اختتمت الدورة الكاملة الرابعة للجنة المركزية الـ19 للحزب الشيوعي الصيني مؤخراً في بكين بما يضفي حيوية جديدة على تعزيز التنمية والاستقرار بالبلاد ويقدم خبرات في هذا الصدد للعالم وكذا منطقة الشرق الأوسط.
وفي الوقت الذي تتقدم الصين فيه في مسيرة دفع بناء التحديث الاشتراكي، وافقت الدورة الكاملة آنفة الذكر على قرار الحزب بشأن عدة قضايا رئيسية كان في مقدمتها تطبيق وإكمال نظام الاشتراكية ذات الخصائص الصينية وتعزيز تحديث النظام والقدرة على حوكمة البلاد، الأمر الذي يقدم ضمانة قوية لتحقيق الهدف الطموح.
وبينما تتعزز أواصر الصداقة التاريخية بين الصين ومنطقة الشرق الأوسط، ولاسيما من خلال مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين في عام 2013، فإن الدورة الكاملة الرابعة وتجارب الحزب الشيوعي الصيني السابقة قد تلهم تلك المنطقة في النواحي التالية:
أولاً، زيادة الثقة في نظام الحوكمة الذاتي بشرط استنباط طريق يلائم الظروف المحلية. فبالرغم من أن الصين واحدة من الدول الاشتراكية القليلة بالعالم، وعانت بعض المشاكل منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949، إلا أن الحزب الشيوعي الصيني الحاكم لم يشكك في النظام ولم يتوان عن تعزيز الثقة فيه، حيث أطلق سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978، التي حققت إنجازات مرموقة في مختلف الجوانب وأثبتت نجاعة نظام الاشتراكية في بلد التنين.
في العصر الجديد للتنمية، أكد الحزب الشيوعي الصيني ضرورة تعزيز الثقة في نظام الحوكمة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية وغيرها لإحراز تقدم أكبر، بينما يدرك الحزب تماماً أن نظام الحوكمة يحتاج بشكل ملح إلى الإكمال والتطوير كي يحافظ على شبابه دوما.
وتوضح تجربة الصين أهمية استكشاف طريق تنموي وضرورة التمسك بالطريق الملائم مهما تقلبت تصاريف الدهر ونوائبه.
ثانياً، أخذ الحيطة والحذر من التحديات. اعترف الحزب الشيوعي الصيني صراحة بأنه يواجه بعض التحديات في عملية حوكمة البلاد رغم الإنجازات الضخمة المحققة. فعلى سبيل المثال، تفتقر بعض كوادره للرغبة في التعلم والقدرة على معالجة القضايا الشائكة على نحو يحد من قدرة الحزب لتحقيق تنمية واستقرار أكبر لذا يصمم الحزب على تعزيز تحديث قدرته على الحوكمة بعدة طرق، مثل بناء حزب لا ينقطع عن التعلم.
وعلى صعيد آخر، لا يدخر الحزب الشيوعي الصيني جهدا في إكمال بناء وتحديث الأنظمة الفرعية في إطار نظام الاشتراكية، مثل تعزيز سيادة القانون وتقوية الرقابة على أعضاء الحزب ومسؤولي الحكومة.
ويدلل وعي الحزب الشيوعي الصيني بالأزمة بأنه لا يمكن القناعة والرضى بالإنجازات المحققة وغض الطرف عن المشاكل البارزة أو الكامنة.
ثالثا، المحافظة على الأسلوب العملي. أحد أسرار نجاح الحزب الشيوعي الصيني في حوكمة الصين، وهو التمسك بالأسلوب العملي الذي صاحب عملية قيادة الحزب بشكل عام. ومن المعلوم أن الحزب أطلق تطبيق سياسة الإصلاح والانفتاح عام 1978، ولكنه لم يكن لديه مسار تنمية واضح عندئذ، وفي ذلك الوقت الحاسم، وجه الزعيم الراحل دنغ شياو بينغ تعليماً تاريخياً بقوله وفكره المشهور المتمثل في عبور النهر بتحسس الحجارة، أو بعبارة أخرى، استخلاص الخبرات والتغلب على المشاكل والمصاعب في عملية التنمية.
واليوم تمر الصين بمرحلة تنموية حاسمة جديدة حيث تهدف إلى التطور إلى دولة حديثة قوية بحلول منتصف القرن الجاري، ويحرص الحزب الشيوعي الصيني على تحقيق هذا الهدف المرجو الكبير على أساس خطوات عملية واحدة تلو الأخرى من خلال تعزيز توافق فكري واتخاذ تدابير موجهة.
ولطالما أثبتت تجارب الحزب الشيوعي الصيني أن مشوار الألف ميل يبدأ بالخطوة الأولى وأن الرؤية بعيدة المدى تدعمها التفاصيل العملية.
لا يخفى على أحد أن الصين عازمة على تحقيق مزيد من التنمية والاستقرار وتتطلع إلى بناء مجتمع مستقبل مشترك مع العالم بما فيه دول الشرق الأوسط، وهو ما تؤكده المبادرات والمشاريع والاستثمارات الصينية هنا وهناك، فضلاً عن اهتمامها بخلق ظروف إيجابية أكثر للأجانب المقيمين فيها بمن فيهم العرب أمثال التاجر اليمني مروان أحمد عقلان، الذي قال: «إما أن أعيش هنا في الصين وأنجح، أو أموت أحسن»، والفلسطيني علي الوعري، الذي أقام في الصين منذ أكثر من 20 سنة، والتاجر السعودي عمر العنزي، الذي حقق أول مكسب تجاري ضخم في حياته في الصين ويدير شركة في البلاد الآن، وعلاء رواينية، الذي ينحدر من أسرة جزائرية متخصصة في الهندسة المعمارية ويعمل على بناء مستقبله في الصين حالياً.