سباق محموم، غير معلن يجري بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ووزير خارجيته مارك بومبيو نحو البيت الأبيض في العام القادم. ترامب يحلم، ومن ثم يخطط ويرسم ويقاتل للبقاء في سدة الرئاسة لدورة ثانية، وبامبيو من ناحيته يحلم ويخطط ويرسم للوصول إلى رئاسة أولى للولايات المتحدة.
الهدف معلوم ومحدد لدى كل من الرجلين، ولكن ما السبيل إلى الوصول إليه؟ هذه مسألة من السهولة بمكان، لا تدعو إلى الحيرة، ولا بذل جهد جهيد، إرضاء الصهاينة في فلسطيننا وفي الولايات المتحدة، نتنياهو وعصابته هنا والآيباك اليهودية العالمية هناك، وموضوع الصراع المستهدف، أي الثمن المطلوب ما أسهله منالاً عندهم، الأرض الفلسطينية وأهلها الفلسطينيون، هؤلاء الذين افتُريَ عليهم واغتصبت حقوقهم وأُذيقوا من العذاب ما يفوق طاقة البشر، حدث لهم ما حدث، ولم يجدوا نصيراً لا من المجتمع الدولي وهيآته ومؤسساته هي أيضاً، ولا من إخوة لهم يملكون المال والنفوذ، فقد تخلى هؤلاء عنهم أيضاً، حفاظاً على مناصبهم وثرواتهم ومكتسباتهم، وانقضت على هذا كله عقود، والأمر لا يزداد إلا سوءاً على سوء على فلسطين وشعبها.
في هذه الحقبة التي يعيشها العالم والتي يترأس فيها السيد ترامب سدة الحكم في الدولة الأميركية، قدم لصهاينته أكثر بكثير مما قدم لهم من سبقوه في الإدارة الأميركية، وهي اليوم معروفة للقاصي والداني ولا داعي لذكرها إلا كعناوين، فالذكرى تنفع المؤمنين وغيرهم، منحهم القدس وأرض الجولان وأوقع العقوبات على مناصريهم، سورية وإيران، أما الفلسطينيون فقد أغلق مكتب بعثتهم في بلاده، وألغى ما يترتب على أميركا لـ«منظمة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين – أونروا»، ووصف مناضليهم ومن معهم بالإرهاب، فماذا بقي لديه بعد ذلك ليقدمه؟ أما السيد بامبيو فمنذ تسلمه منصبه هذا لم يدع فرصة تمر من دون أن يماشي فيها الصهاينة على حساب الفلسطينيين وبلادهم. لقد أمسى الرجلان، وحاشية كل منهما، في نظر العالم كله صهاينة أكثر من نتنياهو نفسه.
أما اليوم، فقد حدث ما لا يقل سوءاً وعدواناً عن كل ما سلف فقد أعلن السيد ترامب موافقته على شرعية المستوطنات زاعماً أنها لا تتعارض مع القانون الدولي، وبادر السيد بومبيو، ما دام الأمر سباقاً ومزايدة لإرضائهم، بأنه لا يرى في القانون الدولي وهيأت المجتمع الدولي ما يمنع من اعتبار المستوطنات شرعية، بل إن لإسرائيل الحق في إنشاء المزيد منها وتوسيع المقام على أرض فلسطين، أو أرض إسرائيل في نظره.
أقدم كل من الرجلين على إهدار حقوق الفلسطينيين هكذا بجرة قلم، أو حذلقة لسان، انتهاكاً للقوانين والشرائع واستهتاراً بكل ما تعارف عليه البشر قديماً وحديثاً، بل إن أميركا نفسها وفي عام 1978 أعلنت عدم شرعية الاستيطان في فلسطين، ولكن متى كان ترامب أو بومبيو وأضرابهما يقيمون اعتباراً لشيء غير إرضاء الصهاينة، بل لنقل الخضوع لرغباتهم، لكأن تل أبيب هي السيد المطاع وواشنطن هي التابع الذليل.
الغريب أن كلاً منهما يتحذلق ويتفوه بأي كلام، غير مقنع ولا منطقي، أمام العالم كله، دونما خجل أو حياء أو رعاية لكرامة البشر وعقولهم، كقول السيد بومبيو مثلاً: «لم يعد هناك الآن ما يمنع من اعتبار المستوطنات ليست متعارضة مع القانون الدولي».
ترى على أي أساس اكتشف المستر بومبيو أنه لم يعد الآن ما يمنع؟ ما الذي حدث أو تغير اليوم عن القديم فأوجب الأخذ به؟
في هذا المضمار لن يفوتنا التطرق إلى موقف الرجلين من سورية الدولة، لقد أعلن ترامب أنه أبقى قواته، الضئيلة العدد، عند منابع النفط حفاظاً عليها! من كلفه بهذه المهمة يا ترى؟ والأدهى من ذلك أنه في اللحظات ذاتها التي كان يعلن فيها ذلك كانت شاحناته المحملة بالنفط تتجه إلى خارج الأراضي السورية، سرقة مكشوفة مخجلة ومزرية لا يرضاها على نفسه لص عادي من عامة الناس بداعي فقره وحاجته، وكالعادة يبادر السيد بومبيو في كل مزايدة ليعلن بعد ساعة أو ساعتين من حديث رئيسه بأن هذه المنطقة من سورية سوف تُعهَّد إلى شركات أميركية لاستخراج النفط وتسويقه لحسابهم! احتلال على الطريقة الاستعمارية القديمة وسرقة موصوفة. ثم عاد السيد ترامب ليبرر، ما لا يمكن تبريره، بأن هذا النفط «إن هو إلا حصة أميركا للتعويض عما أنفقت في قتالها لداعش»! أي مهزلة هي هذه أيها المجتمع الدولي المراقب؟ متى قاتل ترامب داعش؟ وأي تمويل قدمه الرجل؟ ألم يتقاض من المال العربي في الخليج والجزيرة العربية ابتزازاً وإكراهاً ما يفوق التصور لقاء هذا الزعم الكاذب؟
نقطة ضوء قريبة، بعض الشيء، تلوح في الأفق، ربما توحي ببعض الأمل لدى الفلسطينيين في مسألة المستوطنات المستجدة هذه، وهي أنه ما من أحد في العالم، غير الصهاينة، يقر بسلامة أو صحة الموقف الأميركي، فالإدانات والاستنكارات انطلقت في كل مكان، بما فيها هيئة الأمم المتحدة، ومنها أوروبا على لسان المفوضة ماغريني، وروسيا والصين.
أما سورية فقد رفعت القضية إلى مجلس الأمن الدولي، فلعل وعسى يعود لهذا العالم رشده فينصف الفلسطينيين، على نحو أو آخر، ويقف من عتاة الصهاينة وفي طليعتهم ترامب وبومبيو ونتنياهو الموقف الحازم المتصدي والجدير بحمله صفة المجتمع الدولي الذي يرعى حقوق الإنسان حقاً وصدقاً، الموقف الرادع لهؤلاء الذين أشاعوا التخريب المادي والأخلاقي والقيمي في عالم اليوم، بدءاً من جورج بوش الأب ثم الابن وصولاً إلى عصابة واشنطن ونيويورك وتل أبيب، صناع الإرهاب العالمي في هذه الحقبة من الزمن.