أربعون يوماً على رحيل يوسف أحمد … البعث يكرّم فقيده عضو القيادة المركزية يوسف أحمد في أربعينه … هلال الهلال: كان رجل دولة من المستوى الرفيع.. وسوف نفتقد مشورته الصائبة … ماهر أحمد: كانت علاقته مع أسرته مبنية على الثقة واحترام الآراء
يوسف أحمد الوزير والدبلوماسي والمهندس والسوري المنتمي الذي نذر حياته لسورية وقضاياها في كل موقع تبوأه، فمنذ بداياته في الشأن العام والسياسي كان صوته مميزاً، وكان حضوره لافتاً، وكانت غايته الوطنية تتقدم على أي شيء آخر.. وفي مواقعه المتعددة كان مثالاً للوطنية والنجاح، وإن كانت تلك المواقع بعيدة عن الإعلام، ولكن المواطن السوري لا ينسى يوسف أحمد السفير في الجامعة العربية الذي جابه أعداء سورية وخصومها بصلابة السوري المعتد بسوريته، والمتمسك بثوابت قيادتها، وتوجيهات الرئيس بشار الأسد، فكانت عباراته تجد صدى في الشارع السوري الوطني، وفي القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ختم أبو ماهر حياته السياسية محافظاً على الثوابت الوطنية مجابهاً لأي تحدٍّ يوجه إلى سورية في الداخل والخارج.
إنه السوري المقاوم، المتمسك بثوابته وآرائه، الذي يعجز خصومه عن أن ينالوا من عزيمته ومواقفه.. رحل يوسف أحمد تاركاً إرثاً من المواقف التي تفخر بها أسرته كما يفخر بها كل سوري.
وفي أربعينه ها هو حزب البعث يكرّم رفيقاً ويؤبنه ويخاطبه ذووه ورفاق دربه في استراحته الأبدية لطمأنته على مبادئه وثوابته، ويخبرونه بأن ذكره وذكراه باقيان كما مواقفه في تاريخ الحزب وسورية التي أحبها وناضل من أجلها.
مساء أمس أقامت القيادة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي تأبيناً للفقيد يوسف أحمد بمرور أربعين يوماً على رحيله وبمشاركة وحضور هلال الهلال الأمين العام المساعد للحزب ورئيس مجلس الشعب حموده صباغ ونائب رئيس الجبهة الوطنية التقدمية اللواء محمد الشعار وأمناء أحزاب الجبهة وكامل أعضاء القيادة المركزية للحزب والمستشارة السياسية والإعلامية لدى رئاسة الجمهورية الدكتورة بثينة شعبان، والمستشار في رئاسة الجمهورية المهندس بشر يازجي، ونائب وزير الخارجية الدكتور فيصل المقداد، وعدد من أعضاء مجلس الشعب، وحشد من رفاق الدرب والأصدقاء الذين ارتبطوا بذكريات مع الفقيد، وذلك بحضور أسرة الفقيد يوسف أحمد.
بدأ التأبين بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء سورية والفقيد تلتها تلاوة عطرة من القرآن الكريم للشيخ القارئ سليم عبده العقاد ثم عرض فيلم تسجيلي قصير تناول حياة يوسف الأحمد تحدث فيه كل من الدكتورة بثينة شعبان والدكتور فيصل المقداد وصديقه عزيز صقر استعرضوا فيه أهم سجايا الفقيد ومواقفه.
د. شعبان: آمن بأن المسؤولية تكليف وليست تشريفاً
ما أود قوله اليوم عن الرفيق يوسف أحمد «رحمه الله» أنه في كل هذه المراحل لم أره صاحب منصب ولا شخصاً منتمياً للحزب اسماً وإنما رأيته صاحب قضية. كان الرفيق يوسف أحمد بعثياً منتمياً أشعر بأنه يحمل الوطن بين حناياه ويحرص على كل ما يهم هذا الوطن، حتى إذا التقينا مصادفة في مكان عام وقررنا الجلوس نصف ساعة بعد انتهاء موعدنا مع الآخرين لابد أن نشير إلى ظاهرة سلبية يجب الانتباه إليها وإيجابية يجب تعزيزها، وفي ذهني كان دائماً أبو ماهر مثالاً للذي يعتقد ويؤمن بأن المسؤولية هي تكليف وليست تشريفاً، وقد رأيته خلال هذه السنوات وفي هذه المواقع المختلفة مناضلاً شرساً عن الجمهورية العربية السورية، وأعتقد أنه لم يكن يفرّق أبداً بين ما يؤمن به هو كشخص وبين ما يؤمن به من أجل الوطن فكانت مهمته الوطنية قد تماهت تماماً مع إيمانه ومعتقداته ورؤيته لما يجب أن يكون.
حين كنا نحضر التعازي ونتقبلها بالرفيق والصديق يوسف أحمد جلست قرب د. نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية، وقد جلست في اليوم الأول طوال الساعات وحضرت التعزية وسألتها كيف تتذكرين الرفيق قالت لي: كنت معه في مجلس الوزراء، وكنت أنا وهو نصرّ على قول كلمة الحق ولا نخشى لومة لائم، وأضافت: أتذكره دائماً كرجل موقف وليس كرجل منصب، وهذا مهم جداً أن يكون رجل الدولة صاحب قضية وأن يعتبر أي مسؤولية يكلف بها تكليفاً اجتماعياً سياسياً وطنياً هاماً وليس تشريفاً، ولذلك وفي هذه المناسبة الحزينة أقول: لقد ترك الرفيق أنموذجاً من العمل الوطني الشريف وترك لكم اسماً تفتخرون به، وترك لنا نحن جميعاً قدوة في العمل البعثي والعمل المهني وأصبح جزءاً من إرث هذا الوطن والحزب وجزءاً نعتز به جميعاً ونعمل على احتضانه وإيصاله إلى الأجيال القادمة.
د. المقداد: كان على استعداد للتضحية بكل ما يمكن دفاعاً عن قيادته ووطنه
ومن الرفاق الذين شاركوا الرفيق يوسف أحمد المرحلة الطلابية الرفيق د. فيصل المقداد نائب وزير الخارجية والمغتربين وعضو اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي، الذي قال في شهادته:
بفقدان الرفيق يوسف أحمد «أبو ماهر» فقدت سورية واحداً من أعز الرجال وأكثرهم شجاعة وجرأة ودفاعاً عن وطنهم وأمتهم، أذكر أن الرفيق «أبو ماهر» كان قادراً في كل الأوقات على التعبير عن كل ما يجول في خاطره وبجرأة نادرة ولكن بذكاء قلّ نظيره، وكانت الفترة الأولى التي التقيت فيها الرفيق المناضل عندما أصبح عضواً في قيادة فرع حزب البعث العربي الاشتراكي رئيساً لمكتب الطلبة الفرعي، وكنت آنذاك قادماً جديداً إلى قيادة الفرع الوطني في جامعة دمشق وكان التعاون عملياً يومياً، وكانت تلك الفترة هي التي شهدت تصعيداً هائلاً من قبل القوى العميلة في تآمرهم على الجمهورية العربية السورية من خلال عصابات الإخوان المجرمين والتركيز الذي كانت تقوم به على كوادر جامعة دمشق وكان الرفيق يتابع ذلك بكل ما تعنيه من كلمة، لم يكن يخاف اللوم في موقفه، كان يقول كلمته الملتزمة والشجاعة والأصيلة، فكان في هذا المجال بعثياً مناضلاً وعلى استعداد للتضحية بكل ما يمكن من أجل الدفاع عن قيادته وحزبه، وفي فترة المعاناة الحقيقية أيام الهجمة التي قام بها «الإخوان المسلمون» على القطر كان يلاحق كل ما يتعلق بالنضال في جامعة دمشق والجهاز الحزبي حتى وصلنا المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الوطني لطلبة سورية والذي حضره القائد الراحل الرئيس حافظ الأسد وقال كلمته المشهودة «ماذا أرى؟ بحراً أرى وطناً أرى، لماذا نحن نخاف وجماهير جامعة دمشق تقف إلى جانب القيادة وحزبها»، لكن هذا النضال تجلى أيضاً في مواقف الرفيق أبو ماهر عندما عمل مسؤولاً في الدولة بصفته وزيراً للنقل، وانتقل بعد ذلك إلى العمل الدبوماسي في القاهرة، وأعتقد أن الشعب العربي السوري شهد ذلك المناضل البعثي الذي يدافع عن بلده في وجه المؤامرة التي مازالت سورية تتعرض لها على يد الإرهاب، حيث عمل الرفيق أبو ماهر على مواجهة من قام بتمويل ودعم الإرهاب خلال عمله في جامعة الدول العربية وكانت له مواقف مشرفة في هذا المجال.
خســرت ســورية واحــداً من رجالاتهــا، وخســرت مناضـلاً في صفـوف حزب البعـث العربـي الاشــتراكي وخسـرت مسؤولاً في سورية كان قد تنطح للكثير من المعارك التي خاضها شعبنا، كان مفكراً وصاحب وجهة نظر يدافع عنها أينما كان.
د. صقر: كان نصيراً للمظلومين
وقد تحدث عنه صديقه الدكتور عزيز صقر واصفاً أبا ماهر بالإنسان بكل ما تعنيه الكلمة، وقال: كان يغيث المظلوم عندما يلجأ إليه أينما كان، قبل أن يصبح وزيراً وبعدها سفيراً ثم وزيراً للدولة وعضواً للقيادة القطرية، كان نصيراً للمظلوم ومبادراً لرفع الظلم وتحقيق مصلحة الفقراء في سورية سواء بمواقفه في الحزب والدولة. علاقته مع أصدقائه كانت تتميز بالحميمية والقرب وتستطيع أن تسرَّ له بما تريد، وعندما يثق بك كان يعطيك أسراره ويأتمنك عليها من باب الشعور الإنساني العميق.
كلمة آل الفقيد
كلمة آل الفقيد ألقاها نجله ماهر الذي بدأ كلمته بالشكر والامتنان مخاطباً السيد الرئيس بشار الأسد شاكراً رعايته واهتمامه قائلاً:
«باسمي واسم عائلتي نتقدم بأسمى آيات الشكر والامتنان والعرفان لسيد الوطن وحاميه وقائد انتصاراته السيد الرئيس بشار الأسد والسيدة أسماء الأسد على الرعاية والاهتمام اللتين أوليانا إياهما طوال فترة مرض والدي الراحل، ومواساتهما الكريمة لنا بعد وفاته، تلك الرعاية والاهتمام كان لهما عميق الأثر في نفوسنا، وهذا ليس بغريب على هذا القائد العظيم، وهذه السيدة الرائعة، اللذين طالما ضربا لنا مثلاً في كل المعاني الإنسانية الراقية، فكانا مدرسة في الأخلاق الرفيعة والتواضع والوفاء».
وبعد شكره لكل من واسى بفقيد الوطن توجه بالحديث عن خصوصية رحيل الأب وفقدانه، فكيف إن كان من هذه النوعية من الرجال؟
إن فاجعة فقدان الأب بالنسبة لأبنائه مصيبة لا تضاهيها مصيبة، وهذه الفاجعة تتعاظم وتتفاقم عندما يكون هذا الأب صديقاً لأبنائه، وأستاذاً لهم، وبوصلتهم الأساسية في كل مناحي حياتهم، نعم أيها السادة لقد كان يوسف أحمد صديقنا الأقرب الذي نستشيره في كل المسائل الحياتية، صغيرها وكبيرها، نتناقش، نتجادل، نختلف أحياناً، فكانت علاقتنا به علاقة صداقة حقيقية، لم يضع يوماً حواجز بيننا، فكان رحمه الله يؤمن بأن علاقته مع أبنائه يجب أن تكون مبنية على الثقة واحترام الآراء، وعندما كنا نخطئ كان ينبهنا بطريقة الصديق الناصح رافضاً استعمال سلطة الأب، لقناعته الكاملة أنه لابد أن يكون لكل إنسان تجربته الخاصة، نعم لقد كان أباً استثنائياً بكل ما تحمله الكلمة من معاني، وكان نعمة كبيرة منّ الله بها علينا.
لقد كان يوسف أحمد بعثياً حتى النخاع- كان يؤمن بأن البعث الذي صحح مساره القائد المؤسس حافظ الأسد عام 1970 هو خيار ونهج وليس حزباً فقط، وبأن البعث هو الضامن لتماسك المجتمع السوري ووحدة الأرض السورية، وبأن البعث بقيادة الرفيق الأمين العام للحزب السيد الرئيس بشار الأسد هو الطريق الوحيد لرفعة سورية وتطورها واستقلال قرارها وأراضيها.
وختم بحديث مؤثر ووجداني توجه به إلى والده الفقيد فقال: أبي، يا صديقي وفخري وأستاذي، نعدك بأن نبقى دائماً كما ربيتنا ووالدتي جنوداً أوفياء ورفاقاً بعثيين ملتزمين بالمسيرة النضالية التي يقودها قائدنا المفدى الرفيق الأمين العام السيد الرئيس بشار الأسد، نعدك أننا استوعبنا الدرس الأخير الذي أعطيته لنا برحيلك أنه في النهاية يموت الجسد ويبقى من الإنسان طيب ذكره وسمعته الطيبة التي نعدك أن نقدم كل ما في وسعنا للحفاظ عليها.
شكراً أبي على رحلة حياتية مميزة وهبتنا إياها وأمتعتنا بها.
الهلال: صوابية الحدس وحسن الاختيار
وفي كلمة حزب البعث العربي الاشتراكي التي ألقاها الأمين القطري المساعد هلال الهلال:
أصعب ما في العواطف الرثاء، لأن فيه ذكرى وألمً وحزناً، فما أصعب أن يرثي المرء ويؤبن عزيزاً، فكيف إذا كان هذا العزيز الفقيد رجلاً بكل ما في الكلمة من معنى. كنت لوطنك رجل دولة من المستوى الرفيع، ولحزبك مناضلاً قرن التنظير بالتطبيق والفكر بالحياة، ولشعبك كنت ابناً باراً ووفياً، فأعطيت هذا الشعب كيانك كله.
اسمح لي أبا ماهر بأن ألتقط ما يمكن التقاطه من حياتك الزاخرة بالعطاء والمليئة بالجهد الوطني والقومي والإنساني. أنت من اللاذقية وولدت في حلب وعشت في دمشق، وكأنك تقول إن تراب سورية واحد، وإننا من هذا التراب وإليه، لا مناطقية ولا فئوية بل وطن زاخر بتعدديته المتناسقة وتكامله الجميل.
ومنذ يفاعتك اخترت البعث طريقاً لأن طاقة المعرفة لديك قادتك إلى حسن الاختيار لعله كان هو الحدس الذي هو أرقى طرق المعرفة وأفضلها، ثم جاءت التجربة لتثبت لك عبر سنين طوال من العطاء صوابية حدسك وحسن اختيارك، فكنت مناضلاً واثقاً بخيارك متمسكاً بنهج القائد المؤسس حافظ الأسد والقائد المفدى بشار الأسد.
أبيت إلا أن تكون في ركب صناع التاريخ متجنباً أولئك الذين اختاروا قارعة الطريق فألقت بهم مكنسة التاريخ جانباً إلى حيث اختاروا، إنها البصيرة التي تمتعت بقدر كبير وكاف منها.
كنت ترى في نهج قائد الحزب والشعب السيد الرئيس بشار الأسد هادياً يحمينا جميعاً من متاهة الحيرة بين الفكر والفعل، ونبراساً يرشدنا إلى سمت الملاحة الصائب.
عملنا اليومي واجتماعاتنا ومتابعاتنا لأداء حزبنا العظيم، هذا كله سوف يفتقد المشورة الصائبة، والرأي المسهم في معالجة المشكلات، وهو رأي كنت تقوله دائماً بهدوء وطيبة بعيداً عن العنجهية والأستذة والنبرة المرتفعة. كانت لغة جسدك ونبرة صوتك تفضح ما في شخصيتك من تواضع، وعقلك من حكمة وخطابك من ثقافة حوارية هادئة غير متعنتة أو متعالية، كانت دماثة خلقك طاغية.
وفي الختام قال: آخر ما أقوله إن رحلة حياتك أكدت أن لك نصيباًمن اسمك، لقد حاول الزمان أن يلقيك في جب الأزمات ويم الواقع الجارف، لكن طائر الفينيق القابع في صدرك كان ينهضك باستمرار لتكون المبادر والموجه في كل المهام التي أوكلت إليك عن جدارة.