ثقافة وفن

فيروز.. ترنيمة الصباح الأزلية وعاشقة الوطن والشام في عيد ميلادها الرابع والثمانين … فيروز.. عندما تغني الملائكة

| سوسن صيداوي

صباحاتنا تصير مع صوتها أجمل
الوطن حين تغنيه يزداد شموخاً
الشام بشعر سعيد عقل وشدوها أكثر عذوبة
براءة الحب في شدوها
وطهر الحياة في جوابها والقرار
عفوية الحياة والغناء
فيروزة الحياة
بالقصيدة ارتقت
وبالمحكي أجادت
فكانت رفيق صباحاتنا والمساء
وكانت أرجوحة الروح
فيروز تطفئ شمعتها الرابعة والثمانين
في ركن قصي
تحرس الأغنية والإنسان
وتحفظ صورة الرحابنة المحبين
عالروزنة
وشام أهلوك أحبابي
وفيروز ترقب المدى البعيد
بيادر من حب وشعر وموسيقا
ساعات من طفولة أغنية لا تشيخ 
كل عام وأنتِ بخير

مع أم كلثوم

في عام 1966 أثناء زيارة فيروز للقاهرة كانت التقت بأم كلثوم، ولم تتردد جارة القمر عندما التقت محبيّها ومعجبيها في فندق النيل في الغرفة رقم 624 بالدور السادس، أن تحدثهم عن لقائها بكوكب الشرق، بقولها إن أم كلثوم ظاهرة غنائية فذّة وعظيمة ولذلك لن تتكرر«وأحب أن أسمعها في رائعتها مع محمد عبد الوهاب (إنت عمري)». وأضافت صوت الأوطان بأنها صارحت أم كلثوم بإعجابها بقصائدها الغنائية وخصوصاً القصيدة التي كتبها الدكتور إبراهيم ناجي(الأطلال)، كما نشرت مجلة (آخر ساعة) ما أضافته فيروز حول صوت أم كلثوم: «إن أم كلثوم تتمتع بشخصية قوية جذابة ساحرة لا تقاوم، وصوتها وهي تتكلم له نبرة خاصة ممتعة». في حين كوكب الشرق عبّرت لعصفورة الصباح ورفيقة المساءات فيروز بأنها كانت تستمع إلى أغانيها في أوقات كثيرة وعلى الخصوص أثناء هدوء الليل، كما أنها تحب وتتفاءل بأغنية (يا زهرة المدائن) وأغنية (اسهار وبعد اسهار).
في حين وعن رأي أم كلثوم بفيروز كتب أنيس منصور (ﻓﻲ ﺣديث ﻏﻴﺮ ﻋﺎﺩﻱ ﻣﻊ ﺃﻡ ﻛﻠﺜﻮﻡ ﺳﺄﻟﺘﻬﺎ ﻋﻦ ﺭﺃﻳﻬﺎ ﻓﻲ المطربات. قالت ﻋﻦ ﺳﻌﺎﺩ محمد ﺇﻧﻬﺎ تلميذة ﻓﻲ مدرستي، ﻭﻋﻦ ﺷﺎﺩﻳﺔ إﻥ صوتها ظريف، ﻭﻋﻦ ﻧﺠﺎﺓ إﻥ ﺻﻮﺗﻬﺎ ﺣﻨﻮﻥ، ﻭﻋﻦ ﻓﻴﺮﻭﺯ إﻥ ﺻﻮﺗﻬﺎ فريد، وهذا ﺭﺃﻱ فريد ﺃﻳﻀﺎً.. ﻓﻠﻴس ﻣﺄﻟﻮﻓﺎً ﻓﻲ أحاديث القمم ﺃﻥ نجد ﻣﺜﻞ هذه ﺍﻟﻌﺒﺎﺭﺓ ﺍﻟﺒﻠﻴﻐﺔ الراقية.. ﻭﻓﻴﺮﻭﺯ محبوبة ﻓﻲ ﻣﺼﺮ ﺗﻤﺎﻣﺎً ﻛﻤﺎ ﻫﻲ ﻓﻲ ﻟﺒﻨﺎﻥ ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺍﻟﺒﻼﺩ ﺍﻟﻌﺮبية، وكان حدثاً عجيباً عندما غنت فيروز ثلاث أغنيات من تلحين عبد الوهاب.. أغنية: جارة الوادي.. ثم أغنية خايف أقول اللي في قلبي.. ثم أغنية باللهجة اللبنانية: اسهار..
ويوم جاءت هذه الأسطوانة إلى مصر كنا نتناوبها، وانتقلت من القاهرة إلى الإسكندرية إلى أسوان.. واستطاع محمد عبد الوهاب بذكائه التجاري المعروف أن يعطي أصدقاءه من الصحفيين أسطوانة واحدة، فكتب كل منا مقالاً عن هذه التحفة، وكيف أننا اكتشفنا صوت عبد الوهاب وهو يغني ضمن الكورس، وكيف أن ذلك دليل على حبه لفنه.
المهم أن تنجح الأسطوانة ولذلك حرص عبد الوهاب على أن يكون فيها بصوته وبحضوره وفنه البديع.. وكيف أننا لاحظنا أن فيروز عندما غنت: خايف أقول اللي في قلبي. قالت: أنا زارني طيفك (بمنامي) قبل ما أحبك.. ولكن عبد الوهاب يغنيها باللهجة المصرية فيقول: أنا زارني طيفك (في) منامي..
واتصل محمد عبد الوهاب وقال: أنت أخذت رأي أم كلثوم في فيروز وأنا ماذا قالت عني؟
وأدهشتني هذه الدعابة. لكن اتصلت بأم كلثوم: تصوري يا ست.. عبد الوهاب عاوز يعرف رأيك فيه..
فضحكت وقالت: على راسنا من فوق.

مع عبد الوهاب

وبالنسبة لموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب قالت فيروز: «عبد الوهاب ملحن (إنت عمري)، هو ملحن الجيل الحاضر، خاصة أنه قام بتطوير النغم الشرقي ووصل بتطويره إلى الذروة، وهو يتمتع بشخصية كبيرة مستقلة بذاتها، ونحن متفائلون بأننا نستطيع تقديم عمل مع محمد عبد الوهاب». وأول لحن قدّمه عبد الوهاب لـفيروز(اسهار بعد اسهار) كان كلمات رحبانية تفرض أجواءها في طول الجملة اللحنيّة وغياب التكرار والتطريب، بالإضافة لتفاصيل لحنية جعلت من اللحن أقرب إلى طابع الرحابنة منه لـعبد الوهاب، لكن مع التعاون الثاني بين فيروز وعبد الوهاب، في أغنية (سكن الليل) بدأ حضور موسيقار الأجيال يتجلى واضحاً وخصوصاً بأن اللحن لقصيدة غير رحبانيّة.
إلى أن وصل الأمر مع أغنية (مُرَّ بي) وهنا قامت قيثارة السماء بغناء لحن وهابيّ صرف، من حيث التطريب وتكرار المقاطع، وحتى وصف عاصي الرحباني هذا اللحن بالذات بأنه عودة إلى ألحان عبد الوهاب القديمة لكن بصياغة حديثة.
وبقي أن نذكر بأن أغنية «ضي القناديل» التي كتبها ووزعها عاصي ومنصور الرحباني، ولحنها الموسيقار عبد الوهاب، وسجلت في استديو بعلبك في بيروت1962، وهذه الأغنية الوحيدة اليتيمة التي جمعت بين الأخوين رحباني، وعبد الحليم حافظ، حيث رغم أنه كان هناك أكثر من مشروع مقترح لجمع حليم بفيروز والرحابنة، منها مشروع غناء حليم وفيروز لأوبريت «مجنون ليلى» بعد انتهاء عبد الوهاب من تلحينه كاملاً منتصف الستينيات، وذكر الصحفي اللبناني جورج إبراهيم الخوري أن«ضي القناديل» كانت كُتبت لفيروز، ولكنها رفضت تسجيلها، وقالت إنها تصلح لرجل لا امرأة، لأنه في حال غنتها امرأة ستبدو وكأنها فتاة ليل تقف في شارع طويل يملأه الضباب وحيدة، وأنها على النقيض نالت إعجاب حليم ورحب بغنائها، على حين شكّك آخرون في رواية رفض فيروز لها، واستندوا إلى أن عاصي كان يعرف جيداً ما يليق بفيروز.

مع السنباطي

كان الموسيقار رياض السنباطي مسحوراً بصوت النغم الحالم حتى إنه عبَّر عن هذا بقوله «ما تبقى من عمري لفيروز». وكانت الأخير عرضت في عام ١٩٧٩على السنباطي أن يتعاونا في ميدان القصائد الذي حقق فيه السنباطي بصمة فريدة في عالم الطرب الأصيل.
وحين جاء موعد حفل الأغنية الأولى التي جمعتهما تفاقمت الحرب الأهلية في لبنان وأوقفت كل شيء، هذا ورحل السنباطي عنا في أيلول ١٩٨١، تاركاً ثلاثة ألحان أعدّها لفيروز دون أن يتحقق حلمه بسماعها بصوتها.
مرّ 38 عاماً حتى اﻵن في انتظار ظهور فيروزيّات السنباطي التي ظلَّل عليها التحفظ الإعلامي، وبقي الأمر حتى اليوم ما بين تأويلات أصحاب الخبرة وتحليلاتهم لسيناريوهات توضح تردد غناء فيروز لألحان سنباطية الطابع يغيب فيها التوزيع الرحباني القادر على تخفيف ثقل الشرقية السنباطية، في ميزات اعتدنا عليها في مسيرة كوكب الشرق مع السنباطي، وخصوصاً بأن صوت الحب انطلقت من لبنان بمدرسة موسيقية مختلفة عما هو سائد في مصر شكلاً وموضوعاً، وبغناء الألحان السنباطية ربما ستضع نفسها في مقارنة بمكان مع أم كلثوم، وبحسب أهل الاختصاص «لا حاجة لقامة مثل فيروز لمحاولة في (كلثمة) هويتها التي استطاعت باستقلاليتها أن تشغل العالم».

مع القمة في الشعر

لقد تميزت موهبة شاعرة الصوت في بداياتها من خلال أشعار وموسيقا الأخوين اللبنانيين عاصي ومنصور رحباني، ولكن قائمة القصائد التي غنتها تفوق 800 قصيدة والأسماء التي حملت فيروز بصوتها قمة الشعور بإحساس الكلام نأتي على ذكر:عمر أبو ريشة، قبلان مكرزل، نزار قباني، ميشيل طراد، سعيد عقل، بدوي الجبل، الأخطل الصغير، أبو سلمى، أسعد سابا، جوزيف حرب، طلال حيدر وشعراء آخرين معاصرين.
كما غنت أيضاً أعمالاً لجبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، إلياس أبو شبكة، بولس سلامة، كما هو الحال بالنسبة لشعراء عرب من العصور القديمة مثل: ابن زريق البغدادي وابن جبير. وتجدر الإشارة بأن أحمد شوقي كتب العديد من القصائد والدواوين التي أشاد بها الجميع منصّبين إياه أميراً لشعراء عصره، هذا وقد أعجب بأشعاره كبار الفنانين وأنشدوا من كلماته منهم: أم كلثوم وعبد الوهاب، وفيروز- موضوع حديثنا اليوم- التي غنّت من أشعاره قصيدة «يا جارة الوادي»، والتي غناها قبلها محمد عبد الوهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن