ثقافة وفن

«ذاكرة وطن» يفتح الحوار حول الحداثة … «إشكالية العلاقة بين الحداثة والتحديث» والتوجه إلى التفكير المنطقي والعلمي

| جُمان بركات- تصوير: طارق السعدوني

للحداثة وجوه متعددة لاتقتصر على جانب واحد من جوانب حياة الفرد والمجتمع، إنها عملية تتسع لتناول الاقتصاد والسياسة والنظام الاجتماعي بأسره، وتتشابك الحداثة مع مسيرة التحديث، لهذا كان من السهل الوقوع في خطأ الخلط بينهما، إلا أنه من المهم بمكان أن نفرق بين حركة العلم والتكنولوجيا من جهة، وهي التي أدت إلى بلورة المجتمعات الصناعية المتطورة ومجمل التحولات التي أدت إلى انتشار الحداثة.
من هنا تأتي ندوة «إشكالية العلاقة بين الحداثة والتحديث» – ضمن فعاليات يوم وزارة الثقافة- بمحاورها المتنوعة المتعددة تلبية لاحتياجات ثقافتنا الوطنية.

وفي كلمة المشاركين التي ألقاها محمد الحوراني قال فيها:
«من رحاب دمشق مهد الحضارات التي علّمت العالم معنى النضال والكفاح والحفاظ على الثوابت والمبادئ، من دمشق التي ضربت أروع النماذج في الانتماء والأصالة والصبر في سبيل النصر، من دمشق التي مازالت فلسطين، وستبقى بوصلتها على الرغم من كل المؤامرات والحروب التي شنت عليها، والتي استطاع جيشها الباسل إفشالها والحفاظ على وحدة ترابها، في دمشق حاضرة الجمهورية العربية السورية وفي واحد من أهم الصروح الثقافية والمعرفية نجتمع اليوم لنؤكد أن الثقافة كانت ولاتزال وستبقى ذاكرة الوطن، في دمشق نجتمع لنؤكد ضرورة تجديد الخطاب الثقافي والفكري والأدبي والفني، مع ضرورة التمسك بثوابتنا الوطنية الراسخة، ذلك أن البطولات الأسطورية لجيشنا العربي السوري، ونحن على أبواب إعلان النصر الكامل جديرة بأن نفرد لها المساحة الكبرى من خطابنا الثقافي والمعرفي».

قطيعة معرفية
وتحت عنوان «الحداثة والثقافة» كان المحور الأول وأدار الجلسة د. نذير جعفر، وبدأ د. عاطف البطرس بالحداثة قطيعة معرفية مع أنماط التفكير القديم حيث قال: الحداثة لم تخرج من العدم بل من التراكمات التاريخية التي تجلت في فترة ما، الحضارة والحداثة ليستا وليدتي منطقة واحدة من مناطق العالم، هي محصلة تلاقح ونتيجة عملية تشاركية تفاعلية سببها انفتاح الغرب على الشرق ومزج ثقافة الشرق بما أنجزه الغرب.
المسألة إذاً ليست في الجغرافيا إنها حركة التاريخ والجهد الإنساني لكن في خضم السيطرة الأوروبية أصبح مسار التاريخ الأوروبي مساراً لتاريخ الثقافات، وتاريخ العالم لم يلد من أوروبا، وكأنه قبل ذلك لا يوجد تاريخ وثقافات وشعوب، الحداثة ليست مجرد انتقال زمني من العصور الوسطى إلى العصور الحديثة، إنها انفصال وعي يقوم على قطيعة معرفية مع فكر العالم القديم، والجوهر الفلسفي للحداثة يتمثل في مفهوم مركزية الإنسان والمرجعية لما تمثل من استقلال للفرد ونمو الذاتية التي تشكل أساس وعيه، وكذلك النزعة العقلانية التجريبية في مجال المعرفة والتقدم، والحرية في مجال التاريخ والمجتمع، والقطيعة هنا لا تنفي التراكم المعرفي وإنما تقطع مع أنماط التفكير القديم.

التغيير الثقافي
وبدأ أ. محمد الحوراني محاضرته عن الثقافة ودورها في عملية التغيير والنهوض بعدة أسئلة: ماذا تريدون منا يا أرباب الثقافة وقادة المجتمع؟ أتريدون منا التغيير والاقتناع بما تذهبون إليه، أم تريدون أن نكون كالتابع الأعمى لكم؟ لماذا تدعوننا إلى الوحدة والتضامن وأنتم لا تجمعون أمركم بصدق على شيء، ولا تتحدون بمواجهة قضية لطالما انتظر الشعب موقفكم المبدئي منها بفارغ الصبر؟
أهل الثقافة هم القادة الحقيقيون لمسارات الشعوب، وإذا ما كان الحكام هم من يحكم الشعوب فإن المثقف هو من يحكم هؤلاء الحكام، وكان لابد من ثورة مفاهيمية تغييرية في الكثير من المفاصل والمؤسسات الثقافية في بلدنا تطيح بكل الأسس البالية التي لطالما قيدت الأفكار والمفاهيم الوطنية الأصيلة.
المشهد الثقافي بأمس الحاجة إلى التغيير والارتقاء به، ذلك أن تقدم المجتمعات مرهون به، تغيير لايقتصر على المساجلات والمناكفات الأدبية والفكرية هنا وهناك، وإنما يضمن مشاركة الجميع ولاسيما الشباب في التحديث من خلال فتح نوافذ الإبداع والتفكير النقدي البنّاء، وتعميم ثقافة الحوار والاختلاف والاستعداد للقبول بالرأي الآخر على قاعدة أن الرأي الواحد لا يبني وطناً.

نشر الحداثة
وعن دور المثقفين في نشر الحداثة تحدث رئيس اتحاد كتاب العرب أ. مالك صقور:
من المفارقات التي يجب ذكرها أنه منذ نحو نصف قرن يطرح مفهوم الحداثة الذي لم يأت من فراغ وهي كلمة حاسمة لكنها مربوطة بتعاريف قابلة للتغيير، وقد استخدم المصطلح نظيراً للرومنسية لتوحي بالمزاج العام الذي يعتري فنون القرن العشرين.
القديم هو الحداثة عند بعض المعاصرين، وهذا يعني أن يكون التأويل من خلال الصراع بين القدماء والمحدثين، بمعنى مد جسر بين القديم والحديث، وفي النهاية الحداثة حالة متميزة من الإبداع وهي صفة مقترنة به حتماً والحداثة تعني الحرية والتجديد.

التفكير الحداثي
وفي محور «الحداثة والفكر» أدار الجلسة د. عاطف البطرس وبدأها د. هاني الخوري بعنوان: «طرائق التفكير الحداثية في العقل العربي» وقال فيها:
لقد تطور التفكير في عالم الحداثة بشكل واسع باتجاه التفكير المنطقي والعلمي والتفكير النقدي والتحليلي والتفكير وفق السياق التاريخي بما دعي التاريخانية والمعقولية التاريخية ومن هنا انطلق عصر التنوير في أوروبا وأدى إلى إعادة فهم العالم وقراءة التاريخ والعلوم.

ومن طرائق التفكير الحداثية في العقل العربي
التفكير التحليلي وتطوره في العقل العربي، والتفكير النقدي واصطدامه بالعقل التقليدي والغيبي في المنطقة العربية، ومنهجيات التفكير العلمي في عصر التنوير العربي وكيفية الحد من انتشار الفكر العلمي في الثقافة العربية، والتفكير والتحليل التاريخاني للتاريخ ورؤية جديدة للتاريخ العربي، والصراع بين الأصالة والحداثة وعلاقته بانتشار طرائق التفكير الحداثي، والعقل والنقل في الفكر العربي وأهم العلماء العرب الذين دعوا إلى التفكير العقلاني والعلمي.

أهداف الحداثة
وعن الفكر العربي والحداثة تحدث أ. نبيل نوفل: تهدف الحداثة إلى كشف الروابط ذات الاعتماد المتبادل بين جانبي عملية التحرر من الهيمنة ومحاولات الاستعمار الجديد، والتحرر الداخلي في شموليته اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وتوفر فكر مبدع يستطيع تطبيق الحداثة بشكل واقعي بعيداً عن الاستلاب والتبعية والوقوع في حبائل القوى المعادية لطموحات شعبنا ومصالحه الوطنية والقومية، والإيمان بأن الحداثة عقل وعلم وتلبية مصالح، عقل يفكر فينتج علماً وثقافة، وعلم يطور وعمل خلاق، وفي النهاية نريد حداثة لاتجعلنا مجرد نواطير لمزارع الاستثمارات الأجنبية.
الشعر

وتحت عنوان «الحداثة والأدب» المحور الثالث ترأس الجلسة أ. سعد القاسم، وبدأها د. أحمد علي محمد عن الحداثة في الشعر العربي المعاصر حيث قال: انبثقت حركة الحداثة الشعرية من خلال الجهود التي بذلها شعراء مجلة شعر اللبنانية، فلما عاد يوسف الخال من المهجر حمل معه مشروع تحديث الشعر العربي في أربعينيات القرن العشرين، تناول التحديث الشعري مجال التركيب الشعري، فميز شعراء قصيدة النثر أنفسهم بإيجاد عبارات جديدة وضعوا من خلالها حداً للغة الشعرية التقليدية التي كررت كثيراً من قبل الشعراء فباتت عاجزة عن الوفاء بمقتضيات الحداثة في هذا العصر ومعلوم أن الحداثة ظاهرة عصرية شملت السياسة والاقتصاد والعلوم والنقد والشعر، فالتوجه التكنولوجي حداثة علمية والبنيوية، حداثة نقدية والديمقراطية حداثة سياسية وقصيدة النثر حداثة شعرية وهكذا، ليست قصيدة النثر هي الصيغة الحداثية الوحيدة في مجال الشعر على المستوى العالمي فجميع الآداب أزاحت الحدود بين الشعر والنثر ليصير هنالك شعر نثري أو قصيدة نثر.

الرواية
وعن ثيمات الحداثة في الرواية السورية قال د. نذير جعفر: في تمييزه بين الرواية والملحمة يشير باختين إلى أن الملحمة ترتبط بالاستقراطية، وتبني عالمها في مناخ أسطوري قديم ومكتمل وبعيد عن الزمن المعاش فيما ترتبط الرواية بسواد الشعب وتنطلق من الزمن الحاضر غير المكتمل، الزمن المشاكس والمجدد والمجرب دائماً ومن هنا كانت الملحمة نصاً ماضوياً ثابتاً مغلقاً والرواية نصاً مستقبلياً مفتوحاً متحركاً.

القصة القصيرة
وعن الحداثة والقصة القصيرة قال أ. حسن م. يوسف: يرجع بعض الباحثين الإرهاصات الأولى للحداثة إلى القرن السادس عشر عقب سقوط القسطنطينية والأندلس واكتشاف أميركا وبروز حركة الإصلاح البروتستاني، ويرى باحثون آخرون أن الحداثة الأدبية ترتبط بالثورة الصناعية التي شهدتها أوروبا في أواخر القرن 18، ويعتقد هؤلاء أن فن القصة القصيرة هو نوع أدبي جديد من معطيات الحداثة الأدبية الأوروبية التي لا يتجاوز عمرها القرنين، أما نحن فنرى فن القصة القصيرة من أقدم رفاق الإنسان على سطح الأرض فقد ولدت بولادة المجتمع البشري وتطوره وهي مستمرة باستمراره.
الموسيقا

وترأس المحور الرابع «الحداثة والفن» أ. حسن م. يوسف، وعن الحداثة في الموسيقا قال أ. رامي درويش: الحداثة في الموسيقا مفهوم نسبي يتغير من عصر إلى آخر تماشياً مع التطور الثقافي والاجتماعي للإنسان، فهي تعبير عن طروحات التطور المستقبلي انطلاقاً من نقد ما هو قائم وفق طروحات وأفكار بديلة متعددة يصطفي الزمان منها ماهو مناسب بناء على الذائقة الجماهيرية والثقافة الاجتماعية، إذ دائماً ما تلعب الحداثة دور الطاقة المحركة للإعلان عن بدء الانطلاق إلى أساليب وصيغ وخيارات جديدة مستحدثة تتناسب طرداً مع حاجات تطور المجتمع.

المسرح
وعن الحداثة في المسرح قالت د. ميسون علي: في المسرح تعارضت الحداثة تماماً مع الاشكال والدراما بالمعنى التقليدي للكلمة، إذ اتسمت أساساً بالابتكار والتجريب، مما دفع الباحث أو الناقد بدوره إلى تجاوز التصنيفات والحدود الفاصلة بين فروع المعرفة الإنسانية، لقد ارتبطت الحداثة في المسرح بتطور الكتابة والأعراف المسرحية كما ارتبطت بفن الإخراج وتطور المسرح وتقنياته، والتغير الذي حصل في تركيبة الجمهور وتنوعه تنوع ذائقته الفنية، والتحولات التي طرأت على الأنواع المسرحية وفرضت اهتماماً أكبر بالعرض المسرحي كمكون أساسي وتجلى ذلك بالبحث عن صيغ جديدة وجماليات متنوعة وبالتجريب والتعددية في التوجهات الإخراجية.

الفن التشكيلي
وبدوره تحدث أ. سعد القاسم عن الحداثة في الفن التشكيلي فقال: خلال الخمسينيات ظهرت اتجاهات جديدة مهمة في الفن التشكيلي وفي مقدمتها الاتجاه الذي قاده أدهم إسماعيل للوصول إلى فن معاصر له هويته العربية الخاصة والاتجاه التجريدي وأفضل من يمثله الفنان الراحل محمود حماد الذي سعى لصنع لوحة تجريدية معاصرة باستخدام خاص للخط العربي باعتباره عنصراً تشكيلياً، والاتجاه التعبيري لا يزال الفنان فاتح المدرس أهم رموزه والاتجاه التكعيبي وهو أسلوب خاص للفنان ممدوح قشلان، وأشهر ممثلي التيار الانطباعي هو الفنان نصير شورى.

السينما
وناقش أ. عمار أحمد حامد مفهوم الحداثة في السينما، والتغيير الهائل الذي أحدثته الصورة السينمائية في أسلوب القراءة البصرية، والسينما والمتفرج كيف استطاعت السينما أن تدخل إلى عقل المشاهد وتركيبته الفكرية والاجتماعية، وعن التطور التكنولوجي والصورة السينمائية، والتحول الذي طرأ على السينما بعد الحرب العالمية الثانية وظهور السينما الحديثة وسرعة التطور التقني في السينما بشكل متسارع لم ينافسها فيه أي نوع من أنواع الفنون الأخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن