جميع الآلام والمنغصات والتناقضات التي تكتنف الحياة الاقتصادية الوطنية «كوم»، وأن تسمع تصريحاً رسمياً من عيار «ما زلنا مستمرين بمنح القروض الإنتاجية»، فهو «كوم» آخر!
الانفصال الأسطوري حتى هذه الحدود عن الواقع المرير، يعظّــم إلحاح الحاجة إلى خدمة «تحديد الموقع» لبعض نخبتنا النقدية الوطنية، للوقوف بدقة على ما إذا كان هؤلاء -من قادة اقتصاد الحرب- لا يزالون فعلاً على هذا الكوكب الاقتصادي الصغير المثقل بالتأجيل والتسويف والمطارحات الفكرية الفذّة حول الحرب والحصار، أم إنهم غادروه، كل منهم إلى برزخه الخاص!
مستمرون؟!.. وبماذا؟ بالإقراض الإنتاجي!
هذه الجرعة القياسية من التضليل المباغت، لهي أشد تركيزاً مما تتحمّله تقرحات الاضطجاع المديد لاقتصادنا الوطني الإنتاجي، على فراش مطارحاتنا الفكرية الفارغة المستمرّة منذ «الأربعائيات» الاستثمارية، قبل أن يلج اليوم مرحلة اللاعودة عن إدمان الطلب على المستوردات.
لغوياً، فعل الاستمرار يعني أن «جماعتنا» مستمرون «في استمرارهم» حتى تجفيف آخر قطرة من الآمال المعلقة على صحوة إنتاجية، فعلى هذه الشاكلة من «مستمرون»، لربما قد تستطيع كتلة الـ2400 مليار المجمدة في المصارف، أن تمول -بعد حين- مشغلاً حرفياً لطيفاً لإحدى الحرف المندثرة، وهذا ليس استدراجاً للمبالغات الصحفية المعتادة لمن يعتقد، إذ الـ10 مليارات التي خصصتها الحكومة لدعم الاستثمارات الصغيرة في المحليات قبل أسبوعين على سبيل المثال، تساوي اليوم في رأسمالها الحقيقي، نحو 7 مليارات مما كانت عليه لو تم تخصيصها قبل 3 أشهر، ومن يدري، قد تتدهور قيمتها الحقيقية أكثر قبل أن تفعل ما قالته!
«سياستنا ما زالت على أسس سليمة»، هذه عينة «مرّيخية» أخرى من التصريحات النقدية التي تلعق ما بقي من آثار للتفاؤل على جدران الاقتصاد الوطني، فوفق علم المنطق؛ تؤدي السياسات السليمة إلى نتائج من طينتها، وأن سياستنا النقدية القائمة هدفت للوصول إلى ما وصلنا إليه، تماماً!
جبّــا للظلم، ثمة احتمال آخر أكثر برودة لما سبق، ملخصه: أن سياستنا النقدية سليمة بالفعل، لكن القائمين عليها اجتهدوا جيداً في حرف منطقها التلقائي، ليصلوا بها إلى كل هذه الأحمال من النتائج غير السليمة… «فعلى أي الجانبين تميل»؟!
«عين على الاقتصاد وعين على العملة الوطنية»، ثالثة أثافي التصريحات هذه تستصرخ رغبة عارمة للوقوف على ما تراه كلتا عيني صاحب هذا الطراز من المقولات الخالدة، هل ترى اقتصاداً في الأولى؟.. وليرة معافاة في الثانية؟!
لا تعاني جهات حكومية تأخراً في النطق، فليس لأحد مجاراة لسانها في الدردشات وسرد «الحواديت».. ما تحتاجه هو كاتب سيناريو جيد قادر على ابتداع حبكة مناسبة تؤسس للحدّ من سرديتها الناجحة بتحويل العقوبات على السوريين إلى فرصة لبعضهم، عندها فقط، يمكن القول إن لدينا حكومة تعمل، لا حكومة.. ونقطة!