قضايا وآراء

الغرب وتصفية أعدل قضية في تاريخ البشرية

| تحسين الحلبي

ربما لا يوجد في تاريخ البشرية أعدل من الدفاع عن قضية وحقوق الشعب الفلسطيني، بل أوضح مظاهرها العادلة، وهذا ما لا يستطيع أحد إنكاره في العالم، وبخاصة شعوبه العربية والإسلامية وبقية الشعوب التي تحررت من الاستعمار وأشكاله الوحشية، ومع ذلك تتجاهل مفوضية السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي هذه الحقيقة منذ تولي فريدريكا موغيريني التي مالت إلى التنكر لهذه الحقيقة وفضلت الدفاع من دون تحفظ يذكر، عن كل ما تقوم به إسرائيل من عمليات تصفية جسدية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة والمحاصرة بل في الخارج أيضاً.
إن صمت المفوضية الخارجية على ما تعرض له الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يفوق كل حد، فبينما نرى أن بعض الأحزاب الإسرائيلية انتقدت سياسة دولتها في اللجوء إلى عمليات التصفية الجسدية وقتل العائلات، اكتفى مكتب موغريني بإطلاق عبارة «العملية» في بيانه السياسي على قصف منازل الفلسطينيين في القطاع من دون ربطها بأي صفة احتجاجية أو انتقادية تستحقها بل استحقتها من كل أنحاء العالم.
بالمقابل كان بيان مفوضية الخارجية التابعة للاتحاد الأوروبي، كما يوضح ذلك ديفيد كرونين في مجلة الانتفاضة الإلكترونية في 18 تشرين الثاني الجاري، إذ أعرب عن «التنديد بعمليات من هذا القبيل نفذتها إسرائيل في شباط عام 2001».
في إحدى المناسبات وصف زعيم حزب ميريتس الإسرائيلي يوسي ساريد الذي يعد من يسار الوسط، الاستيطان الإسرائيلي في التسعينيات بعمل إرهابي في جلسة للكنيست، وهي عبارة أثارت عاصفة حادة وأزمة سياسية، وتجاوز بوصفه هذا السياسة الإسرائيلية وكل سياسات الغرب التي صنعت إسرائيل ووظفتها لخدمة مصالحها ضد مصالح شعب كامل وأمة عربية وإسلامية، وهذا ما يقودنا حقاً إلى عدم الاستغراب من هذه السياسات الغربية التي لا تتولى الدفاع عن التوسع الإسرائيلي فحسب بل إنها تمنع قادة إسرائيل من اتخاذ سياسة توقف الاستيطان وهذا تماما ما أكده قبل أيام تصريح وزير الخارجية الأميركي مايكل بومبيو حين قال: إنه لا يعد المستوطنات الإسرائيلية فيما بقي من أراضي الفلسطينيين غير شرعية.
إن مأساة قضية فلسطين لا تتوقف عند هذا الحد بل تزداد كثيراً حين تكتفي الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة بالإعراب عن رفض هذا التصريح من دون أن تقوم بأي إجراء لفظي أو تحذيري ضد هذه السياسة الأميركية والغربية، وهكذا يستمر الاستيطان بكل ما يحمله من نهب مكشوف ومباشر لحقوق الفلسطينيين وخاصة في مدينة القدس التي يذرف عليها بعض الحكام العرب دموع التماسيح وهم الذين ربطوا مصير شعوبهم ومصادر ثروات البلاد بالولايات المتحدة والدول الأوروبية الاستعمارية التاريخية، تاركين الشعب الفلسطيني فريسة لكل هذه السياسات الغربية، وهم يتدخلون بعشرات الأشكال والمضامين في شؤون الشعب الفلسطيني في كل مكان ويدمرون حقوقه بخضوعهم ويرددون شعار عدم التدخل في شؤونهم، إذا ما خرجت من الفلسطينيين صرخة ألم من سياسة هؤلاء الحكام، ولعل هذا ما جعل الإسرائيليين يعولون على دور هؤلاء الحكام في محاصرة الفلسطينيين وتفتيت قدراتهم لتسهيل مهمة الولايات المتحدة وإسرائيل في تصفية القضية الفلسطينية تحت شعار حماية الفلسطينيين من التطرف، لأن التمسك بحقوقهم التي اعترف بها كل العالم يريدون تحويلها إلى اتهامهم «بالإرهاب» فالإسرائيلي يبتزهم من جهة ويطالبهم بابتزاز الفلسطينيين وتستمر هذه الدوامة بعد أن أصبح معظم المسؤولين في السلطة الفلسطينية أسرى لقادة الاحتلال على غرار بعض الحكام العرب.
رغم هذه الدوامة التي استسلم لها الكثيرون في الساحة الفلسطينية والعربية، ما زال الشعب الفلسطيني يحاصر إسرائيل في معادلة تتحرك فيها إسرائيل في كل العالم واتجاهاته من دون أن يكون في مقدورها التخلص من حصار الفلسطينيين الجاثم فوق احتلالها، حاملا الصواريخ والنيران وصيحات التمسك بالحقوق رغم أنه محاصر من كل الاتجاهات من دون أن يسمح لها بمحاصرة إرادته بعد أن نجحت إسرائيل في محاصرة إرادة مسؤولي السلطة الفلسطينية بشكل فاق التصور.
يبدو أن أهم صمام أمان حاسم للمحافظة على قضية الشعب الفلسطيني وحقوقه لم يعد موجودا إلا عند إرادة الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة التي ما زالت تساند إرادته وتتحمل معه ومع حلفائه كل التزامات هذه القضية الأكثر وضوحا وعدلا في تاريخ البشرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن