من دفتر الوطن

المريب يقول خذوني

| حسن م. يوسف

عندما تُكْسَر البيضة من داخلها فهذا يعني أنها قد أنتجت لتوها حياة جديدة، أما إذا قام أحد ما بكسر البيضة من خارجها فهذا يؤكد خروجها من دورة الحياة، لأن البيوض المكسورة لا تصلح إلا لصنع العجة.
لست أدري ممن سمعت هذه الفكرة ولا متى سمعتها لأول مرة، غير أنها لم تكف يوماً عن إعلان حضورها في تفكيري منذ أن قرأت كتاب الصهيوني برنار هنري ليفي «يوميات كاتب في قلب الربيع الليبي».
عندما كتبت مسلسل «أخوة التراب» بجزأيه، أصبت بحالة صدمة عندما تبين لي مصداق قول الشاعر الكبير محمد الماغوط: «يا إلهي… كل الأوطان تنام وتنام وفي اللحظة الحاسمة تستيقظ، إلا الوطن العربي يستيقظ ويستيقظ وفي اللحظة الحاسمة ينام».
لقد نمنا نحن العرب طوال أربعة قرون على ظلم العثمانيين الأتراك الذين نهبوا ثرواتنا الطبيعية والبشرية، وأرجعونا قروناً إلى الخلف، وعندما أرسل المستعمر الغربي جواسيسه الأذكياء اللطفاء لورانس العرب ولاسكاريس وغيرهما، قبيل الحرب العالمية الأولى، ظننا أنه يفعل ذلك حباً بنا ومن أجل سواد عيوننا، غير عالمين أن الغرب «اللطيف» يضمر لنا كل أنواع القتل. وعندما قامت ثورة الاشتراكية العظمى وفضحت اتفاقية سايكس بيكو الاستعمارية، سألنا «أصدقاءنا» الإنجليز والفرنسيين عن حقيقة الأمر، فنفوا صحة الاتفاقية، فما كان منا إلا أن صدقناهم بكل إباء وشمم! لأنه من غير المعقول أن نصدق الملاحدة البولشفيك، ونكذب أصدقاءنا الإنجليز والفرنسيس! والمضحك أن كثيرين منا لم يستيقظوا حتى بعد أن كشر الضبع الإنجليزي اللينبي والضبع الفرنسي غورو عن أنيابهما الزرقاء.
يقول الشيخ كـارل ماركس قدس سره: «الـتـاريـخ يـعـيـد نـفـسـه مـرتـيـن: فـي الـمـرة الأولى كـمـأسـاة وفـي الـثـانـيـة كـمـهـزلـة» وها نحن نشهد الإعادة مع الأسف.
أحسب أن إنكار المؤامرة عندما تعبر عن نفسها بوضوح، أسوأ بكثير من الاتهام بنظرية المؤامرة.
نعم من حق شباب الجيل الحالي من العراقيين، أن يحتجوا على الفساد وتردي الأوضاع المعيشية، وأن يتساءلوا بغضب أين تذهب ثروات العراق الهائلة، فالعراق هو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، بعد السعودية، لكنه رغم ذلك يعاني أزمة كهرباء، وهو يعاني أزمة حادة في مياه الشرب رغم اختراق نهري دجلة والفرات له من الشمال إلى الجنوب.
لكنني رغم ذلك أنظر بعين الريبة إلى المحاولات التي يقوم بها «طرف ثالث» بإطلاق النار على الشرطة والمحتجين العراقيين، لنشر الفوضى والفتنة بين أطياف الشعب العراقي.
ثمة من يرى أن هذا الطرف غامض لدرجة الوضوح، فقد نشرت وكالة «أسوشيتد برس» الأميركية مقالاً بعنوان: الاحتجاجات «تهدد نفوذ إيران الإقليمي، في الوقت الذي تكافح فيه تحت وطأة العقوبات الأميركية المعطلة لاقتصادها». كما نشر موقع قناة «الحرة» الأميركية يوم أمس الأول على الإنترنت، مقالاً بعنوان: «قناصون يقتلون العراقيين.. وأصابع الاتهام تشير إلى إيران». ونشرت «نيويورك تايمز» مقالاً بعنوان «الأخطبوط» يعيش أوقاتاً صعبة.. هل يبدأ سقوط الدومينو في إيران لينتهي في العراق ولبنان؟.
نعم يكاد المريب يقول خذوني… لكن الغشيم عدو نفسه!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن