أترك خلفي إرثاً ضخماً من تجارب سنوات وعقود لأبدأ في إحصاء نكباتنا ونكساتنا وانتصاراتنا التي كانت قليلة، لكننا بفضلها مازلنا على قيد الحياة.
عرفت صديقاً بدأ الكتابة بعد الثمانين وأصدر أول كتاب من أوراق عمره المديد، لأنه بكل بساطة يؤمن بأن الحياة قطار يسير نحو الأمام ولا يعرف التوقف إلا في محطات للتزود بالطاقة اللازمة لمواصلة المشوار.
وأعرف فنانة كبيرة كانت تعاني مرضاً خبيثاً كانت تخطط لأعمال مسرحية قادمة قبل أيام من رحيلها عن دنيانا، لا مكان لليأس ولا للتشاؤم، فالأمل سر الحياة.
منذ بداية رحلتنا في هذه الحياة ونحن نبحث عن الحب ورغيف الخبز، قد لا نموت جوعاً، لكننا نموت عطشاً لمحبوبة انتظرناها منذ آلاف السنين.
اليوم، وقد أتعبني السير على دروب وعرة وأسلاك شائكة، هي عناوين واقعنا الراهن الغارق بالآلام، والمشبع بثاني أكسيد الفساد، اليوم قررت منح نفسي إجازة قصيرة أرتاح فيها قليلاً، وأريح القوم الفاسدين، ورأيت أن أعزف مجدداً على أوتار الحب والغزل والشعر والزجل، وأستعير بعضاً من حروفي المتناثرة كعقد لؤلؤ انفرطت حباته في حقل من الأزاهير الملونة لتشكل لوحة بديعة عشوائية تبهر البصر.
قلت ذات مرة: تأخرت القطارات والسفن والطائرات، وتأخر وصول صبية ساحرة انتظرناها أعواماً طويلة، وجفت قلوبنا في المحطات والموانئ، وما زلنا بالانتظار، فهل تهطل السماء خبزاً وحباً، وأزهاراً ملونة وقد بلغنا نهاية الرحلة إلا أقلها؟
أحاول صنع أحلامي الجديدة بعدما تبخرت تلك الأحلام القديمة من حرارة تعرضت لها بفعل الزمن الرديء، فربما أنجح اليوم فيما فشلت به بالأمس.
مهما عاندني القدر وغدر بي الزمان وتنكر لي بعض البشر وسبقني العمر وغادر سمائي القمر، سأظل أكتب على وريقات مضيئة كلمات الحب والهوى والجمال، وعبارات من شعر ونثر كي أقول مع إشراقة كل شمس: الحياة حلوة، وتستحق أن تعاش، ولا مفر من أن نمضي في رحلة البحث عن الفرح الهارب منذ عصور، والحب المختبئ خلف بوابة العمر، ولأننا أبناء الحياة، لا تهزمنا الظلمة، ولا تجرحنا الأشواك، ولا نسقط على أول مفرق طريق، سنرسم لوحات ساحرة ونجعلها بيوتنا التي نرتاح فيها بعد طول عناء.
إنها مجرد أحلام تراودني في يقظتي للهروب من الدوامة الطاحنة التي نعيش فيها، وبانتظار الغد الجميل الآتي على صهوة الفرح، وإذا ارتاح معشر الفاسدين من كتاباتي التي تزعجهم، فأعدهم أنني سأعود إليهم قريباً، واليوم كان هدنة قصيرة من طرف واحد.