ليلى نصير مُكرّمة حتى في حضرة المرض .. فنانة عاشت العزلة لتكوّن مدرستها وريادتها في الفن التشكيلي السوري
| سوسن صيداوي
عندما كان للفن قيم فكرية.. كانت تُمزج بالريشة وبالألوان أفكار لقصص وروايات تحمل هموماً وأشجاناً وأبعاداً في العمق الذهني بين اختلاجات القلب تتصارع.. هناك اعتمد أصحاب تلك الفترة كلاً من الفكرة واللون ليكونا الخازن لحيوات وتحكي سير ومواقف ستبقى شاهدة مهما طال الزمن. هذا عدا عن المعاناة- وللمرأة بالتحديد- بين الرضوخ والاستسلام وبين النهوض والانتفاض.
ليلى نصير اختارت عزلتها لتحكي سيرتها الذاتية ولتجسّد أفكارها وعواطفها ومعاناتها في مسيرة شكلت بحد ذاتها مدرسة بالفن التشكيلي، وتمكنت من أن تحمل الريادة بين الفنانين السوريين على حد سواء طالما لا فرق بالإبداع بين رجل وامرأة.. نصير في حضرة غيابها بسبب المرض.. تُكرّم اليوم في جزئية من مسيرتها عبر عرض بعض من أعمالها، كمقتنيات لغاليري جورج كامل في معرض استعادي ضم عدداً كبيراً من اللوحات والدراسات التي عبرت حقاً عن براعتها.
في الافتتاح حضر رواد الفن التشكيلي ومنهم حسب ملاحظتنا:يوسف عبدلكي، إدوار شهدا، د. نصوح زغلولة، محمود الجوابرة وأكسم طلّاع، تفحصوا اللوحات والدهشة كانت بادية عليهم من خلال نقاشاتهم حول الحرفية العالية التي ترسم بها الفنانة وخصوصاً أن المقتنيات نادرة وقديمة، إذ تعود لمرحلة ما بعد العودة من الدراسة من مصر.
الحضور عبّر عن حبه إنسانياً وتقديره اللامحدود إبداعياً لمسيرة من سمّوها ملهمتهم وأستاذتهم في الفن التشكيلي ليلى نصير.. للمزيد نضيف لكم:
لا تقل عن تجربة لؤي كيالي
أشاد الفنان التشكيلي محمود الجوابرة، بالفنانة ليلى نصير كونها من الفنانين التشكيليين المعاصرين المهمين، مضيفاً: «أنا لا أرى هذه التجربة أقل من تجربة لؤي كيالي، وبالرغم من أن عدد الأعمال التي يحتويها المعرض قليل، لكنه يعطي فكرة عن المراحل التي مرت بها الفنانة نصير، وعلى الخصوص أثناء الدراسة في القاهرة، وهذه التجربة هي دعوة حقيقية للفنانين والطلبة لرؤية هذه الذاكرة الرائعة، فهذه الخلاصة من الأعمال-لو أن الفنانة كانت في بداية المشوار التشكيلي-تبين المستوى العالي والمهم على صعيد المادة والتقنية والخط واللون والتكوين، فهي مدرسة بحد ذاتها، فتكويناتها قوية جداً وألوانها مختزلة ومعبرة، وفيها الكثير من الوقار والرؤية الجميلة والتي فعلاً لا يملّ المتلقي من وقوفه أمام اللوحة مستغرقاً بالنظر إليها، وأخيراً لاحظت العمق الذي تحتويه الأعمال كاشفاً عن ليلى نصير الحقيقية، الإنسانة، والمفكرة، والمبدعة، إذاً استمتعت جداً بما رأيت من أعمال إبداعية بكل ما تحمله الكلمة من معنى».
وفي سؤالنا عن حضور الامرأة الطاغي في أعمال الفنانة نصير، أجاب:«إنّ الهم الأساس في أعمالها هو المرأة، فالأخيرة هي البطل في كلّ اللوحات، ولكن جسدتها الفنانة بالمرأة القوية والصبورة، وبالمرأة الجبارة والتي تشبه حجارة الجولان من حيث الصلابة والمتانة، إضافة إلى النظرة النَمِرية للمجتمع، أخيراً لقد قدمت لنا الفنانة أعمالاً تستحق أن يقف أمامها الجمهور بكل احترام، تحية لـليلى نصير وأمنياتي لها أن تتماثل للشفاء، وأرجو لهذه القامة أن تستمر حيّة في إبداعاتها بيننا».
ثبات الخط وتواصله
في حين تحدث الفنان التشكيلي أكسم طلاع بنظرة ناقدة عن اللوحات المعروضة بالخصوص وعن تجربة الفنانة بالعموم «هذا المعرض لا يغطي مساحة إبداعات ليلى نصير الكبيرة، فهو جزء وفيه الكثير من التنوع بين أعمال الباستيل وأعمال التصوير وأعمال الدراسات، ولكنها إضاءة وفيها الكثير من الود والاستجلاب لشخصية مهمة في الساحة الفنية التشكيلية السورية، فليلى نصير هي مفصل مهم في كوكبة الفنانين التشكيليين السوريين منذ إنهاء دراستها في مصر وعودتها إلينا، ونلاحظ المرأة أكثر حضوراً في همّها، وعلى التحديد أكثر حضوراً في همّها الإنساني. هذا ومما شعرته ولمسني من اللوحات، وجود مناخ للعزلة لجأت إليه الفنانة، لنستخلص تجارب وجدانية، وليبدو أن الفنانة ترسم ذاتها، وترسم زمنا فُرض عليها». وعن ثبات الخط وعدم تكراره أثناء الرسم والواضح من خلال لوحات الدراسات، أضاف طلّاع: «نصير فنانة تمتلك خطاً ثابتة، فمما لاشك فيه هي مصورة قوية، ونستجلي هذا الأمر من خلال لوحات الدراسات وهي الأعمال الأولية لّلوحات، فنحن في هذا الجانب من الأعمال نشهد استعراضاً لمهارتها من حيث الشكل والتكوينات المطروحة، فاللوحات بمنتهى البساطة وجملتها مباشرة، ومن السهل أن يُبنى على الموضوع عناصر أخرى، هذه المقدرة فيها اختزال شديد وإحساس واضح، وهي بطبيعة الحال مهارة لروح المصور الذي ليس مشغولاً بالفكرة لكونه قادراً على أن ينطقها مباشرة من خلال رسمه التمهيدي». خاتماً حديثه معنا بأنه يتمنى للفنانة نصير الشفاء والعمر الطويل فهي شخص عاش عزلة طويلة لكنه قدم لنا الجمال.
تأريخ لمرحلة
في الختام المشاعر الدافئة من الفنان التشكيلي إدوار شهدا ناضلت الدموع، لكنه حدثنا ببضع كلمات عن نصير التي يعتبرها أستاذته وجمعته بها صداقة وطيدة، متابعاً: «ليلى تؤرخ لمرحلة مهمة جداً في الفن التشكيلي السوري وهي تعتبر من الرواد، وبالنسبة لما رأيناه في المعرض الحالي هو أعمال رسمتها حين عودتها من مصر، حيث مزجت بين الفن السوري والفن المصري من خلال الخط والعيون، المعرض مهم جداً ونصير كفنانة معروفة بجدارتها باستخدام تقنيات الباستيل الزيتي وكيف تعمل منه طبقات، كما أن اللوحات المعروضة في غاليري جورج كامل، أعمال نادرة للفنانة وهي مهمة جداً، وأحب أن أضيف هنا بأن يد ليلى يدٌ ترفض الخطأ، فخطها ثابت وواضح، وترسمه بالقلم ولا تعيد عليه، وأخيراً ليلى نصير من أهم الفنانين التشكيليين في سورية، ونحن نحبها جداً والله يطول بعمرها».