رياض ديار بكرلي… بهدوءٍ وبسكينةٍ تامة يودّعنا … عاش عزلته مختاراً في دار السعادة ومكتفياً بطي الأيام بسلام وحب
| سوسن صيداوي
بقيت شريكته وبقيت رفيقة الصبا والحب والعشرة، لم يبتعد عنها روحاً وفكراً، لكنه اختار أن يستقر في دار السعادة للمسنين طوعاً، لكونه كبر بالسن وهنا يكون مزاج المرء صعباً ويحتاج نوعاً من الحرية والاستقلالية، رغم أن قراره لم تستسغه شريكته في الحياة رويدا الجراح، لكنه توصل – كالعادة – معها إلى التفاهم. المخرج رياض ديار بكرلي الذي اختار العزلة المُحبّة، غادرنا صباح السبت بعد تعرضه لوعكة صحية، حيث واراه الثرى بعد أن تم تشييعه من دار السعادة محل إقامته، والصلاة عليه في جامع لالا باشا في شارع بغداد بدمشق.
رياض ديار بكرلي، المخرج التلفزيوني الذي دأب على الطموح منذ شبابه، متدرجاً في عالم الثقافة والإعلام ثم الفن، عاشقاً للدراما الاجتماعية التي مكّنته من أن يكون أول من يحرّض أو يسلّط الضوء على الدراما العائلية العربية في مسلسل «الأخوة»، هذا المخرج تفتّح عطاؤه الفني وكان رغم كل شيء كالـ«ورود في تربة مالحة»، كما أثبت رغم محدودية المستطاع في الإمكانات و«الخطوات الصعبة»، بأن «تلك الأيام» هي بصمة حقيقية وليس من السهل محوها لأن الفن بالنسبة له كان إبداعاً وليس وظيفة، وبالطبع شخصيات ذلك الزمن لم تكن «شخصيات على ورق» ولن يتجرأ أحد على التفكير في نسيانها، وبالطبع هذا ليس بمنطق ديكتاتوري بل منطق مهني مبني على معايير وأسس ومفاهيم غير قابلة للتداول.
في وداعنا له سنقف تكريماً عند أهم محطاته، مع بعض مما باحه لنا في حوار «الوطـن» معه الذي تم في دار السعادة ونُشر في تاريخ 26/6/2019.
في دار السعادة
حتى اليوم ورغم قناعة الكثيرين بالاستقرار في دار السعادة للمسنين بدمشق، ما زال يُنظر إلى كل مقيم فيها على أنه مهمل من عائلته أو منسيّ، لكن المخرج رياض بكرلي كان له وجهة نظر أخرى أخبرنا بها قائلاً: عندما يصبح الإنسان في مرحلة من العمر يصبح مزاجه صعباً، وبالرغم مما يخطط له الإنسان للمستقبل إلا أننا لا نملك سلطة على الغيب، وبالتفاهم بيني وبين صديقة عمري السيدة «رويدا الجراح» اتخذنا القرار بأن أكون هنا، وأنا هنا ليس لأن هناك اختلافاً أو خلافاً معها على الإطلاق، بل احترام لرغبتي بأن يكون هناك تباعد… وليس انفصالاً، فوافقت بأن أكون هنا رغم أن الاتصال قائم والزيارات موجودة واللقاءات دائمة، كما أن انطباع الناس عن دار «السعادة» أو «المسنين» بأنها دار المرضى أو المهملين اجتماعياً، ولكن الحقيقة هي غير ذلك، وصحيح أن في الدار أسساً وأنظمة لتسيير العمل فيها، ولكنني بصراحة أنا أخلق في غرفتي حياة خاصة بي، فأنا أقرأ وأكتب وأشاهد التلفاز، كما أنني أزور أصدقائي وأتواصل مع الجميع عبر الهاتف واللقاءات، إذاً حياتي أعيشها بشكل طبيعي وكل شيء جيد».
عن تأسيس التلفزيون السوري
معروف أن المخرج رياض ديار بكرلي من الأعمدة التي تأسس عليها التلفزيون السوري منذ عام1960، وعن خصوصية هذه المرحلة ومشاقها رغم بساطة الإمكانات المتاحة حدّثنا: في عام 1960 بدأت مرحلة تأسيس التلفزيون، وكان اتُخذ قرار في شباط بأنه سيتم إطلاق التلفزيون خلال خمسة أشهر، وهنا كانت الحاجة ملحّة لتشكيل طاقم وتشكيل فريق قادر على إنجاز هذا الاستحقاق في وقته، وتمت الاستعانة بقسم كبير من الإعلاميين العاملين في الإذاعة، فتحولوا للعمل في التلفزيون، وتمّ إرسال البعض إلى بلدان كألمانيا وأميركا، وبالوقت نفسه تم استقطاب عناصر محلية لا تحتاج إلى إيفادات فورية مثل مديري الأستديو والفنيين إضافة إلى جميع العناصر التي يمكن ممارستها من دون تخصص، وأنا قُبلت لأعمل ضمن هذه الأسرة وبدأت العمل في أول الشهر الثامن مديراً للاستديو، واستمررت في العمل فيه لمدة ثمانية أشهر تقريباً، ثم تقرر إيفادي إلى ألمانيا وعملت مخرجاً واستمررت في هذه المسيرة. في تلك الفترة كان البث أربع ساعات من الساعة السادسة إلى العاشرة، بالفعل كانت ظروف العمل جدّ صعبة، تقنياً ومهنياً، ولم يكن في وقتها بيئة درامية، بل كان الإنتاج التلفزيوني… برامجياً، وهو طبعاً كان يأخذ من الجهد أكثر ما تأخذه في الوقت الحالي الدراما، وفي وقتها كان لدي أكثر من برنامج وتأخذ كل وقتي طوال الأسبوع، بعكس ما يتم في الوقت الحالي، وأنا برأيي أي مادة تحتاج إلى تفكير وإلى تمعّن مهما كانت بسيطة ومهما كان نوعها، كي يتم إعطاؤها حقها سواء من الإعداد أم الإخراج…، والمشكلة كانت بفقر المعدّات وشُح الظرف التنفيذي والإنتاجي الذي كان يرمّمه الحماس الإنتاجي عند العاملين، فمثلاً الاستديو كان في جبل قاسيون، وكنا نحضر فيه من التاسعة صباحاً وحتى الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل، ورغم ساعات العمل الطويلة إلا أننا كنا ننام لنعود في اليوم الثاني بكل طاقة وحماس لنكمل عملنا، إذا هذا الشعور قادر على أن يرمّم كل ما هو من مصاعب ومشاكل يمكن أن تواجهنا، واستطعنا أن نخلق برامج عديدة نالت إعجاب الناس، وهي لا تزال للوقت الحالي موجودة في أرشيف التلفزيون، والسبب في هذا كلّه أن في تلك الفترة كان هناك أناس يحبون هذه المهنة، ويحبون العمل فيها، كما أنهم يقومون بخدمتها، فالناس لم يعملوا للحصول على أجر مادي، بعكس ما نراه اليوم من تحول الفن من حالة إبداعية إلى حالة وظيفية».
عن دراما العائلة
كان المخرج رياض ديار بكرلي مع زوجته المخرجة والمؤلفة رويدا الجراح، شخصين أسهما في إطلاق ما يصح تسميته الدراما الاجتماعية أو الدراما العائلية، وعن هذا المشوار ونوعية هذه الدراما أوضح: «نعم… كنتُ من المساهمين في الدراما الاجتماعية، ولكن من أوائل من طرح هذا النوع من الدراما من خلال الجزء الأول من مسلسل «الأخوة» في عام 1991، ومن بعده تم تنفيذ عدد من الأعمال التي تحمل صفة دراما العائلة. هناك من يعتقد أنها كانت موجودة ولكن برأيي نحن من قمنا على الأقل بالتحريض على هذا النوع على الرغم من أنها كانت منتشرة في المسلسلات الأجنبية، ونحن أتينا وسلطنا الضوء عليها. ولمسلسل «الأخوة» قصة غريبة، لأنه كُتب في الثمانينيات، وتقدّم للتلفزيون ورُفض، فذهبت بعدها «رويدا» وقدمته في الأردن، وقُبل هذا المسلسل ببيئته وأجوائه السورية، والغريب أن رفضه من التلفزيون السوري لم يكن منطقياً، بعدها في عام 1991 التقينا صديقاً قرر إنتاجه، وفي وقتها كان الإنتاج في المؤسسة العامة وفي العموم يُعتبر مغامرة، وحتى نشجع صديقنا المنتج، قمت أنا و«رويدا» زوجتي بالمساهمة في الإنتاج، فهي كانت مساهمة في نصِّها، وأنا ساهمت في الإخراج وفي إدارة الإنتاج وفي أجور الفنانين ضمن اتفاق معين. وبالفعل تمّ إنجاز الجزء الأول ونجح بطريقة لافتة للاهتمام، وطبعاً عُرض في التلفزيون السوري، الذي رفضه، ثم طُلب منا أن نتابع ونقوم بالجزء الثاني منه».
في علاقته مع رويدا الجراح
لم يرغب يوماً أن يزعجها بكلمة، فلقد أحبّها كما أحبّ ذاته، ورغم ابتعاده عنها مكانياً، إلا أنه كان يلتقيها أسبوعياً وهي كانت دائمة الاتصال به والحديث معه، كيف لا؟، وهما أيضاً شريكا الإبداع، فهي كانت تؤلف المسلسلات وهو يقوم بإخراجها، وعن تعاملها يضيف: «بالنسبة للتعامل بيني وبين السيدة «رويدا» جميل جداً، ولكن بما أننا من البيئة نفسها، فنحن نصل في العمل إلى نقاط صعبة الحل، فأنا لدي كمخرج رؤية وهي كـ كاتبة ومخرجة لها أيضاً رؤية، وعندما أكون مخرجاً للعمل الذي قامت بتأليفه، فعلي وبطبيعة الحال أن أضع رؤيتي عليه، وليس ما تراه، الأمر الذي يؤدي إلى الاصطدام ببعض النقاط وإلى المشاحنات المجانية العادية، بسبب عدم فرز الحقوق والواجبات الفنية والمهنية، ولكنها لم تسبب أي إشكالات، ولدينا العديد من الأعمال المشتركة غير «الأخوة» بجزأيه، مثل «طقوس الحب والكراهية» وكلها لاقت نجاحاً».
من السيرة
أسس وهو بعمر الخامسة عشرة «ندوة» أطلقوا عليها اسم «ندوة الفكر والفن» مع كل من: محمود جبر، وعادل قرشولي، وعصمت شيخو، وعلي برازي، ومروان مراد.
تمكن مع المجموعة نفسها من إصدار جريدة نشروا فيها أفكارهم وخواطرهم وقصصهم.
دخل الجو الإعلامي والثقافي في سن مبكرة جداً عندما كان في السادسة عشرة، عبر الإذاعة من خلال برنامج للطلبة يقدمه المذيع «عصام حمّاد».
المخرج رياض ديار بكرلي، من مؤسسي التلفزيون السوري.
من أعماله: الأخوة، ورود في تربة مالحة، الخطوات الصعبة، تلك الأيام، شخصيات على ورق.