في ثقافتنا الشرقية، تحديداً في التعاطي مع الكثير من الإنجازات الفردية أو الجماعية، تنطبق علينا المقولة الشعبية «ما بيعجبنا العجب»، لدرجةٍ لا نستطيعُ فيها الخروج من عقدة «الإفرنجي برنجي»، لنبدأ فوراً بالضرب على النجاح ومحققيه.
هذه الأخيرة وحدها بحاجةٍ إلى مجلداتٍ، من تقزيم المبدعين وتكسير قواعدهم الفكرية مروراً بالتعمية على إبداعهم ليبقوا حبيسي الظل، وصولاً إلى تطفيشهم، لكن اللافت أن ردّات فعلٍ كهذه كانت في السابق تأتي من المتضررين من نجاح الآخرين، تحديداً أولئك الذين يحتكرون الأضواء بمناصبهم لا بإبداعهم، أما اليوم ومع سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي على حياتنا، بات الجميع من دون استثناء قادراً على أن يشهّر ويحلّل ويقزّم ويضرب بسيفٍ ليس سيفه، ولعل ما يحدُث مع منتخب سورية الأول بكرة القدم خير مثالٍ على ذلك. بالعودة لعقودٍ خلت، كنا كمشجعين سوريين نبدأ من المباراة الثانية للمنتخبات السورية بإجراء الحسابات «التكنو تأهيلية»، أي انتظار نتائج باقي الفرق لنعرف إمكانية تأهلنا من عدمه، نظراً لخسارتنا غير المتوقعة هنا أو سقوطنا المفاجئ هناك، لتنتهي هذه الحسابات كالعادة بخروجنا من البطولة صفر اليدين. اليوم وبعد خمس جولاتٍ من التصفيات الآسيوية المزدوجة التي حصد فيها المنتخب السوري العلامة الكاملة، فإنك تجد من ينتقد بطريقةٍ يبدو فيها كمن لا يريد إلا مشاهدة السلبيات. مفارقةٌ غريبة تجعلنا كسوريين نطرح تساؤلاً مهماً:
لماذا علينا أن نكره الفرح؟
لم أشأ أن تتضمن سطور هذه الزاوية تدخلاً بالأمور الفنية البحتة لكرة القدم، لكنّ ما يتعرض له المنتخب ومدربهُ فجر إبراهيم من تقزيمٍ لهذا الإنجاز يجبرنا أن نقول لهؤلاء كفى، تحديداً لمن كادوا يصابون بالزهايمر الرياضي فقط لأن توقعاتهم بفشل المنتخب لم تتحقق.
لم يعجبهم أن يكون هناك مدرب سوري بات حديث الصحافة العالمية لإطاحته بمارتشيلو ليبي أحد أسياد التكتيك الدفاعي في أوروبا والذي جلب عبرهُ كأس العالم لإيطاليا 2006. ليبي ومن مثلهُ يؤمنون بمقولة: «الهجوم يجعلك تكسب المباريات، بينما الدفاع يأتي لك بالبطولات»، فأطاح فجر إبراهيم بهجومه ودفاعه وباعتراف الجميع.
هؤلاء الذين همهم الانتقاد لمجرد الانتقاد يتجاهلون أن المدرب واللاعبين بالنهاية بشرٌ مثلنا، قد يتقبلون النقد، ولكن لابد من المدح في حال الإنجاز، وعلى من يكرّرون اسطوانة الحاجة لمدرب أجنبي، نذكرهم بأن التجربة أثبتت أن الذين يتم استجلابهم هم مدرسو رياضة وليسوا مدربي كرة قدم، ومع عدم إمكانية التعاقد مع مدرب من طرازٍ رفيع، فالأفضلية حُكماً لمن أنجز المهمة بنجاح.
أما معادلة الأداء والنتيجة فليس بالضرورة أن تنجح دائماً، هل نذكركم بفريق اليونان الذي أحرز كأس أوروبا 2004؟ وبالأرجنتين كيف وصلت لنهائي كأس العالم 1990؟ هل نقول لكم إن أمتع فريق مرّ بتاريخ كرة القدم هو البرازيل 1982 لكنه ببساطةٍ لم يحرز كأس العالم؟! هل نرد على هؤلاء المنظّرين بعبارة: من يرد المتعة فليذهب إلى السيرك!
في الخلاصة: ليس فقط في كرة القدم، لكن في الكثير من مناحي الحياة فإن التاريخ ينسى الوقائع ويتذكر النتائج، نحن نمتلك القدرة على الاعتراف بأن رياضتنا السورية بشكلٍ عام هي في مرحلة احتضارٍ على جميع المستويات بما فيها العقلية التي تديرها، ووقوفنا بجانب المنتخب لا يعني أبداً دفاعنا عن هذه العقليات والمؤسسات التي تقود الرياضة من فشلٍ إلى فشل، بل هي وقفة صدقٍ لرد الجميل تجاه من تفوق على كل هذه الصعوبات ليصنع الفرحة السورية، ولعل أفضل رد على كل من يريد تقزيم إنجاز المنتخب هو كلام أحد المعلقين العرب بالأمس:
خمسة وخميسة.. مبروك يا نسور قاسيون واصلوا التحليق، كلنا معكم.