الانقلاب في بوليفيا والضغوط على فنزويلا والبرازيل يؤكدان أن ترامب يعمل على إعادة إحياء الشعار المذكور في العنوان. فمع بدايات القرن التاسع عشر وتحديداً في عهد الرئيس الأميركي السابق جيمس مونرو (1817-1825) برزت أهمية أميركا اللاتينية بالنسبة للولايات المتحدة المنعزلة عن العالم القديم. فقد كانت أميركا الجنوبية «قطعة الحلوى» الأميركية الموجودة في النصف الغربي من الكرة الأرضية. لكن لكي تصبح تحت سيطرتها كان على الولايات المتحدة أن تتخلص من العائق الأوروبي المسيطر على هذه المناطق. لذا رفع مونرو شعار « أميركا للأميركيين» ودعم على أساسه ثورات التحرر من الأوروبيين في المكسيك والأرجنتين وتشيلي والبيرو وكولومبيا وغيرها من مناطق أميركا الجنوبية.
واليوم على ما يبدو عادت أهمية أميركا اللاتينية للظهور على الساحة السياسية الأميركية وخاصة مع وجود رئيس ينتمي إلي النهج الانعزالي الذي بدأ في عهد مونرو.
أعاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ وصوله البيت الأبيض طرح شعار «أميركا للأميركيين» أي أميركا بكاملها، شمالها وجنوبها، للولايات المتحدة تستغلها كيفما تشاء، لكن أميركا اليوم لا تساعد قوى التحرر من الاستعمار كما كانت الحال في القرن التاسع عشر وإنما تحارب أي نظام أو فكر لا يتوافق مع مصالحها، وقد يكون ما يحصل في بوليفيا خير مثال على ذلك. إذ رحبت واشنطن بالتغيير الذي حصل هناك مع استقالة رئيس البلاد إيفو موراليس في العاشر من تشرين الثاني وتولي المعارضة، المدعومة أميركياً، الحكم.
وكان البرلمان في بوليفيا قد صادق قبل أيام على مشروع قانون يقضي بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة لكن من دون مشاركة الرئيس السابق موراليس. واتهمت الحكومة الانتقالية الرئيس السابق «بالفتنة والإرهاب» بعدما حرض أنصاره على إغلاق الطرق في محيط العاصمة لاباز، وقالت الرئيسة الانتقالية للبلاد جانين أنيز إنها سترفض مشروع قانون تقدم به أعضاء في مجلس الشيوخ يهدف إلى العفو عن موراليس. لكن لماذا لا تريد واشنطن إيفو موراليس؟
لم يتفق موراليس مع واشنطن في أي شيء منذ وصوله إلى الحكم عام 2006، لذلك انهالت الاتهامات عليه، ففي مجال محاربة تجارة المخدرات اعتبرت واشنطن بوليفيا «دولة غير متعاونة» إذ قال موراليس: «نعلم تماماً أننا لن نحصل على التصديق، الذي تمنحه الولايات المتحدة لإبراز موافقتها على نمط إتلاف الكوكائين، طالما بقينا أمناء على موقفنا المعادي للرأسمالية وللإمبريالية».
لم يحارب موراليس السياسة الأميركية في أميركا اللاتينية فقط بل كان له مواقف معارضة للهيمنة الأميركية في كل أنحاء العالم وخاصة في الشرق الأوسط. إذ قطع العلاقات الدبلوماسية لبلاده مع إسرائيل 2009 إبان عدوانها على غزة، وفي 2014 أعلن أن إسرائيل كيان إرهابي وفرض تأشيرة سفر على الإسرائيليين الراغبين في الدخول إلى بلاده.
كما انتقد موراليس مجلس الأمن واتهمه بالازدواجية لأن قراراته ظالمة فهو «يفرض عقوبات على إيران التي لا تملك قنبلة نووية فيما يسمح لإسرائيل بأن تمتلك ترسانة نووية».
استطاع الأميركيون إزاحة موراليس عن الساحة السياسية في أميركا اللاتينية وبهذا تكون واشنطن كسبت دولة جديدة ضمن الدول الموالية لها في «باحتها الخلفية».
هل ستحاول واشنطن التدخل مجدداً في فنزويلا ضد الرئيس نيكولاس مادورو بعد نجاح مساعيها في بوليفيا؟
يبدو أنه في عهد الفكر «الترامبي» الانعزالي الجديد ليس هناك مكان لمن يعادي مصالح أميركا في باحتها الخلفية، فأميركا للأميركيين.