بعد غياب يبدع في معرض بعنوان: «ذكرياتي ولؤي كيالي» … غسان جديد لـ«الوطن»: أسكب شخصيتي من عاطفة نقية صرفة فوق الأبيض
| سارة سلامة
كما جرت العادة تتسابق صالة «ألف نون» لصاحبها الفنان بديع جحجاح على تقديم أعمال مميزة لتضيف إلى محطاتها محطة جديدة حافلة بالإبداع، إلا أنها هذه المرة تحملنا مبحرة في بيئة الفنان غسان جديد الذي عاد بعد غياب ليقدم تجربته التشكيلية بسحرها وبحرها وألوانها التي تحكي عن أسرار البحر، وانعكاس الشمس وتجولها على سطوح المنازل الطرطوسية، وتداخل الشوارع في جزيرة أرواد، يدفعه هذا العشق أكثر إلى الغوص في تفاصيل مدينته ليتناغم أيضاً مع الألوان وانتقاء ما يليق بالصيف ليفيض المعرض بسحر طرطوس وبحرها وجمال بيئتها.
ويذهب غسان جديد في معرضه هذا إلى أبعد من ذلك، من خلال تقديم تحية إلى روح الفنان لؤي كيالي الذي دفعه إلى عروج كل الصعاب والتعرف على مختلف المدارس فكان لا بدّ من التحدث عن تلك الذكريات.
وحمل المعرض 50 عملاً متنوعاً بين الإكرليك والزيتي ولوحات بعضها نفذ على كرتون وأخرى على قماش، وتعدد الموضوعات التي جمعتها البيئة المحلية والنظرة التشكيلية اللونية الخاصة به.
ملونة مفعمة بالحياة
وقال الفنان غسان جديد في تصريح خاص لـ«الوطن» إنه: «لا تغيب عن ذاكرتي لوحة الصيادين في جزيرة أرواد لصديقي الفنان لؤي كيالي، الذي تعرفت من خلاله على المناخ الثقافي ورواده في دمشق وتأثرت بنخبة من الأساتذة يومها وأكثرهم الفنان فاتح المدرس. أفكار وتقنيات وفلسفات متنوعة من كل العالم تراكمت كمصفوفة زمنية أشبهها بطائر مربوط بعدة خيوط كلما شعر بقوة أكبر تخلص من أحدها، إلى أن يتخلص منها كلها فيطير حراً محلقاً بجناحيه، هكذا أسكب شخصيتي من عاطفة نقية صرفة لتنتشي فوق الأبيض ملونة مفعمة بالحياة».
وأضاف جديد إنه: «ومن خلال خمسة وعشرين عاماً من العراك الفكري والثقافي والنفسي والتقني والقدرة على التخلص من بعض القناعات والتفاصيل والأهواء للوصول إلى حالة من الرضى الذاتي. نحن لا نتواصل مع الطبيعة عندما نرسمها مباشرة إذا لم نضف عليها من وجداننا، ومشاركتها وجدانها بذاتها وتلمس جوهر حسها وبنائها الغريزي، أنت لن تلتقط الأشياء من حولك إذا لم تصل لهذه التلقائية والبدائية ليس في الرؤية وحسب، بل في التواصل الحسي والوجداني معها أيضاً. هكذا هي دروب الحياة مزيج مركب من حب وحق يثمر لوحة توثّق للذاكرة وتبقى للتاريخ».
بعد غياب حضر الإبداع
بينما بيّن الفنان بديع جحجاح: «إن غسان جديد حالة خاصة في الفن السوري يتداخل فيها مفهوم الحرية والالتزام لما فيها من رهافة وعفوية، تجتمع كلها في كيمياء اللون المنسكب على سطح الأبيض فلا تعني ساعته الرملية الممتلئة أن الزمان قد توقف لكن الامتلاء هنا بمعنى الخصوبة المتجددة لطفولة واعية».
وبيّن جحجاج: «إن التمازج في ذاك الحوار الذي تشكله أمواج البحر على شواطئ أرواد وتلك النوافذ الشاهدة الملونة التي تخفي وراءها الأهازيج يلفها ذاك الخط ما بين الأسود والأبيض ينثرها أشكالاً وعوالم لا تشبه إلا غسان، حيث المراكب الساكنة تهتز ارتعاشاً عندما تغازلها موجات البحر وحراس القاعة يسترقون السمع وهم يراقبون النجوم والأقمار وذلك البوح الرقيق ما بين لؤي وغسان حيث كانوا يرسمون معاً كل الحكايات التي اغتنمها الصيادون في شباكهم فأصبحوا جميعهم لوحة في معرض بعد طول غياب لحاضر مبدع على جسر الحبق».
والجدير بالذكر أن تجربة الفنان «غسان جديد» الفنية التي تمتد إلى ما يقارب الأربعين عاماً تتميز بتركيزها على ملامح مدينته «طرطوس» وفق تشكيلات فنية متجددة في كل مرة بإحساس الإنسان الفطري المتعلق بالأماكن والطبيعة التي عاش فيها. وهو من مواليد عام 1946 تخرج من قسم التصوير في كلية الفنون الجميلة بجامعة «دمشق» عام 1971 وأقام عدداً كبيراً من المعارض الفردية والمشتركة داخل سورية وخارجها.