ثقافة وفن

بحب وشغف وانتماء.. سلاف فواخرجي تعرض تجربتها الإخراجية الأولى … «رسائل الكرز».. قصة حب للحياة وصمود وتمسك بالأرض وأمل بالنصر القريب

وائل العدس- تصوير: طارق السعدوني :

بعد مسيرة طويلة وزاخرة قدمت فيها ما يقرب المئة ظهور تلفزيوني وسينمائي عبر الشاشتين الصغيرة والكبيرة، توجت سلاف فواخرجي نجوميتها بإنجاز تحفة سينمائية بهوية سورية خالصة، مقدمة خلاصة خبرتها على مدار عشرين عاماً في صنع حكاية حب بين الإنسان والأرض بسيناريو وإخراج فيلم «رسائل الكرز» عن قصة للكاتب نضال قوشحة، في أولى تجاربها الإخراجية، بعدما استهوتها الفكرة وشعرت بداخلها أشياء تريد قولها تتطابق مع القصة، لتعيش حالة من الشغف خلال كل لحظة من لحظات التحضير والتنفيذ.
هو رسائل عشق بحبر الكرز، تحمل خير بلد بروح الإنسان لتحكي قصة أزليّة شامخة لا تموت في حب الأرض.. حب الوطن، ليلامس قلوب مَن حضر ويوصل رسائله بكل عذوبة وشفافية ورقة.
ويأتي عرض الفيلم في دار الأوبرا بدمشق بعد أيام قليلة من حصوله على جائزة أفضل فيلم ضمن مسابقة (نور الشريف للفيلم العربي الروائي الطويل) بمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول حوض البحر المتوسط.
ويؤدي الأدوار فيه: غسان مسعود، وجيانا عيد، ومحمود نصر، ودانا مارديني، وأنطوانيت نجيب، وناصر المرقبي، وباسل حيدر، وعلي رمضان، وعماد السمّان، ووجدي عبيدو، وجيرار آغباشيان، وكان من اللافت مشاركة والدة سلاف الأديبة ابتسام أديب في أول مشاهد الفيلم اعتبرتها هدية لابنتها ولوطنها سورية، إضافة إلى مشاركة الطفل علي رمضان، الابن الأصغر لسلاف ووائل رمضان.
أنتج الشريط شركة «شغف» للإنتاج الفني، برعاية شركة «سيريتل»، وترجمه إلى الفرنسية والإنكليزية عصام تكروري، وإيليا السمان.

صمود وتمسك

يعرض الفيلم انتصار الجيش العربي السوري في حرب تشرين التحريرية على العدو الصهيوني وتطهير القنيطرة من رجس الاحتلال مدعمة بفيديو يعرض لحظة رفع القائد الخالد حافظ الأسد للعلم العربي السوري في استعادة الكرامة بعد نكسة حزيران.
ويمتد الشريط في 71 دقيقة، وتدور أحداثه حول قصة حب بين بنت وشاب من الجولان، لتحكي فواخرجي قصص حب للحياة، قصص صمود وتمسك بالأرض، وتجسد عبره الأمل بالنصر القريب عبر إشارات ورموز تعكس أمل كل السوريين بتحرير الجولان وكل شبر من الأراضي المحتلة، فهذه قضية الوطن بأكمله، القضية التي يريدون تغييبها عنا، لتقول إن الوطن وحدة متكاملة تعيش في وجداننا كل لحظة، والجولان وإن طال الزمان ماثل في القلب والوجدان في كل حركة وسكنة.
خلفية الفيلم تاريخية وطنية، ولكن القصة رومانسية عبارة قصة حب خالصة يقال فيها إن الحب ليس بين شاب وفتاة فقط، ، بل الحب وطن وجغرافية وتاريخ وذكريات الإنسان وتفاصيل حياته كلها.

قصة حب لم تكتمل
يبدأ الشريط بمشهد ولادة البطل «علاء» (محمود نصر) تزامناً مع استقلال سورية يوم 17 نيسان عام 1946، وفي اليوم نفسه ووفقاً للتقاليد يزرع له أبوه شجرة كرز يتم دفن حبله السري تحتها فينموان معاً وتنمو معهما قصة حب مع جارته «سما» (دانا مارديني) فيتعاهدان تحت شجرة الكرز على الزواج من دون أن ينسى أن والده مات وهو يحلم بتحرير فلسطين ولم يكن يدري أن حرباً أخرى ستنتهي باحتلال الجولان.
ففي حرب 1967 احتل «الكيان الصهيوني» هضبة الجولان السورية وشبه جزيرة سيناء المصرية وقطاع غزة والضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية العربية، لتدفع «علاء» بالمشاركة في الحرب على أمل الوفاء بعهده مع نفسه ومع خطيبته التي لم تقطع تواصلها معه وحافظت على إرسال رسائل الحب مكتوبة بحبر الكرز، لتعيش بينهما ذكريات ماثلة في القلب مثل أغنيات أم كلثوم وفيروز وعبد الحليم حافظ.
لا تكلل قصة الحب بالزواج لأنهما تعاهدا على الزواج في منزلهما بالجولان المحتل، فيقفان مع الاختتام أمام الأسلاك الشائكة التي تفصلهما عن حلمهما ويحاولان نزعها فتنزف يد «سما» فيسيل منها الدم الذي استبدل بالكرز، فتقبض عليه إيحاء بالإصرار والتمسك بتحقيق الحلم.

أما آن؟
تحدثت فواخرجي عن فيلمها فقالت: عناقيد كرز تمتد من فلسطين إلى الجولان، تحكي قصة عشق بين شاب وفتاة بين شعب وأرض، بين هوى وهوية، ورسائل كرز كتبت حروفها من حبر كرز الجولان، حبر بحنو القلب ولون الدم، حبر يخفق بالحب وتتقطع شرايينه بالحرب حتى ضاعت من رسائله الحروف، متسائلة: أما آن للناي أن يستريح، وللبيت أن يعود؟.
ووصفت فيلمها بأنه خلاصة روح سورية مخلصة للوطن وتعشق أرضها، معبرة عن رضاها عن العمل خاصة أنها التجربة السينمائية الأولى غير أن لديها العديد من الملاحظات التي احتفظت بها لنفسها لتتعلم منها.
وأكدت أن الفيلم خليط من الفرح والألم والحب وهو في النهاية يعبر عن حالة خاصة وليس معمماً على الجميع ويبقى ضمن وجهة نظر إخراجية خاصة.
وقالت في تصريح لـ«الوطن»: كنتُ أنتظر اليوم الذي سأعرض فيه فيلمي في بلدي، فالخوف كان يعتريني، ونبضات قلبي كانت سريعة، لأنني أعرف أن الجمهور السوري ذواق، وأن آراءه ليست بالسهلة وانتقاداته ليست بالقليلة، مضيفة: لكنني كنت تحضرت لهذه اللحظة، ولم ألحظ أي ردة فعل حادة، لأن الرسالة التي أردنا إيصالها وصلت للناس، وهذا أهم شيء، على الرغم من بعض التعليقات والملاحظات.
وختمت بالقول: الفيلم تجربة أولى فيها الكثير من روحي ومخزوني، فيها كم من الحب والشغف، ورسائل حب وانتماء.

تكريم خاص
بعد عرض الفيلم، صعد الفنان الكبير دريد لحام إلى المنصة ليكرم فواخرجي بدرع تكريمية وباقة من الورد، وقال: عشقت كل ذرة تراب في سورية، وعشقت كل لحظة من عمر سورية، وأخذها هذا العشق لتدوّن رسائل محبة إلى تراب الجولان، جولان الفخر والصمود والانتماء، هذا الانتماء الذي يختبئ عبر الأسلاك الشائكة وحواجز الفصل بينه وبين أمه سورية لتحدق خفقات القلوب من جانب، لتحط في القلوب على الجانب الآخر، وسيبقى الجولان شامخاً مقيماً في الوجدان وفي رسائل الكرز، سلاف الزميلة المتميزة في الفن والشريكة الرائعة في الوطن، إن هذا التكريم يتكرم بك وإلى رسائل جديدة في عشق وطن خذله بعضنا.
لترد عليه بالشكر والقول: أشعر أن التاريخ يكرمني هذه الليلة.

ممثلو «سيريتل»
أكد فراس مرادي أن الفيلم يحكي قصة حب للأرض، للجولان الصامد.. قضية كل السوريين، وقد عكست فواخرجي هذه القضية بطريقة جميلة وراقية، وجسدت من خلاله مفاهيم المحبة والإخلاص والصمود وهي قيمنا في سيريتل، وهذا التناغم في الرؤى هو الدافع للمشاركة في هذا الفيلم المميز الذي يصور معاناة أهلنا في الجولان المحتل وكبرياءهم وشموخهم الذي تنحني له الهامات، مضيفاً: كما أن سيريتل تهدف إلى دعم الإبداع السوري في كل المجالات، ليعلو اسم سورية في كل مهرجان أو احتفال أو فعالية عربية وعالمية.
أما فاتن الشلبي رئيس قسم المسؤولية الاجتماعية فقالت: إن سورية الجميلة الواحدة هي سوريتنا، ونحن في سيريتل ملتزمون بدعم كل نشاط يعزز ويرسخ هذه الفكرة انطلاقاً من مسؤوليتنا الاجتماعية تجاه بلدنا، وهذا الفيلم تجسيد راق لقضية لا تغيب عنا، فالجولان في قلوبنا وهو سيعود لحضن الوطن، كما أن القيم التي يحملها هذا الفيلم هي القيم التي نحملها في سيريتل ونؤمن ونلتزم بنشرها وتعزيزها، لذا فإن رعاية سيريتل هو واجب تقوم به لدعم المبدعين السوريين كالفنانة سلاف فواخرجي من جهة، وهو تأكيد لقضية وطن بأكمله من جهة، وهو أيضاً قصة عشق شامخ للأرض والوطن.
بدوره، قال إبراهيم برهوم رئيس كبار العملاء في الشركة إن الفيلم يعرض قضية وطن، وسيريتل هي شركة وطنية، لذا فإن مشاركتنا بهذا العمل الفني يأتي التزاماً برسالة صمود وشموخ لأهلنا في الجولان المحتل، فكما أن الحب لا تعيقه حدود أو يوقفه زمان، فكذلك قضيتنا العادلة لن تغيب عنا، وستحمل الأجيال القادمة حب الوطن دائماً، ومن ناحية ثانية فإن الفنانة سلاف فواخرجي قدمت قيماً سورية تمثلت في الوفاء والتضحية، وجسدت فيه أملاً جميلاً بنصر قريب، باختصار فإن «رسائل الكرز» مرآة تعكس آمال السوريين وإيمانهم بالحب.
أخيراً أشار علاء سلمور رئيس قسم الإعلام في الشركة إلى أن سورية لوحة فنية لا يضاهي جمالها لوحة، وكل بقعة أرض فيها هي قطعة فريدة تشكل فسيفساءها، لذا فإن الجولان هي أرضنا التي لن نتخلى عنها، وسنستردها لتكمل جمال هذه اللوحة، وهذه القضية الأساسية التي يعكسها الفيلم، فأحداثه التي تدور على أرض الجولان الحبيبة، تعكس معاناة أهلنا الصامدين، إلا أنه يجسد جمال وعميق محبتهم، هذه المحبة التي لا تشيخ ولا تتغير، يضيف: هذا الفيلم هو ثمرة النقاء والقيم والرؤى بين سيريتل والفنانة سلاف فواخرجي، فنحن في سيريتل ملتزمون بقضيتنا، وبالمبادئ والقيم التي يعكسها الفيلم، وملتزمون بدعم المواهب والكفاءات السورية في كل المجالات، ليبقى علمنا فوق الغيم مرفوعاً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن