أيام قليلة ونجد أنفسنا أمام مرحلة انتخابية جديدة لاتحاد كرة السلة، يحدونا الأمل بوجود فريق عمل جديد ومتكامل يتمكن من أن يقدم أشياء جديدة، وأفكاراً لم تكن في عهد الاتحاد الحالي الذي عمل واجتهد حسب الإمكانات المتاحة، يبدو أن عشقنا للوحة الفنية الرائعة للسلة السورية في الأيام الخوالي، لم يترك لنا مجالا للقبول بخطأ صغير، سواء أكان تحكيمياً أم تنظيمياً أو إدارياً أو فنياً، الاتحاد الحالي لابد أن نعترف أنه كبا مرات وتمكن من النهوض في أخرى، لكننا لم ننكر عليه أموراً مهمة، وعلاجه لأمراض مستعصية نهشت السلة السورية عبر عقود مضت، أبرزها فوضى جدول المسابقات، وكثرة التأجيلات والتعديلات، وسلبيات أخرى بدت في يوم من الأيام جزءاً لا يتجزأ من سلبيات السلة السورية في عهد الاتحادات السابقة، لكن الاتحاد الحالي نجح في علاج أغلبيتها، حيث أظهر الاتحاد عموماً، ورئيسه خصوصاً قابلية عالية، ومرونة كبيرة للتكيف مع الظروف، والخروج من الواقع الشائك بحلول، وخطط عملية ناسبت حال الأندية واللاعبين والتي رغم كل الصعاب حفظت استمرارية كرة السلة في حدودها الدنيا، وسارت المسابقات المحلية بأدنى التكاليف، وحفاظه على اللعبة لم يأت من فراغ، وإنما جاء نتيجة العلاقة الطيبة والواضحة التي بناها مع أنديته، بعدما رفع شعار العدالة بين الجميع دون أي استثناءات، إضافة إلى أنه لم نجد في عمله أي حالات من الفساد كما ظهرت في بعض الاتحادات في باقي الألعاب، فكانت الصورة واضحة وشفافة.
السلة الأنثوية
نجح الاتحاد في الفترة الماضية في توسيع رقعة اللعبة في المحافظات، وقد شهدت انتعاشاً لكنه لم يكن كافياً لإعادتها لألقها، وانتعشت اللعبة في بعض المحافظات، وأكبر دليل تلك النقلة النوعية لسلة الساحل الذي عرف كيف يهتم بقواعد اللعبة في الفترة السابقة، ونجح في خلق جيل سلوي واعد، إضافة إلى سلة محردة التي بدأت تثمر خامات ومواهب تبشر بالخير، وكذلك الحال في السويداء التي شهدت تطوراً كبيراً باللعبة في أندية عرى والعربي ولاهثة، وكانت هناك تجربة ناجحة لنادي أشرفية صحنايا، وبات أحد أهم معاقل السلة الأنثوية في سورية، وحتى لا نبخس الأشياء قيمتها وجهدها، فالسلة الأنثوية شهدت بعد أن تولى أحد أعضاء الاتحاد الحالي العديد من الإشراقات على صعيد المنتخبات الوطنية، بعدما نجح في تأمين مشاركات خارجية لمنتخبات السلة كان أخرها البطولة الودية التي ظفرنا بلقبها، وتعتبر هذه الخطوات بمنزلة الانطلاقة القوية لسلتنا الأنثوية في حال بقي الاهتمام بها على هذه الدرجة، فمن الطبيعي أن نشهد نقلات نوعية على صعيد المستوى والنتائج.
والعود أحمد..
أثمرت جهود اتحاد السلة التي قام بها خلال الفترة الماضية إلى عودته لروزنامة نشاطات الاتحاد العربي، وتم ذلك من خلال الجهود الحثيثة التي بذلها رئيس الاتحاد جلال نقرش من خلال علاقاته القوية التي كانت نتائجها أكثر من إيجابية، وتم اتخاذ القرار خلال اجتماع الاتحاد العربي الذي أجراه في المغرب قبل أيام قليلة، وقرر إعادة السلة السورية للمشاركة في جميع بطولاته.
وهذا النجاح أضيف لنجاحات كثيرة حققها الاتحاد منذ توليه لمهامه، حيث كانت البداية مع اتحاد غرب آسيا، بعدما دعا رئيسه آغوب خرجيان إلى العاصمة دمشق، واستقبله بحفاوة أسس خلالها لبناء علاقة جديدة مبنية على الاحترام المتبادل بين الاتحادين، وكان لهذه العلاقة نتائج ايجابية لسلتنا، حيث قام آغوب برفع العديد من العقوبات والغرامات المالية عن منتخباتنا وأنديتنا، ولم يتوقف دعمه عند هذه الحدود حيث تولى آغوب مهمة الأمين العام للاتحاد الآسيوي، وقد قدم العديد من التجهيزات للسلة السورية، إضافة لإعادة تمثيل السلة السورية في اتحاد غرب آسيا لترشيح.
السلة السورية اليوم تجاوزت حاجز الظروف والصعاب، وبدأت تلتقط أنفاسها بعد ما مرت به من أشكال العقبات، فالعودة إلى المنافسات العربية تثبت أهمية القرار الذي اتخذه الاتحاد بالحضور في جميع المناسبات، فكانت العودة بناء على قيمة السلة السورية ووزنها وحفاظ الاتحاد على دوران عجلة أنشطتها، التي كفلت تجدد مفاصل اللعبة من حكام ولاعبين ومدربين، ولولا ذلك لاندثرت الأعمدة المتصدعة من سلتنا.
احترام متبادل
ويجب ألا ننسى مدى قوة العلاقة التي تربط الاتحاد مع القيادة الرياضية، ويسجل للاتحاد ورئيسه العلاقة المتوازنة مع الاتحاد الرياضي العام التي ابتعدت عن التصادم دون الانتقاص من شخصية الاتحاد وحقوقه، فكانت العلاقة بين الطرفين شهر عسل دائماً، بفضلها دارت عجلة المنافسات المحلية في غياب الموارد المادية، ووقف الاتحاد على مسافة واحدة من جميع أبناء اللعبة.
إعادة ترتيب البيت الداخلي
كما نجح الاتحاد في تشكيل فريق عمل متكامل، بعدما وسع مقره بغرف جديدة مجهزة بمختلف الوسائل، وبات العمل ضمن أروقة الاتحاد مؤسساتياً، فلكل شخص مهام خاصة في الشقين الإداري والفني، وتكللت جهوده في إنشاء موقع الكتروني خاص بالاتحاد، وصفحة على موقع التواصل الاجتماعي تعد من أنشط الصفحات التي تنقل أخبار اللعبة بسرعة قياسية، وهو حالياً بصدد إطلاق موقعه الالكتروني الجديد في الأيام القليلة القادمة، وسيكون صلة الوصل بين الاتحاد وجميع الأندية وكوادر اللعبة، ويعد اتحاد السلة أول اتحاد محلي أنشأ موقعاً الكترونياً لنشر أخبار اللعبة.
خطوة إيجابية
جاء اتحاد السلة من رحم الأزمة الحالية بفكرة المراكز التدريبية التي بدأها في الفترة الماضية، وفتح العديد من المراكز في أغلبية المحافظات، وقد أثمرت هذه المراكز في خلق جيل سلوي جديد، إضافة إلى أنها ساهمت في توسيع رقعة اللعبة وزيادة جماهيريتها، وكانت البداية في بعض المحافظات التي كادت اللعبة فيها أن تلفظ أنفاسها، ويأتي في مقدمتها محافظتا طرطوس واللاذقية اللتان شهدتا نقلة نوعية باللعبة، فكان لنادي الساحل نتائج إيجابية، وظهر جيل سلوي فيه يبشر بالخير، أما في اللاذقية فبدأت اللعبة تشهد عودة جديدة في أنديتها، ويجب ألا ننسى نادي التضامن وما يحققه من نتائج جيدة وبجميع الفئات.
منتخبات
عاب الاتحاد خلال وجوده النتائج المتواضعة لمنتخباته الوطنية، ولهذه النتائج أسبابها، يأتي في مقدمتها الهجرة الكبيرة التي شهدتها سلتنا بشكل عام من لاعبين متميزين ومدربين كبار، وهذا النزيف لو حصل في أقوى الدول المتحضرة باللعبة على مستوى العالم فلا بدّ أن تتأثر، إضافة إلى الحصار العربي والأوروبي الذي عانته منتخباتنا في أثناء تحضيراتها من إقامة معسكرات خارجية، ومع ذلك حافظ الاتحاد على حضورنا في جميع البطولات المتاحة له، وكانت نتائجه في بطولة آسيا للرجال جيدة بعدما تأهل للدور الثاني، وكاد يلحق خسارة بالمنتخب الصيني الذي خسرنا أمامه بفارق بسيط، ومع ذلك هذه الأعذار لمنتخباتنا لن تشفع للاتحاد الذي كان حرياً به العمل على منتخب من أعمار صغيرة خلال فترة الأزمة منذ تسع سنوات، ولو فعل لكان سيقطف ثماره اليانعة، لكن بدا العمل الجيد للاتحاد على صعيد منتخبات الإناث التي لم تتأثر بالهجرة كما هي في سلة الرجال، فكانت نتائجنا جيدة ومشرقة، وهذا دليل واضح على حسن عمل الاتحاد لو توافرت له أدوات التألق في سلة الرجال.
خلاصة
السلة السورية ستعود إلى ماضيها العريق مع بوادر الانطلاقة لدوري كرة السلة، وما يشهده من مناسبات ستؤسس لحقبة جديدة ولا نبالغ إذا قلنا إن نجاحات مطلع تسعينيات القرن الماضي باتت ملامحها قريبة إذا توافر للسلة في الانتخابات القادمة رجال يقودونها بحكمة وحنكة وإخلاص.