فيلم وثائقي مدته ساعتان تقريباً عُرِضَ العام الماضي بالتحقيق تحت عنوان: «The great hack القرصنة العظيمة»، أو في إحدى أكبر عمليات القرصنة المعلوماتية التي جرت لحسابات المستخدمين حديثاً.
القصة المثيرة، ضحاياها من البشر الحقيقيين الذين يعتقدون أنهم بدخولهم العالم الافتراضي، وثقتهم العمياء بشركات التخديم الكثيرة والعملاقة، يبقون في مأمن، حين يأتي الأمر لخياراتهم السياسية واعتقاداتهم الدينية وغيرها.
والفيلم الذي يركز على عمل شركة «كامبريدج أناليتكا» لجمع البيانات وتحليلها، يتحدث عن عمليات قرصنة كان ضحيتها الملايين، لم تؤثر فقط في خيارات شراء شخص لنوعه المفضل من البسكوت على حساب نوع آخر، وإنما باختيار مرشح رئاسي دون آخر كما في حال الحملة الانتخابية التي قادت الرئيس الأميركي دونالد ترامب للبيت الأبيض، أو كالتي دفعت البريطانيين للتصويت في حملة بريكست من أجل الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفي كلتا الحالتين علينا أن نتذكر أن الفوارق بين النعم واللا لم تكن كبيرة جداً.
واجتهد على العمل فريق فني كبير، استعان بمحللي البيانات المعلوماتية، ونظم العمل في وسائل التواصل، وبخبراء نفسيين، وأيضاً منشقين عن الشركات القائمة على عمليات الاحتيال المعلوماتي، وذلك لإثبات الاستنتاج النظري بأن عملية تأثير مباشرة وغير عادلة قد جرت على عقول الناخبين وتوجهاتهم، قبيل فترة من عمليات التصويت، وذلك بعد الاستيلاء على بيانات حسابات الملايين من مواطني البلدان المستهدفة، في موقع «فيسبوك»، بحجة القيام باستطلاعات ودراسات تجارية، بينما الهدف الحقيقي، كان دراسة ميول الجماهير، ومحاولة توجيهها عبر الاختراق وتوظيف الذكاء الاصطناعي لهذا الغرض.
كل هذا، من دون نسيان أن روسيا ظلت متهمة لفترة طويلة وما زالت، بمحاولتها التأثير عبر وسائل التواصل علـى خيارات الناخبين في الولايات المتحدة، ولاحقا اتهمت الصين باتهام مشابه على المستويات العسكرية والتجارية، في الوقت الذي يركز العمل على خيانة أهل الدار أنفسهم لشعوبهم لأغراض مادية وسياسية.
وتعود قصة الشركة السابقة للعام 2015 حين استخدمها سيناتور أميركي جمهوري اسمه تيد كروز لربح الانتخابات النيابية، ومن ثم تمت إدارتها بذات الطريقة لمساعدة ترامب بالوصول للسلطة، والتصويت في بريطانيا. لكن الفضيحة حصلت حين قامت صحيفة «الغارديان» البريطانية بنشر تحقيق حول القضية، سرعان ما تبعتها صحف أوروبية أخرى.
المثير أيضاً، أن نظام الذكاء الاصطناعي الذي ابتدعته الشركة لملاحقة بيانات المستخدمين في «فيسبوك»، والتأثير فيهم، كان يحتاج للتجربة، وبالطبع فإن أفضل ساحات التجربة، هي التي لا تحظى بتغطية الإعلام الغربي الدقيقة، لذا قامت الشركة ببيع خدماتها لأنظمة بلدان في العالم الثالث وشرق آسيا، حتى تأكدت من نتائجه قامت بتجريبه «وطنياً»، ومن البلدان التي تذكر نيجيريا في انتخابات العام 2015، والتي شارك فيها فريق من خبراء المعلوماتية في الموساد، وصلوا لحدود قرصنة البريد الإلكتروني لخصوم مرشح في الحملة الانتخابية. كل هذا دفع بالبرلمان البريطاني والكونغرس الأميركي للتحقيق، وفيما غرّم الثاني مؤسس «فيسبوك» بخمسة مليارات دولار كعقوبة على تسريب البيانات، أدت التحقيقات في بريطانيا إلى إغلاق الشركة. المهم، كما يقول مقال لاحق في «الغارديان»: إن «أجنحة» الشركة وشركات أخرى لا تزال موجودة وتمارس عملها، وإن القضية التي يجب أن يحسب حسابها مستقبلاً هو أننا «فئران تجارب» معلوماتية، وأن استقلاليتنا المفترضة ليست ملكنا إطلاقاً في العالم الافتراضي.