ثقافة وفن

المندوب السامي!!

إسماعيل مروة :

تشيع في مؤسساتنا ظاهرة الندب، فالدكتور الفلاني مندوب ندباً جزئياً إلى مكان ما، وظاهرة الندب تخضع للحاجة والخبرة، فعندما يكون هناك أي شخص يمتلك مؤهلات لا يملكها سواه يتم ندبه إلى جهة أخرى ليستفاد من خبرته! ولكن ماذا يكون الرد عندما يتم ندب أشخاص عاديين وأحياناً أقل من عاديين في إطار المحاصصة وإرضاء هذا الجانب؟: ماذا سيقدم المندوب؟ والأخطر عندما يكون المندوب قد ندب إلى عمل مهم ويحتاج تفرغاً تاماً، فهو غير قادر- لو أراد- أن يكون موجوداً في المكان الذي ندب إليه ليقدم خبرته الافتراضية، وهو غير موجود في المكان الذي ندب منه ليقدم ما كان لأجله! وإذا تمتع هذا المندوب بالقدرة على المراوغة، وغالباً ما تكون هذه الصفة موجودة، فهو غير حاضر في المكانين، وربما استطاع أن يمثل على الجهتين أنه موجود في المكان الآخر!
الشيء الذي يتحقق في الندب هو حصاد المندوب لجميع المكاسب والامتيازات، فمثلاً إن كان أستاذاً جامعياً يتمتع بقانون التفرغ الجامعي، فإنه يتقاضى هذا التفرغ التام، ويحصل على المرتب العالي الذي يوازي مرتب وزير، وفي المكان الذي ندب إليه يتقاضى مكافأة، ويأخذ الامتيازات التي تخصص للمكان المندوب إليه من سيارة ومخصصات وما شابه! لذلك هو لا يرغب في النقل، وإنما يفضل الندب، وجميع المحاسبين يقولون لك: إن الندب أكثر جدوى، لأنك تحظى بكل امتيازاتك وفوقها مكافأة الندب!
والذي يشكو منه كثيرون أن الجهات التي تقوم بندب هذا أو ذاك مملوءة بالطاقات والخبراء، لكن سيادته لا يحبهم أو لا يريدهم، أو لم يقوموا بتقديم أنفسهم، فهم يبقون مركونين لا عمل لهم، ويأتي من خارج مديرياتهم ووزاراتهم من يترأس عليهم بقانون الندب!
بعض المسؤولين ألغوا مع تسلمهم مفهوم الندب، وتفاءل العاملون في قطاعاتهم، ليفاجؤوا بعد ذلك بندب شريحة جديدة، لكن هذه الشريحة من اختيار السيد المسؤول لتعود الأمور أسوأ ما يكون! مع ملاحظة أن المندوب يجرّ معه أصدقاءه، وأبناء القطاع الذي يعمل فيه أصيلاً ليكسب هؤلاء الأشخاص ويرتب عليهم ديوناً لما بعد الندب!
إذا كانت هذه المواقع تحتاج هذه الخبرات حقيقة، فليتم نقلها، وإن كانت لا تحتاجها فيجب أن تعود هذه المواقع لأبناء المؤسسة الذين يعرفونها حقيقة، والذين تدرجوا في كل المواقع، لكنهم لم يصلوا إلى أعلى الهرم الوظيفي لأن سيادته ندب فلاناً أو فلاناً لهذا الموقع!
أحد أصدقائي ندب مديراً في إحدى الوزارات، وهو أستاذ جامعي، وعندما خيّر بين النقل التام أو العودة إلى كليته، اختار العودة إلى كليته بعد أن بقي سنوات تحت قانون الندب، يمارس عمله مديراً عاماً يحصد كل الامتيازات وفي الوقت نفسه هو أستاذ جامعي متفرغ!
إن الندب ليس إلا فرصة لهذا أو ذاك لحصاد ما هو مخصص لغيره، ولتحقيق فوائد شخصية من دون النظر إلى مصلحة الموقع والمؤسسة والوزارة وما يلحق بها أو عنها، فهل يتمتع المسؤول بالجرأة للعودة عن استخدام هذا الحق؟ وعن استقدام أناس أجلاء، لكنهم يجهلون لوازم المكان جهلاً تاماً؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن