ثقافة وفن

مسابقة حفظ الشعر.. هل تقدم فائدة للثقافة أم إنها مجرد نشاط؟! … ثائر زين الدين: المسابقة للغوص في عمق اللغة العربية … حسام خضور: الأدب والفن والثقافة ليست للحفظ

| جُمان بركات

يتطلع الطامحون إلى تحسين لغتهم العربية وتقويم لسانهم سعياً للفصاحة وحفظ الشواهد الشعرية إلى حفظ عيون الشعر العربي، وقد أقامت الهيئة العامة السورية للكتاب مع لجنة تمكين اللغة العربية مسابقة حفظ الشعر في رغبة منها للحفاظ على اللغة العربية من الضياع. ويلعب الشعر دوراً بارزاً في عملية حفظ اللغة وإثرائها، وهو الوسيلة التي يتم من خلالها تنمية الملكة البلاغية، إذ إن الشعر وعاء اللغة ومستودعها.
وكان لـ«الوطن» لقاء مع لجنة تحكيم المسابقة لسؤالهم عن أهمية مسابقة حفظ الشعر وماذا قدمت للفائزين؟.

مسابقة حفظ الشعر
وعن المسابقة قال المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب د. ثائر زين الدين:
أطلقت الهيئة العامة السورية للكتاب واللجنة الفرعية لتمكين اللغة العربية في وزارة الثقافة مسابقة حفظ الشعر العربي رغبةً من هاتين الجهتين للتمكين بشكل فعلي للغة العربية التي نشاهد مدى التردي الذي وصلت إليه مؤخراً على لسان أبنائها، والمتحدثين بها. لذلك كانت الغاية من حفظ الشعر هي تحبيب الناس، ولاسيما الفئات العمرية الأولى من التلاميذ والطلبة، بلغتهم الأم لأنهم إذا ما امتلكوها بشكل جيد خلال فئات عمرهم المبكرة فلن ينسوها على الإطلاق، وستبقى ملازمة لهم.
وبخصوص ما قدمته هذه المسابقة، قال: لقد حققت الكثير، فيكفي النظر إلى القاعة التي كانت تجري فيها مراسيم اختبار المتقدمين، ومن ثم تكريم الفائزين، والتي كانت تحفل بالناس من مختلف الأعمار والطلاب، في الحقيقة أثرت هذه المسابقة في الحاضرين. فنحن من خلال حفظ مئات الأبيات من الشعر، جعلنا هؤلاء الناس يهتمون بلغتهم، ويمتلكون جزءاً كبيراً منها، لأن القرآن الكريم ثم الشعر العربي هما ما حفظ اللغة العربية من الضياع حتى الآن، وبالتالي فإن امتلاك الشعر بهذه الطريقة التي رأيناها عند هؤلاء المشاركين، هو عملياً غوص في عمق اللغة العربية، وامتلاك لأساسياتها.

بذرة محبة
وعن مصير الفائزين في هذه المسابقة قال: أستطيع القول إنه يكفي أننا وضعنا في أذهانهم بذرة محبة العربية، وأعلم أنهم سيتابعون، فالكثيرون منهم ينظمون الشعر، ويكتبون القصة القصيرة، أي إن هؤلاء ليسوا مجرد فائزين في مسابقة ولكنهم بدؤوا يهتمون بهذه اللغة بشكل مختلف عما كانوا يفعلون من قبل، ونحن لا نستطيع أن نحدد مصير هؤلاء الفائزين ولا غيرهم ممن يفوز في مسابقاتنا الأدبية الأخرى كمسابقة حنا مينه للرواية، وعمر أبو ريشة للشعر… وغيرها من المسابقات. فهؤلاء لهم مصائرهم المختلفة التي يحددونها بأنفسهم، ونحن نستطيع مساعدتهم عبر توجيه هذه المصائر بطريقة ما.

تعاون
وحول إمكانية قيام تعاون بين الفائزين والهيئة، قال مدير هيئة الكتاب: نعم بالتأكيد. إذ إننا لم نكتفِ بإهدائهم مكافأةً ماليةً جيدة قد تساعدهم في مصاريفهم لكون معظمهم من طلبة الجامعات، ولكننا كذلك قدمنا لكل واحد منهم 50 عنواناً من أهم الكتب التي تصدرها الهيئة العامة السورية للكتاب، والباب مفتوح أيضاً للتعاون معهم إذا لجؤوا إلينا، ونحن نشجعهم على أن يسلكوا طريق الإبداع بصورة عامة.
أما عن عملية الحفظ اليوم في عصر السرعة فهي عملية سهلة، إذ يمكن حفظ الأبيات كلها، وللشعراء جميعهم على ذاكرة الحاسوب، وهو أمر محقق وبسيط، حيث يمكن أن نحفظ ما لا يتخيله عقل من أبيات الشعر، والنصوص الروائية والقصصية على ذاكرة الحواسيب، ولكن ما فائدة هذا الحفظ؟ الفائدة الأكبر هي أن يحفظ الإنسان ما يستطع حفظه في ذاكرته، لأن هذه اللغة ستصبح ملكه، وستتدفق في حديثه.

معجم زاخر
اقترحت اللجنة الفرعية لتمكين اللغة العربية منذ ثلاث سنوات إقامة مسابقة لحفظ الشعر العربي في عصوره الزاهية على أن تكون النصوص فصاحاً تمكن المتسابق الذي يحفظها من وطن الشعر والديباجة الصافية النقية لهذه اللغة، وعن المسابقة قال د. محمد قاسم: في العام الأول اختارت اللجنة نصوصاً من العصر العباسي لأربعة من كبار الشعراء: المتنبي والمعري وأبو تمام والبحتري، وفي العام الماضي اختارت أربعة شعراء من حركة الشعر الحديث حركة البعث والإحياء محمود سامي البارودي وأحمد شوقي وبدوي الجبل وبشارة الخوري، وفي هذا العام كانت المسابقة لشعراء من العصر الأموي وهم جرير وعمر بن أبي ربيعة وكثير عزة وجميل بثينة، ولكل شاعر ثلاث قصائد تمثل الأساليب العربية الصافية، وحافظ هذه النصوص تمده بمعجم عربي زاخر وصور فنية جميلة، وتزيد من خياله الوثاب، وتمكنه من مطاوعة القول، ولاسيما إن كان الحافظ شاعراً فهذه ترفده بمادة أدبية وفنية ولغوية غزيرة، وهذا هو الأساس في بناء الإبداع الذي لا يمكن أن يأتي من فراغ، والأشعار عندما تصبح في مخزون من يحفظها تتحول إلى معجم في نصف الكرة المخية.
وأضاف: الملاحظ أن الفائزين في الدورات الماضية أكثرهم من طلاب الأدب العربي، وهناك سلسلة تعنى بإبداعات الشباب اسمها سلسلة «إبداعات شابة» تنشر ما يكتبه جيل الشباب سواء في الخاطرة أو القصة ومن واجب الهيئة العامة السورية للكتاب رعاية الفائزين في المسابقة في حال بادروا وقدموا أعمالهم الخاصة.

نصوص اللغة تعلّم
وعن اختيار مسابقة الحفظ وشروطها يجيب مدير مديرية إحياء التراث في الهيئة العامة: اللغة هي وعاء الفكر، التقليد والمحاكاة هما أول درجة من درجات الإبداع، وتختص مسابقة حفظ الشعر بالشعراء رغم تردد مبدعين بعيداً عن الشعر، والإلقاء هو أحد المعايير التي احتكمت إليها اللجنة لإنجاح المسابقة إضافة إلى القدرة على الإقناع بأداء الشعر الذي يجب أن يقع في قلب السامع، وهذا ما يسمى التمثل والترنم بالشعر.
في الواقع، الجانب النفعي من الحفظ أن اللغة في أقدم تعريفاتها هي نسيج لغوي تبني الكلام منه وتنضح منه، ومجموعة أصوات يعبر فيها الإنسان عن أغراضهم، وإن لم يكن الحافظ شاعراً ينبغي أن يسخّر ما حفظه في منطقه مع الناس وفي ما يكتبه على الورق، واللغة تبنى على حفظ النصوص كما يقول ابن خلدون إذا أتقنها المتكلم ينتج جملاً وتراكيب على منوال ما استقر في ذهنه من منظومة، لايمكن للمتكلم أن يكون بارعاً إلا إذا حفظ نصوصاً وهذه التجربة في كل اللغات وليست في العربية فقط، وحفظ نصوص اللغة يعلم أكثر من تعلم قواعدها المجردة.

الأدب ليس للحفظ
يأتي رأي مدير الترجمة الأستاذ حسام الدين خضور مع زملائه بخصوص مسابقة حفظ الشعر، فهو يجد أن المسابقة مثلها مثل أي شيء آخر فيها الإيجابي وفيها السلبي حيث قال: من وجهة نظري أنا ضد المحفوظات، لكن المسابقات مثلها مثل أي شيء آخر، فيها الإيجابي وفيها السلبي، وهو تسليط الضوء على الجميل من الشعر العربي والأصيل منه، وتدفع الناشئة والمهتمين إلى قراءة الشعر العربي، حيث يعود القارئ للقراءة والاطلاع؛ لكن الأدب والفن والثقافة ليست محفوظات، وبالتالي ينبغي البحث عن آليات أخرى لتشجيع القراءة والاطلاع بآلية أخرى لا تثقل ذاكرة القارئ. إن التكنولوجيا المعاصرة وفرت وسائل كثيرة تساعد على الوصول إلى المعلومة، وما نريد بكبسة زر، وندع عقولنا في وضع يمكنها من العمل بكامل طاقتها.

الفائز
حصل الشاب عاصم علي زيدان على المركز الأول في مسابقة حفظ الشعر، وعن مشاركته في المسابقة قال: تقدمت للمسابقة ولم أكن أعلم أنها تجري كل سنة وهذه هي الدورة الثالثة، ولما كنت عاشقاً للغة العربية اتفيأ بظلالها الوارفة كلما اشتد علي هجير الدهر، وجدت أنه لا بد من المشاركة. وكانت أشعار المسابقة قصائد فصاحاً لأربعة شعراء من العصر الأموي، اثنتا عشرة قصيدة ضمت معاني رقيقة وصوراً جميلة ومفردات مهمة وتراكيب بليغة ترفد معجم حافظها بما لا يسعه جهله، وتوثب خياله وتغذي قلبه وعاطفته.
كان المتسابقون نحو خمسة وستين متسابقاً، ومعايير القبول عند لجنة التحكيم كانت حسن الإنشاد والثقة بالنفس وتمثل المعاني تمثلاً جميلاً ودقة الضبط وخلو الإنشاد من اللحن، وكانت تسأل بعض المنشدين أسئلة في النحو أو معاني الأبيات.
وعن فوزه قال: كان فوزي في المسابقة فوزاً معنوياً قبل أن يكون مادياً؛ إذ شعرت أن حبي للعربية وانكبابي على أشعارها ليس ذاهباً في غياهب العبث. وأتشرف بالتعاون مع الهيئة العامة السورية للكتاب، ولعلّي أقدم ديواناً شعرياً أو كتيباً يضم رؤيتي في الشعر، إلا أن أشعاري إذا جمعتها لا تقع في أكثر من مئة صفحة، فلعلني أنتظر قليلاً حتى يؤذني وحيي فأكتب أكثر. ولا يسعك الجهل بأنني لا أكتب متى شئت؛ بل هو وحي أو اهتياج أو شيء ما يغشاني فأكتب، وإلا فما أنا بقادر على النظم.

في الختام
لا بد من القول إن دواوين الشعر كاملة بأجمل القصائد ومختاراتها مضبوطة بالتشكيل وكثير منها مسجّل بالصوت متاح للتحميل من مواقع عديدة ويمكن الاستماع إليها دون إغراق الذاكرة، وقتل العقل بكثرة الحفظ، وبالتالي يمكن تقديم أفكار جديدة مثل إلقاء الشعر المرتجل أمام لجنة تحكيم تراعي ظروف المتقدمين أو تقديم قصص قصيرة وما شابه من ذلك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن