، الملكة، سياسياً ودبلوماسياً وكذلك مربية ومعلمة وفلاحة ونسّاجة، ودورها في البنية الاجتماعية الأوغاريتية. وأشار المحاضر إلى أن الماهية الأنثوية وتجسيد الأم بالتماثيل بدأ منذ عصور ما قبل التاريخ، وتبلور أثناء انتقال الإنسان من الصيد إلى الزراعة، حيث عرض شرائحَ عن تماثيل المرأة، التي تمثل ربة الخصب والجمال والتجدد والفصول، وأكد بأنها كانت سيدة الطبيعة وسيدة المجتمع. واستعرض أهمَّ ملكاتِ أوغاريت ودورهم السياسي والدبلوماسي، كما استعرض القانون الأوغاريتي، الذي حمى المرأة، وخاصة الأرملة والمطلقة والعزباء، وأعطاها حق التملك والإرث والحرية والزواج بعد الوفاة. كما تناول المرأة والقضاء، والمرأة والسياسة، والمرأة والدين، وأضاء على عشتار، وأجرى دراسات مقارنة مع الآلهة السومرية الرافدية.

(المعابد في أوغاريت)
للباحث الدكتور جمال حيدر، تحدث فيها عن الإبداعات المعمارية الدينية في مملكة أوغاريت، وفي مقدمتها المعابد الدينية، وهندستها ووظائفها الرمزية والروحية والدينية، ومن أهمها (معبد عشتار) و(معبد دجن) و(معبد الريتونات)، وأجرى دراسات مقارنة مع معابد الممالك الداخلية كمملكة إيمار وممباقة، وأوجه التشابه فيما بينهما، وأكد أن المعبد السوري له خصوصيته، وكان الدخول له يتمّ بالقدم اليُمنى.

عشتار
الأستاذ فراس السوّاح قدّمَ محاضرة بعنوان (عشتار)، تناول فيها الإلهة عشتار، إلهة الحبّ والجمال والخصب، والأم الكبرى والسيدة العظيمة، ومكانتها الروحية والدينية، في المجتمع الكنعاني، وخاصة خلال عصر البرونز الحديث /1600- 1200/ قبل الميلاد. واستعرض مجموعة من الشرائح، منها التماثيل والأختام الأسطوانية، التي تؤكد انتشار عبادة عشتار وأهميتها في مجمع الآلهة الأوغاريتية، ومقارنتها مع آلهة الفراعنة الإغريقية والرومانية، وفترة العصر الجاهلي، مؤكداً أن عشتار والشجرة توءمان، فهي الرمز الروحي والديني والجمالي في تلك الفترة.

(أوغاريت الفكرة والرؤية)
للدكتور صفوان سلمان، تحدث فيها عن الأهمية التاريخية والريادية لمملكة أوغاريت، وأسهبَ في الشرح عن أهمية أبجدية أوغاريت، لكونها أقدم ألفبائية في العالم بشكل متكامل، أي من (30 حرفاً)، وأكد أن المعطيات التاريخية الأثرية يجب أن تكون بمتناول الأجيال، وتحديداً التركيز على الناحية الثقافية التربوية للأجيال، وأنّ الرؤية والفكرة عنده تتجلى بالحفاظ على هذا التراث، لأنه الهوية، وأشار إلى العصابات الإرهابية التي استهدفت التراث الأثري السوري، كما أشار إلى العدوان الأميركي على التراث العراقي.
(أوغاريت الأرض الطيبة) للدكتورة زهوة ملا، تحدثت فيها عن أهمية أوغاريت من الناحية الجغرافية والبشرية، واستعرضت صفات أوغاريت، وغنى أرضها التي كانت خيّرة وخصبة زراعياً، وتحدثت عن شجرة الزيتون المباركة، وما تهبه من زيت، كان يستخدم في الاحتفالات المقدسة وفي الطعام والمداواة، أيضاً عن شجرة العنب، التي كان يستخرج من ثمارها النبيذ، الذي كان يتمُّ تصديرُه لسكان مدن البحر الأبيض المتوسط، وكذلك نبات السمسم والكتان، وأنواع الفاكهة والخضراوات، وخلصت المحاضرة إلى أن مجتمعَ أوغاريت كان مجتمعاً زراعياً بامتياز، وكان يرتبط بالبعل والمطر والخصب والإنبات.

أوغاريت
المحاضرة الأخيرة كانت للباحث سجيع قرقماز، حيث قُدّمتْ للجمهور، من خلال زيارة ميدانية، لموقع رأس الشمرا (أوغاريت)، وأشار المحاضر فيها، إلى الدور الريادي والحضاري لمملكة أوغاريت، ودورها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والفني، مؤكداً أن مملكة أوغاريت ستبقى خالدة بعطاءاتها للبشرية، وفي مقدمتها الأبجدية والموسيقا، والفكر الفلسفي، والعلمي والملحمي.
فيلم (قامات)، سيناريو سجيع قرقماز، إخراج محمد إسماعيل الآغا، استعرض حياة الفنان زياد عجان وسيرته الذاتية، ونشأته في مدينة اللاذقية، وتأثير البيئة التي عاش فيها، لكونه من أسرة فنية موسيقية، كما تناول الفيلم عطاءات وإنجازات الباحث عجان في المجال الموسيقي التراثي، ومنها الأوبريت وأغاني البحر، والدلعونة وحياة الصيادين، ومن إبداعاته المهمة تلحينه للمقطوعة الموسيقية الأوغاريتية، وفق السلم السباعي الشرقي، وقد تمّ تكريمُه من أصدقائه، في جمعية أوغاريت، حيث قدم له الفنان والنحات العالمي منحوتة معدنية، عبارة عن قاعدة وفوقها المقطوعة الموسيقية الأوغاريتية، وقدم له شيخ الممثلين في اللاذقية، الفنان والرسام وديع ضاهر لوحة فنية بريشته.
وبعد عرض الفيلم قدّمتْ (فرقة كورال حنين)، بقيادة الفنان ماهر رومية وإدارة الدكتورة نهى بشور مجموعة من الألحان والأغنيات تحية للفنان المكرم.
كما شهد الأسبوع الثقافي عرض مسرحية (رسالة سلام للعالم)، من إعداد وإخراج الفنان لؤي شانا، وهو نصٌّ يستند إلى أسطورة أوغاريتية قديمة، مع إسقاط معاصر لها. وهي رسالة الأوغاريتيين الأجداد الأوائل، الذين كانوا، وما زال أحفادُهم، يؤمنون بالسلام والمحبة، ويدوّنون بيراعٍ حضاري متقدم، أبجدية ثقافةٍ وفكر وفن وموسيقا ورسم ونحت..
شارك في المعرض الفني عددٌ من فناني اللاذقية: (نزار صابور- مصطفى علي- علي مقوص- سموقان- محمد بعجانو- نزار علي بدر- هيثم شكور- منذر مصري- هيشون- بولس سركو- لينا ديب- رانيا كرباج- حسن حلبي- جابر أسعد- إضافة لقيس محجازي- سري حداد- منير كباس وعبدو نبيعة..).
الفنان محمد أسعد سموقان أشار إلى أنه بمجرد ذكر اسم أوغاريت، يعني هذا إغراء للفنان، كي يشارك. كان لي اشتغال، في لوحاتي، على أوغاريت، مع الفنان الراحل عيسى بعجانو (هيشون) منذ 1980. قدمت لوحتين عن شجرة الحياة، وقد وجدت أن شجرة الحياة موجودة بكل الأساطير، لكن لها في أوغاريت خصوصية وتفرداً، وكل ما رسمه ويرسمه فنانو أوغاريت أو أحفادُهم، إنما يرتبط، بشكل أو بآخر، بشجرة الحياة.. وعموماً لا يستطيع أي فنان، من أبناء هذه المنطقة، ونحن أبناء أوغاريت، إلا أن يطبعَ أعماله بشيء ما، من عظمة أوغاريت، وما تركته من أسطورة وحضارة وفن وإبداع..
بولس سركو.. يرسم قواربه بانطلاقة وحرية، وبمزاج فني خاص، ويضع خلف القوارب خلفية تجريدية، وأحياناً يرسم المرأة، ولكن شكل المرأة عنده، يشبه الجرار، الجرار الأوغاريتية..
هيثم شكور قدم شيئاً من روحه الممزوجة بفضاء الفن الأوغاريتي، الذي تحلق في سمائه كلُّ أنواع الإبداع، المتأصل بهذه الأرض المباركة، الممتدة حتى حدود الكون والتكوين..
علي مقوص اشتغل على المرئي، بخبرة احترافية، وتناول شجرة الحياة وأوغاريت، من منظوره الفني، انطلاقاً من الدخول إلى البصيرة قبل البصر..
نزار صابور.. الشيء المميز للفنان صابور أنه كرم بعضَ أصدقائه، المشتغلين بالفكر والأدب والفن، من خلال لوحات، أيضاً ربطها بطريقة ملفتة، بأوغاريت، التي هي (الوطن الأم).
لينا ديب تعمل غرافيك، ولها تجربة وباعٌ طويل بالاشتغال على أوغاريت..
نزار علي بدر له لونٌ خاص، من خلال تنفيذ لوحاته، بحجارة صافون، وهذا الفن، الذي ينجزه هذا الفنان، وقد وصل إلى أهم المعارض العالمية، إنما يرتبط بشكل روحي وعضوي وأزلي بتلك المملكة العظيمة (أوغاريت).
النحات محمد بعجانو شارك بعمل عن المرأة، التي تتماهى مع طائر الفينيق، والفنان النحات العالمي مصطفى علي شارك بـ3 لوحات بورتريه، وهو للمصادفة من مواليد (رأس شمرا- أوغاريت).. كذلك النحات جابر أسعد قدم منحوتة لها خصوصية من وحي أوغاريت، وأيضاً النحات حسن حلبي الذي له تشكيلات تعتمد على اللعب في فراغات، تحلق بالخيال والدهشة..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن