أمس الأول الجمعة استجبت لرغبة زوجتي في الذهاب لحي ساروجة الذي بدأت تهجس بأوضاعه منذ الحملة الإعلامية التي قام بها الباحث التاريخي عماد الأرمشي على مواقع التواصل الاجتماعي، «معا للحفاظ على ساروجة». صحيح أنني بين وقت وآخر أمر بالشارع الذي يخترق حي ساروجة من شارع الثورة إلى ساحة المحافظة، ولدي فكرة عامة عن أحواله، إلا أنني لم أتوقع أن تكون تلك الأحوال قد وصلت، داخل الحي، إلى هذا الحد من التدهور المنذر بالخطر. إضافة إلى أن من يزور الحي يظن بأنه في منطقة نائية وليس في قلب العاصمة، لشدة تراكم القمامة! والحق أنني عدت مصدوماً من زيارتي لحي ساروجة حيث طغى على زيارتي لمحافظة الرقة وغيره من المواضيع المهمة.
أحسب أن أبناء الجيل الحالي من الشباب بحاجة لمن يذكرهم بتاريخ هذا الحي المهم، لذا أكرس بقية هذا المقال للحديث عنه. ساروجة كلمة تركية تعني أصفر اللون، وساروجة هو أول حي يشاد خارج أسوار مدينة دمشق القديمة أوائل القرن الرابع عشر الميلادي في عهد الأمير المملوكي سيف الدين تنكز، وقد استمد الحي اسمه من كنية صارم الدين ساروجة الذي كان أحد قادة تنكز وتوفي عام 1342م.
يقال إن المدرسة الشامية البرانية كانت السبب في إنشاء حي ساروجة، فبعد إشادتها خارج السور، بدأ البناء ينتشر حولها بالتدريج حتى اكتمل الحي في عهد الأمير «تنكز» وأصبح له سوقه الخاص، وتفيد كتب التاريخ أن أمراء المماليك كانوا يتسابقون على بناء الدور والمدارس والجوامع والحمامات في حي ساروجة، حتى كان يعتبر في ذلك العصر أرقى أحياء دمشق.
في عهد المماليك البرجية، تم تدمير المدرسة الشامية البرانية برمتها بسبب الصراع بين الأمراء، وعندما احتل تيمورلنك دمشق عام 1400 م. جعل من الحي قاعدة لمنجنيقاته التي كانت تقصف قلعة دمشق. وقد قام تيمورلنك بإحراق دمشق بما فيها حي ساروجة، قبل أن ينسحب منها.
تجمع كتب التاريخ على أن حي ساروجة تميز بسوقه الكبير ومنازله الواسعة وحماماته ومساجده الفخمة، لذا قام العثمانيون بعد احتلالهم لدمشق بطرد عائلات المماليك منه والاستقرار فيه، وقد أطلقوا عليه اسم «إسطنبول الكبرى».
وقد جاء في «تقرير مخطط دمشق دانجيه وبانشويه لعام 1936»، أن حي ساروجة يتميز عن غيره من الأحياء بـ: «أعلى نسبة لتلاميذ المدارس كانت في ساروجة، عدد النساء يشكل تقريباً ثلثي عدد السكان الإجمالي في المنطقة، وهذه حالة فريدة وخاصة جداً. وتبين الإحصاءات أنه لم يكن يوجد أي حيوانات في هذا الحي، كما تبين أن نسبة حوادث السير في ساروجة هي الأدنى في دمشق، وغيرها من الملاحظات المهمة والشائقة التي تدل على تميز هذا الحي وأهميته، وتشير إلى ضرورة حمايته والحفاظ عليه وتشجيع الباحثين على دراسته ودراسة هذه الظواهر المتميزة والتي هي جزء مهم لا يتجزأ من تاريخ مدينة دمشق».
يخيل إلي أن ثمة خطرين جديين يهددين مستقبل حي ساروجة، الخطر الأول هو عملية القضم الممنهج التي تجري من الأبراج الإسمنتية وتجار البناء، والثاني هو إهمال البيوت وعدم ترميمها وتحويل معظمها إلى مستودعات، ما يجعل معظمها يتصدع ويصبح مهدداً بالسقوط.
الجميع يعلمون أن الترميم هو الحل، وقد قدم طلاب ماجستير مركز فخري الباردوي بجامعة دمشق مؤخراً اثنين وعشرين مشروعاً لإعادة تأهيل مبان أثرية وتاريخية. وبما أن المشكلة تتمثل في عدم توافر التمويل أقترح إصدار تشريع يقضي بتحويل حي ساروجة إلى مدينة للسياحة الثقافية، ويلزم أصحاب العقارات فيه بترميمها، تحت إشراف الدولة، إما بمفردهم أو بالشراكة مع رجال أعمال يتم تمليكهم حصصاً من العقارات التي يرممونها أو يتم إعطاؤهم الحق في استثمار تلك العقارات لفترات محددة قبل إعادتها لأصحابها الأصليين.