تريد ألماً أقل؟ انكمش إذاً وكن جزءاً من القطيع – فريدريك نيتشه
عالم الأحياء هاملتون هو الذي أوجد مصطلح سلوك القطيع، وفكرته رغم عمقها عبر عنها ببساطة فقال: كل عضو في مجموعة ما يخدم نفسه بالدرجة الأولى، حيث يقلل الخطر عن نفسه بالدخول مع الجماعة والسلوك بسلوكهم، وهكذا يظهر القطيع بمظهر الوحدة، الواحدة حيث يميل الأشخاص الأقل مركزاً أو الأقل تأثيراً أو مالاً في الجماعة إلى التصرف بسلوك من هم أقوى منه وأشد نفوذاً وأعلى مركزاً أو أحسن حالة وظيفية أو اجتماعية، ولنا في السياسة والسياسيين والفن والفنانين أكبر مثال.
علماء آخرون أجروا تجارب عملية… واحدة من تلك التجارب حدثت في عيادة .. كان زبائن العيادة من فريق التجارب عندما يرن الجرس يقفون.. ثم دخلت مريضة لا تعلم شيئاً عن التجربة.. رن الجرس وقف «الممثلون» استغربت ولم تقف.. تكررت الصافرة وتكرر وقوف الممثلين.. أيضاً لم تقف لكن استغرابها ازداد… في المرة الثالثة وقفت مثل البقية وإن لم تفهم لماذا وقفت.. انسحب الممثلون واحداً بعد الآخر وجاء مرضى آخرون وحتى الفتاة في مرحلة لاحقة خرجت من العيادة لكن في قاعة الانتظار كان المرضى يقفون مع كل صافرة من دون أن يعلموا السبب.
كيف يفسر علماء الاجتماع ذلك… يقول د. جوناثان برغر من جامعة بنسلفانيا: هذا النوع من التصرفات المقحمة على تصرفات القطيع يسمى «التعليم الاجتماعي»، يبدأ عندما نرى أفراداً من مجموعتنا يقومون بتصرف ما، وبوجود ضغط المجموعة على الفرد، سيجبرك على اتباع سلوك المجموعة والسير على خطاهم، فإن عدم الانضمام للقطيع يشعر الفرد بأنه مستبعد نوعاً ما ووحيد، لذا فإن العقل اللاواعي يأخذ قراره بعد فترة من المقاومة بالانضمام للقطيع، ويقوم بتغيير سلوك وأسلوب تفكيرك حتى يشعرك بالراحة، ويجنبك ألم الإبعاد، وهذا التصرف يسمى «سلوك القطيع».
القصة ألم الإبعاد والخوف من النبذ الاجتماعي.
طبعا هناك تفسيرات كثيرة واجتهادات مختلفة، ولعل العلماء استفاضوا في هذا الموضوع، من الكتب المهمة جداً كتاب غوستاف لوبان عن سيكولوجيا الجماهير.. فيه أفكار جديرة بالتأمل منها ما سماه لوبون «تلاشي شخصية الفرد الّتي تميّزه حينما يكون جزءاً من الجمهور»، في هذه الحالة لا فوارق بين مستوى الذكاء ولا التحصيل العلمي ولا المكانة الاجتماعية.
فالفرد يتصرف هنا نتيجة التّحريض والعدوى للعواطف والأفكار، وقد يفعل أموراً لا يمكن أن يفعلها إن كان وحيداً، كالتّحطيم والقتل.
أعرف أن هذا الموضوع يثير اختلافات وخاصة عندما يجري ربطه بين ما حدث في سورية أو ما يحدث في دول في المنطقة..
لعل السؤال المنطقي هل الشعب قطيع؟ ولماذا يتحرك هذا القطيع الآن وفي هذه المرحلة وليس قبلها أو بعدها.. ولماذا لا يتحرك القطعان في دول أخرى؟ طبعاً الشعب ليس قطيعاً لكنه في أحداث معينة لا يجد أمامه إلا الانضمام للقطيع.
أستعير الإجابة من «غوستاف لوبن نفسه»: ولن يكون ذلك الهدف إلا نتاج ذكاء شخص أو مجموعة عرفت كيف تحرّك تلك الجماهير، فزرعت ذلك الهدف في عقولها، والحقيقة أن الجماهير تنجذب لهذا النّوع من القادة، لأن الكثرة تصغي دائماً للإنسان المزوّد بإرادة قويّة له. «يدغدغ حاجات ومطالب ومشاعر».
الموضوع طويل.. والزاوية قصيرة.. واللسان قصير أيضاً.
أقوال:
– ستدرك أن نصف حزنك لم يكن إلا بفعل تحليلك العميق، بينما الأمر لم يكن يتطلب إلا أن تتخطاه دون تفكير.
– لست مجبراً على تصحيح أفكار الآخرين، لكنني مضطر لمراعاة حجم عقولهم.
– أنتمي بأكملي إلى هذا القطيع الحزين قطيع البشر.
– حشد العقلاء أمر معقد للغاية، أما حشد القطيع فلا يحتاج سوى راعٍ وكلب.