رئيس محكمة الاستئناف لـ«الوطن»: القرار كاشف للواقع وليس منشئاً له … سابقة فريدة تعتبر الأولى من نوعها بحمص… تغيير جنس من أنثى إلى ذكر … صاحب القضية: حاولت الانتحار مراراً.. وحالياً بانتظار اللحظات التي ستجمعني مع خطيبتي
| حمص- نبال إبراهيم
شهدت محافظة حمص سابقة قضائية فريدة تعتبر الأولى من نوعها بقرار قضائي من محكمة الاستئناف المدنية الثالثة تضمن تغيير جنس المدعية من أنثى إلى ذكر.
وللوقوف على تفاصيل القضية التقت «الوطن» رئيس محكمة الاستئناف المدنية الثالثة بحمص القاضي إسماعيل الشعبان واستوضحت منه وقائعها منذ بداية الدعوى وحتى إصدار القرار، حيث بين أن صاحبة الدعوى المدعوة ( ل، ك) ولدت أنثى من الناحية التشريحية والأعضاء التناسلية لكن بعد النمو العمري والتطور البيولوجي بدأت تعاني من تغييرات فيزيولوجية وجسمانية وارتفاع هرمون الذكورة لديها واضطراب جنسي وبدأت تظهر عليها علامات الذكورة واكتساب صفاته الخارجية، وكانت قد تقدمت بدعوى تصحيح جنس أصولاً في محكمة الأحوال المدنية بحمص تتضمن طلب تصحيح الجنس على قيدها المدني من أنثى إلى ذكر، وكانت قد قامت محكمة الصلح حينها بإجراء خبرة طبية ثلاثية من ثلاثة أطباء وجاء في تقريرهم أن المدعية تملك أعضاء جنسية أنثوية كاملة وليس لديها أعضاء ذكرية واضحة، وهذا من الناحية التشريحية دون البحث بالمظهر الخارجي أو الميل النفسي والجنسي للمدعية وقررت حينها استناداً لذلك رد الدعوى.
وتابع الشعبان: ولعدم قناعة المدعية بالقرار حينها بادرت إلى استئناف الدعوى إلى محكمة الاستئناف طالبةً فسخ القرار لأنه يتناقض مع الواقع ولم يتعمق بدراسة الحالة البيولوجية والنفسية لها، وبناءً على ذلك قررت محكمة الاستئناف إجراء كشف وخبرة طبية خماسية مؤلفة من 5 أطباء مختصين لبيان الوضع الجسدي والهرموني والنفسي والجنسي للمدعية، حيث جاء في تقرير الخبرة بعد الاستيضاح أنه وبالفحص السريري والنفسي تبين أن للمدعية ميولاً ذكورية وهي من الناحية النفسية تتقبل الذكورة بشكل صريح وثابت وأن علاج هذه الحالة من الناحية النفسية شبه مستحيل ويخلفه اضطرابات نفسية شديدة ومن ثم طبياً لا ينصح بالإقدام على هذه الخطوة، وأن المدعية تحمل صفات جنسية ذكورية وأنثوية فعلامات الذكورة واضحة كالبنية العضلية وتوزع الأشعار خاصة الذقن والشاربين ومعالم الوجه والحاجبين والأنف والفم وزوايا الفكين وشكل البطن والصدر والحوض مع القامة، والأعضاء التناسلية لها مظهر أنثوي ضامر مع توقف وظائفها فيزيولوجياً، وأن الصبغيات لدى المذكورة أنثوية إلا أن الهرمونات هي هرمونات الذكورة (تستيسترون) وهذا ما يفسر الشعرانية وظهور الذقن والشارب وتوزع الأشعار التناسلية مع نمط ذكوري، وأن الكتلة العضلية القوية وطبيعة نمو حجم العظام لها الطابع الذكوري، والنتيجة كانت أن هذه الحالة حالة خنثى تحمل صفات الجنسين معاً الذكورية والأنثوية مع رجحان الصفات الذكورية نفسياً وهرمونياً وصفات جسدية خارجية.
وأضاف الشعبان: وبعد تقرير الخبرة الاستيضاحي واستيفائه للشروط واقتناع المحكمة به وركونها إليه وعملاً بالقواعد الفقهية قررت استجواب المدعية التي قالت: إنها كانت وما تزال تشعر بأنها ذكر ورجل، وكان ذلك بادياً للعيان بمشاهدات المحكمة الحسية التي تؤكدها الصور الفوتوغرافية وأن البنية الجسمانية للمدعية لا تدع مجالاً للشك في أنها ذكر ولا يبدو عليها أي مظهر من مظاهر الأنوثة المعروفة، وبعدها استمعت المحكمة لشهود المدعية الذين أكدوا جميعاً أنهم يعرفون المدعية ويتعاملون معها على أنها رجل واسمه (م)، وتأكيد الشاهدة (ه) على أنها خطيبة المدعية وتعرفت عليه منذ أكثر من 10 سنوات ونشأت بينهما علاقة عاطفية وهو بالنسبة إليها رجل بكل معنى الكلمة وأنها مستعدة للزواج منه بمجرد تغيير قيده المدني والعيش معه حياة زوجية مستقرة حتى ولم يتم تغيير وضعه البيولوجي.
وبيّن الشعبان أن المحكمة توصلت إلى قناعة كاملة بأن المدعية هي خنثى مع رجحان الصفات الذكورية لديها نفسياً وهرمونياً وجسدياً وأن الملامح الشخصية والصفة الغالبة عليها هي صفة الذكورة مع العلم أنها لا تملك أعضاء تناسلية ذكرية، وأن بقاء قيدها بصفة أنثى واسم أنثى يلحق بها ضرراً نفسياً ومعنوياً واجتماعياً بالغاً، واضطراباً في الشخصية يمنعها من ممارسة حياتها والتمتع بحقوقها الطبيعية التي حرصت عليها الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، ومن ثم يتعين إزالة هذا الضرر عملاً بالقاعدة الفقهية الكلية «الضرر يزال»، وقررت المحكمة بالإجماع تصحيح قيد المدعية على سجلها المدني وتغيير جنسها من أنثى إلى ذكر واسمها من (ل) إلى (م) وهذا ما يتطابق مع حقيقة المدعية والواقع لجهة الصفات الغالبة، وأنه في مثل هذه الحالات طبياً وعالمياً يحق للخنثى التي تتوافر فيها مثل الحالة اوالواقعة اختيار الجنس الذي يناسبها وتظهر الصفة الغالبة عليها.
وأكد القاضي العودة إلى التشريع الإسلامي والتوجه بعد ذلك للمحكمة بالرأي والإجماع على أن الحالة الماثلة أمامها تحتاج إلى تطبيق وتكامل جميع مصادر التشريع السوري، فتم حينها إكمال المناقشة القانونية من خلال قواعد العدالة والإنصاف، وإصدار قرار يتناسب مع كل ما تقدم بتغيير جنس المدعية من أنثى إلى ذكر.
وأشار القاضي الشعبان إلى أن هذا القرار يعتبر كاشفاً للواقع وليس منشئاً له ويتضمن مطابقة هذا الواقع للقيد المدني قدر المستطاع لأن الأصل أن جميع القيود الرسمية وخاصة القيود المدنية يجب أن تكون مطابقة للحقيقة والواقع، وهذا ما سعت إليه المحكمة واستندت إليه أصولاً لتحقيق العدالة قدر المستطاع.
من جانبه بين محامي المدعية حسين العليوي لـ«الوطن»: أنه تلقى اتصالاً هاتفياً من ذوي المدعية وشرحوا له حالتها بالتفصيل وطالبوه بالتوكل عنها وإيجاد حل قانوني ينصفها ويضع حداً لمعاناتها، لافتاً إلى أنه في بداية الأمر كانت الواقعة غريبة بمجملها، لكن عند قدوم المدعية مع ذويها ومشاهدته لها تغير الوضع تماماً، لأن المدعية كانت رجلاً بكل معنى الكلمة من الصفات الظاهرة والواضحة عليه ومن المستحيل مطابقة ما هو عليه بما يحمله من بطاقة شخصية «هوية شخصية»، لذا عزم على مساعدته والحصول على حقه العادل بقدر المستطاع من خلال خبرته القانونية في مجال عمله كمحامٍ.
بدوره أكد صاحب الدعوى المدعو (م) لـ«الوطن» أنه عانى كثيراً في المرحلة الدراسية وكان الوضع صعباً جداً عليه، بكونه شاباً في المظهر وبالهوية أنثى وهذا ما دفع إدارات بعض المدارس العامة والخاصة على طرده منها لعدم التوافق ما بين مظهره وسجله الشخصي، وكان يطلب منه أن يظهر بمظهر الأنثى وهذا ما كان يرهقه ودفعه إلى إهمال دراسته وتراجعه عنها شيئاً فشيئا حتى ترك المدرسة في الإعدادية مع العلم أنه كان مجتهدا في دراسته.
وأوضح أنه منذ تركه المدرسة قام بممارسة عدة أعمال حرة خاصة بالرجال لكسب العيش (كالعمل في الصناعة والحلاقة وتجارة السيارات وصيانة الموبايلات وغيرها)، منوهاً إلى أنه ونتيجة للعذاب الذي عاشه منذ طفولته والضرر الذي كان يحصل له بشكل متواصل ومستمر والحالة الحرجة والنفسية التي كان يعانيها، تقدم بدعوة إلى القضاء للحصول على حقه المشروع والطبيعي في تصحيح قيده في السجل المدني وتغيير جنسه من أنثى إلى ذكر.
وأشار إلى أنه حاول الانتحار في السابق أكثر من مرة لأنه كان قد فقد الأمل حينها إلا أن عائلته وقفت بجانبه، وحالياً هو ينتظر تنفيذ قرار المحكمة بعد اكتسابه الدرجة القطعية وتغيير جنسه في سجلات القيد المدني من أنثى إلى ذكر وتغيير اسمه والحصول على هويته الشخصية كذكر.
وأشار إلى أنه قد تعرف منذ أعوام على إحدى الفتيات وأحبها وتقدم إلى خطبتها وحصل على موافقة أهلها بعد إطلاعهم على حالته بشكل واضح، علماً أنهم لم يصدقوا في البداية أقواله وحالته لأن مظهره لا يدل أبداً على ما يحمله من بطاقة شخصية، مؤكداً أنه وبعد حصوله على الهوية وتغيير جنسه في السجلات سيقوم بالزواج من خطيبته.