أمسية طربية مميزة تقدمها «ذاكرة وطن» … الفنان شادي جميل لـ «الوطن»: الوقوف على مسرح دار الأوبرا وسام أضعه على صدري
| جُمان بركات
بصوته الرقراق وفنه الدفاق وإبداعه الخلاق، أحيا الفنان شادي جميل أحد أهم قلاع حلب الفنية وصاحب الصوت الخالد الذي لن يتكرر حفلاً مميزاً على مسرح دار الأسد للثقافة والفنون ترك بصمة كبيرة في سجل الحفلات وكل من حضرها، قدم ابن حلب الحفلة برفقة الفرقة الموسيقية بقيادة المايسترو حمدي الشاطر أجمل الأغاني، فهو النجم الذي تزاحم الجميع على حضوره وغصت المقاعد بالجمهور للاستمتاع بأداء صاحب القدود الحلبية وأغانيه مدة ساعة ونصف الساعة بشكل متواصل.
ذاكرة وطن
كرمت وزارة الثقافة السورية مؤخراً الفنان القدير شادي جميل، أحد صروح الأغنية التراثية والقدود الحلبية، على أدواره الكبيرة في إحياء التراث الفني والمحافظة عليه، وإسهاماته الكثيرة لتجديد الأغنية التراثية وبث روح الحداثة فيها بما يضمن استمراريتها بإيقاع حيوي معاصر، إذ لم يتوقف فيها عن سحر الغناء وبذل العطاء كي يرتقي بفنه الطربي ويفتح نوافذ قدراته الصوتية باتجاه السماء، وعن حفلته في دار الأوبرا قال الفنان شادي جميل في تصريحه لـ«الوطن»:
اليوم عنوان حفلتنا هي «ذاكرة وطن» للموجود داخل الوطن أو خارجه، وفي الواقع، واجبنا اليوم تذكير الناس بضرورة المحافظة على التراث، فهو جزء من الوطن والوطن عزيز وغالٍ، والحفل في دار الأوبرا له رهبته وهيبته، وقد غنيت مباشر أمام ألف شخص وهنا تظهر ثقافة الفنان وقدرته على العطاء وتجاوبه مع الناس الذين يتفاعلون معه.
في الحقيقة، اليوم مسرح دار الأوبرا يستحق أن يغني عليه كبار الفنانيين سواء من سورية أو دول عربية أو أجنبية، والأهم من هذا هو أن فئة كبيرة من الناس أو الطبقة التي لا تستطيع السهر في الأماكن العامة تأتي إلى هنا لسماع هذا التراث العظيم وبأسعار بطاقات رمزية جداً، حيث يمكنها حضور حفلات عديدة لكبار الفنانين، وأنا رغم رهبة الوقوف أمام الجمهور والتي لم أستطع يوماً التخلص منها وهذا شيء طبيعي أكون سعيد جداً بهذا التفاعل الذي أراه أمام عيني، واعتبر الوقوف على مسرح دار الأوبرا أمام هؤلاء الناس الذين جاؤوا محبة لي وساماً على صدري.
وقدم الفنان شادي جميل مؤخراً أغنية عاطفية «آه منك» كلمات الشاعر صفوح شغّالة وألحان الفنان جورج مارديروسيان وتوزيع حامد طيفور، وسجل أغنية «شهبا أنتِ الأحلى» من كلمات الشاعر توفيق عنداني وألحان الفنان مازن أيوبي، ويجد صعوبة الآن في تقديم أعمال بشكل دائم وبفترات متقاربة لأنه يختار أغانيه بتأنٍ كبير ليرضي أذواق جمهوره.
الحفلة
بدأ الحفل الذي يندرج ضمن فعاليات احتفالية وزارة الثقافة تحت شعار «ذاكرة وطن» بسماعي راست للأستاذ جورج ميشيل، ثم وقف الفنان شادي جميل أمام جمهوره وبدأ حفلته بوصلة موشحات راست «ملا الكاسات» و«حير الأفكار» و«بدري أتاني زماني بما أرتضي»، وقصيدة «يا من يرى أدمعي»، وقدم طقطوقة من نغمة راست «ليه يابنفسج بتبهج» لـ«صالح عبد الحي»، وتفاعل الجمهور بفرح وسعادة وبهجة مع موال «شمس اللي ما بتغيب»، و«راجع حساباتك» وقدم الفنان جميل وصلة من أغانيه الخاصة أطربت الجمهور الذي تفاعل بشكل كبير، وملأت أصوات الجماهير وتصفيقاتهم الحارة جميع مقاعد المسرح، الأمر الذي زاد الأمسية جمالاً وأعطاها سحراً مميزاً كأغنية «أنسَ غرامك»، و«ليش أنا حبك جنون»، «طول البنية»، ولم تهدأ حناجر الجمهور في أغنية «كنت بزماني»، و«قالولا لونك أسمر»، و«رشرش حبك»، و«لاريم ولا غزلان»، و«يارب ياعالي شوف عبدك» – الأغنية التي تعتبر سبب نجوميته-، و«يم المحرمة»، وبالتأكيد لا يمكن إنهاء الحفلة من دون التغني بحضارة مدينة حلب وتاريخها وبطولاتها حيث غنى «اسمك يا شهبا» وختامها كان مسكاً بعد التغني بالوطن سورية في أغنية «سورية اللـه حاميها».
الفرقة الموسيقية: حمدي الشاطر «عود» وصبحي حبابا «قانون» وعلى الكمان كل من معاذ قرقناوي وعبد الناصر غنايم وزهير سكيف وأنس سرو وصلاح خالدي وليث صايغ ولؤي واعظ ومحمد مصري، وجود هزيم «تشيللو» وياسر قلعه جي «غيتار بييز» وسامي بتراكي «درامز» وعبد اللـه حكواتي «طبلة» وعلي ناصر «رق» وعبد الرحمن ميرعي «دهولا» والكورال: صالح شحود، وعبد اللطيف التنجي ومصطفى ميرعي وحسن حلاق ومحمود لبابيدي وعلي جعفر.
سيرة ذاتية
ولد الفنان شادي جميل في مدينة حلب، في منطقة الحميدية حي الهزازة حيث عرف بعذوبة صوته من خلال مشاركته جوقة كنيسة مار جرجس في حلب.
منذ نعومة أظفاره نهل من الكنيسة أصول الغناء والتراتيل، وفي المرحلة الابتدائية اهتم كثيراً بالموشحات الأندلسية، ثم انتسب إلى المركز الثقافي في مدينة حلب، وهناك تتلمذ على يد كبار الاساتذة، منهم: بهجت حسان، والشيخ نديم الدرويش، ومحمد قدري دلال، وتعلم على رقص السماح و«السولفيج»، وحمل كل ذلك في صوته الرائع نحو أرجاء العالم، مؤكداً أن هذا النوع من الفن لا يمكن أن يتقنه إلا ابن حلب.
تعلمه الموسيقا وإتقانه للموشحات والقدود الحلبية مكناه من تشكيل لون جديد خاص من روح الغناء السوري الحلبي الأصيل الذي لاقى ترحيباً من الجمهور السوري والعربي والعالمي المتعطش لهذا اللون من الغناء السوري الأصيل، وقد تعاون الفنان شادي جميل مع عدد كبير من المؤلفين من أمثال صفوح شغالة، ومحمد البابا، وميشال جحا، أما الملحنون فمنهم جوزيف جحا، فتحي الجراح، جورج مردبسيان وايلي شويري.
صدح على المسارح العربية والأوروبية والعالمية في جميع أنحاء العالم وعلى مسرح دار الأوبرا السورية عدة مرات ضمن مهرجان الموسيقا العربية ويوم الثقافة السورية.
وقف ابن حلب يغني لمدينته على مسرح القلعة الأثري بعد تحرير مدينته في 25 تموز2017 أمام جمهور حضر تواقاً إلى احتضان الفرح والتفاعل مع الأغنيات الشعبية والقدود الحلبية كمؤشر على عودة الأمان إلى المدينة وإعلاناً لاستعادة قلعة حلب التاريخية نغماتها الموسيقية للمرة الأولى منذ سبع سنوات بعد أن كانت حصونها ومدرجها ومسرحها الأثري لا يسمع فيها سوى دوي القذائف.