دراسة للمرصد العمالي: زيادة الرواتب حققت زيادة مهمة في القدرة المالية على الشراء للمواطنين
| الوطن
سلّط المرصد العمالي للدراسات والبحوث التابع لاتحاد نقابات العمال الضوء على الجانب الاقتصادي والمعيشي لزيادة الرواتب الأخيرة، إذ نشر دراسة للباحث الدكتور هيثم عيسى بعنوان «قراءة في المرسومين التشريعيين 23 و24 لعام 2019 من منظور تحديات تحسين مستوى المعيشة في سورية».
وبينت الدراسة (تلقت «الوطن» نسخة منها) أن الزيادة الأخيرة بمبلغ 20 ألف ليرة سورية حققت فعلياً زيادة مهمة في القدرة المالية على الشراء عند المواطنين العاملين في القطاع الحكومي، وبالتالي فقد عكست جزءاً لا بأس به من التراجع الذي حصل في مستوى المعيشة نتيجة ارتفاعات الأسعار، على الأقل منذ مرسوم زيادة الدخل السابق رقم 13 لعام 2016.
ورأى الباحث أنه يمكن تقويم المرسومين في إطار الغاية منهما (تحسين مستوى المعيشة) من منظور قصير الأجل وكذلك من منظور طويل الأجل.
وفي المنظور قصير الأجل، يمكن القول إن هذه الزيادة تسهم في رفع وتحسين مستوى المعيشة (على الأقل بالمقارنة بين الفترة الزمنية التي سبقتها والفئة الزمنية التي تليها)، لكن، في المنظور طويل الأجل، يبقى مستوى المعيشة عند أغلبية العاملين بأجر (ولاسيما في القطاع الحكومي) أقل مما كان عليه قبل شهر آذار من عام 2011 (بداية الأزمة/ الحرب)، وذلك بسبب الأثر السلبي لارتفاعات الأسعار المتتالية الذي فاق بحجمه حجم الأثر الإيجابي لزيادات الدخل.
ولا يقلل هذا الأمر من أهمية هذه الزيادة وحاجة المواطن إليهاـ إلا أنه يبين أنه ما يزال هناك المزيد الذي يجب العمل عليه فيما يخص زيادة الرواتب والأجور، إذا أرادت الحكومة إعادة الاعتبار لمستوى معيشة المواطن كما كان عليه قبل الحرب على سورية.
قضايا تتطلب المعالجة
تمثل زيادة الرواتب والأجور المتحققة بموجب المرسومين التشريعيين 23 و24 لعام 2019 خطوة في الاتجاه الصحيح، إلا أن كونها في الاتجاه الصحيح لا يعني بالضرورة تحقق كامل الاستفادة المقصودة منها، بحيث يحصل المواطن على زيادة حقيقية فعلية في مستوى دخله بمقدار 20 ألفاً و16 ألف ليرة للعاملين والمتقاعدين على التوالي، ما لم يترافق بمعالجة لعدد من القضايا المرتبطة بها سواء مباشرة أو بشكل غير مباشر.
وأول ما يتطلب معالجته الحدّ الأدنى المعفى من الضريبة، فبموجب المرسوم التشريعي 46 لعام 2015 يبلغ الحد الأدنى المعفى من الضريبة 15 ألف ليرة وهو يعادل 26 بالمئة من راتب بدء التعيين لحملة شهادة الدكتوراه بعد تطبيق المرسوم التشريعي 23 بينما كان يعادل حوالي 58 بالمئة قبل تطبيق المرسوم 23، وفي حالة العاملين من الفئة الخامسة تبلغ هذه النسبة 31.5 بالمئة بعد تطبيق المرسوم 23 وتقريباً 93 بالمئة قبل تطبيقه.
بالمحصلة، إذا كانت الغاية من زيادة 20 ألف ليرة على الرواتب والأجور بموجب المرسوم التشريعي 23 تهدف إلى التعويض عن جزء من ارتفاع أسعار السلع والخدمات أي حماية القدرة الشرائية للدخل، فإن تحقق هذا الهدف يتطلب منطقياً رفع مستوى الحد الأدنى من الدخل المُعفى من الضريبة على الأقل لتبقى نسبته من مجموع الدخل كما كانت قبل صدور المرسوم التشريعي 23.
سقف الراتب
المطلوب ثانياً، بحسب الباحث، يتعلق بموضوع سرعة الوصول إلى سقف الراتب (تسقيف الراتب)، فكما هو معلوم، يحصل العاملون في القطاع العام على زيادة كل سنتين (الترفيع الدوري) بمعدل 9 بالمئة، ووفق بيانات الرواتب والأجور بعد المرسوم التشريعي 23 نجد أن راتب بدء التعيين لحاملي شهادة الدكتوراه قد أصبح 57495 وأن سقف الراتب لهذه الفئة هو 80240 بهذه الحالة يكون الفرق بين سقف الراتب وراتب بدء التعيين هو 22745 ليرة فقط، وهو يمثل إجمال المبلغ الذي يمكن أن يحصل عليه العامل الحامل لهذه الشهادة من الترفيعات الدورية.
بحساب بسيط نجد أن العامل سيصل إلى سقف الراتب بعد حوالي 4 ترفيعات أي 8 سنوات من بدء تعيينه، لهذا، وحتى يستطيع الفرد العامل، الاستفادة من الترفيعات الدورية توجد ضرورة إلى رفعه سقف الراتب.
أما المطلوب ثالثاً، فمتعلق باختلاف الأهمية النسبية للزيادة في الرواتب والأجور بين الفئات الوظيفية المختلفة، إذ إن الزيادة كنسبة من راتب بدء التعيين متناقصة مع ارتفاع الفئة الوظيفية، وهي ستؤدي إلى تقليص الفروقات بين رواتب تلك الفئات مما يقلل كثيراً أهمية هذه الفروقات، ويمكن النظر إلى هذا الأمر من زاوية أخرى، حيث نجد أن الفرق في راتب بدء التعيين بين أعلى فئة «دكتوراه» وأدنى فئة «الفئة 5» على سلم النفقات الوظيفية بقي 9820 ليرة قبل الزيادة وبعدها.
بالمحصلة، نجد أن إضافة مبلغ مقطوع ثابت على الراتب أو الأجر حققت تحسينات متباينة كنسبة من الدخل، إذ حصلت الفئات الأعلى في السلم الوظيفي على زيادة نسبية أقل.
حافز مادي
ركز الباحث في المطلب الرابع المطلوب معالجته على فكرة الراتب كحافز مادي على التعليم والدراسة، مبيناً أنه إضافة إلى استخدام سياسة الرواتب والأجور «الدخل» من أجل تحسين مستوى المعيشة، يتم استخدامها أيضاً من أجل تحقيق أهداف أخرى قد تكون مهمة على مستوى الأفراد أو الدولة أو كليهما، في هذا المجال قد يكون استخدام الدخل كحافز مادي لتشجيع الأفراد على التعليم ومتابعة الدراسة أحد أهم تلك الأهداف.
نظرياً، تعد نظرية رأس المال البشري من أهم النظريات الاقتصادية التي تؤكد أن تحقيق النمو الاقتصادي وكذلك الأبعاد الأخرى للتنمية البشرية يرتبط بقوة بمستوى تعليم الفرد وصحته وأن تحفيز المستوى التعليمي والصحي للأفراد يسهم مباشرة في تحقيق مزايا اقتصادية وغير اقتصادية متعددة تسهم في تنمية الفرد ومجتمعه ككل.
عملياً، يلاحظ منذ فترة زمنية طويلة تأكيد الخطاب الحكومي أهمية التعليم وضرورة الاستثمار فيه كمدخل للتطوير الاقتصادي والاجتماعي.
في إطار ما سبق وجد الباحث تعارضاً بين توجهات السياسة الحكومية الرامية إلى تشجيع التعليم من جهة، وهيكل الرواتب والأجور الحالي بعد الزيادة من جهة ثانية.
فعلياً، فقد هذا الهيكل كثيراً من قدرته كحافز لتشجيع الأفراد على التعليم، مثلاً؛ 9820 ليرة هي فرق في راتب بدء التعيين بين حامل شهادة الدكتوراه وحامل شهادة التعليم الأساسي، فهل يمثل هذا المبلغ حافزاً يشجع الفرد على متابعة دراسته بعد مستوى التعليم الأساسي، وعلى الأقل لمدة 13 سنة إضافية ليحصل على شهادة الدكتوراه؟.
كما تقل أهمية هذا الحافز إذا أخذنا بالحسبان أن المتخرج من مرحلة التعليم الأساسي الذي يبدأ العمل يحصل على راتبه فوراً بينما يكون الفرد الذي يتابع تعليمه من دون دخل من جهة ويتحمل تكاليف الدراسة من جهة ثانية، إضافة إلى كل ما تقدم، ما يزال سقف الراتب هو نفسه لكل العاملين من حملة شهادة الإجازة الجامعية والدبلوم العالي والماجستير والدكتوراه، لذلك، منطقياً، توجد ضرورة إلى زيادة الفروقات بين الرواتب لكل فئة وفتح سقف الراتب تدريجياً ليتكون أعلى سقف لأعلى فئة، وإلا فإننا سرعان ما سنتلمس الآثار السلبية لهيكل الرواتب والأجور هذا على متابعة التحصيل العلمي للأفراد في سورية.
ختاماً
اختتمت الدراسة بتأكيد الباحث أن الزيادة في الدخل المتحققة بموجب المرسومين التشريعين 23 و24 لعام 2019 كانت مهمة بلاشك، وأنصفت العاملين بأجر، ولاسيما في القطاع الحكومي من خلال تحسين رواتبهم وأجورهم، وهي خطوة جريئة بالاتجاه الصحيح، لكن، توجد عدة مسائل وقضايا لا بد من دراستها ومعالجتها حتى تتحقق كل المزايا الممكنة من هذه الزيادة.