رأى أن الترجمة صاحبة الفضل عليه … صالح علماني.. الهيئات القانونية الإسبانية تعتبره «مؤلّفاً للترجمة»
| سوسن صيداوي
رحل صباح يوم الثلاثاء المترجم الفلسطيني السوري صالح علماني(1949 – 2019) في إسبانيا عن عمر ناهز السبعين عاماً. تاركاً لنا إرثاً جاوز مئة عمل أدبي نقلها عن الإسبانية خلال أكثر من أربعين عاماً، كان أولّها رواية «ليس لدى الكولونيل من يكاتبه» للكاتب الكولومبي «غابريل غارسيا ماركيز» عام 1979، وحقّقت حينها انتشاراً لصاحبها عربياً، ولمترجمها الذي نال حظه أيضاً من الانتشار والشهرة.
خلطة الترجمة السحرية
لطالما تغنّى الراحل علماني أثناء حواراته وندواته بفضل الترجمة الكبير عليه «أكثر مما له عليها»، فهو لم يختر الإسبانية لغة لينقلها إلى العربية، بل هي التي اختارته -على حد تعبيره- أثناء دراسته الطب، مشيراً إلى أن الظروف لعبت دوراً مهماً وساعدته كمترجم مع صعود تيار الرواية اللاتينية وبروزها عالمياً في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، وهو مدين في شهرته لهؤلاء الكتّاب الذين ترجم لهم.
وفي مكان آخر وفي معرض رده على سؤال حول تقنية الترجمة أو خلطته السحرية في الترجمة التي تكاد تقارب النص الأصلي، قال: «إنه لا توجد ترجمة أفضل من النص الأصلي في أي لغة، وخاصة الشعر، ولا أستطيع ترجمة كتاب إن لم أحبه»، معترفاً بأنه لا يقدم على ترجمة عمل ما لم يقع في حُبه، حيث رفض بعض الأعمال التي لم ترق له واعتذر عن ترجمتها، معرّجاً في إجابته على «تقنيته الترجمية» المتمثّلة في القراءة الاستطلاعية للعمل ثم قراءة العمل مرة أخرى وترجمة فصل أو فصلين ثم معاودة القراءة من حيث انتهى.
وهكذا ذاهباً وراجعاً بين قراءة العمل وترجمته حد الإجهاد، مع ضرورة فهم السياق التاريخي والثقافي للعمل المُترجم لفهم الإيحاءات والمعاني الملتبسة، تليها القراءة الأخيرة للعمل ليضع نفسه مكان القارئ ويشعر بسلاسة القراءة حتى يصل إلى الحالة المُرضية للترجمة النهائية.
كما أضاف خلال الحديث: إن المشكلة أثناء الترجمة في اللهجات الأميركية اللاتينية وليس في اللغة الإسبانية، والتي تختلف من بلد إلى آخر، لذلك فإن معرفته لشعوب القارة وأحوال معيشتهم وحكاياتهم وخرافاتهم وآلامهم وموسيقاهم، واطلاعه على التاريخ؛ كل ذلك ساعده كثيراً على فهم هذه الاختلافات النابعة على حد تعبيره من تركيبة هذه القارة وشعوبها المتعددة الأعراق والتي تميل إلى الحياة شبه الفوضوية وعدم الصرامة.
واعترف علماني «المترجم موجود في أعماله، وهو شريك للكاتب في العمل، حتى إن الهيئات القانونية في إسبانيا تعتبر المترجم «مؤلّفاً للترجمة»، ولكن في بلداننا العربية لم نصل بعد إلى هذا الاعتراف».
علاقته بماركيز
استحوذ الكاتب الكولومبي «غابريل غارسيا ماركيز» على اهتمام المترجم صالح علماني منذ أن قرأ روايته «مئة عام من العزلة»، وكان في أثنائها لا يزال على مقاعد الدراسة طالباً في كلية الطب، حيث قرر من بعد قراءتها باللغة الإسبانية، أن يترك الطب إلى غير رجعة، ليخوض تجربة الترجمة، منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي، وليكون من أهله وواحداً من أهم المترجمين العرب المعاصرين. وكانت الرواية الأولى لماركيز الخطوة الأولى في عالم التجربة ولهذا خصّه بأكبر حصّة من اشتغاله، حيث ترجم له «قصة موت معلن» (1981)، و«الحب في زمن الكوليرا» (1986)، و«ساعة الشؤم» (1987)، و«الجنرال في متاهته» (1989)، و«قصص ضائعة» (1990)، و«اثنتا عشرة قصة مهاجرة» (1993)، و«عن الحب وشياطين أخرى» (1994)، و«القصة نفسها مختلفة» (1996)، و«حادثة اختطاف» (1997)، و«ذاكرة غانياتي الحزينات» (2004)، وغيرها.
جدير بالذكر
– ولد صالح علماني في مدينة حمص السورية عام 1949.
– حامل إجازة في الأدب الإسباني.
– عمل مترجماً في سفارة كوبا بدمشق.
– كان عضو جمعية الترجمة في اتحاد الكتاب العرب في سورية.
– يعد واحداً من أشهر المترجمين العرب، وكان متخصصاً بالأدب اللاتيني، ترجم عشرات الأعمال الأدبية لأهم الكتاب باللغة الإسبانية، في إنجاز لأعمال متنوعة يفوق 110 كتب.
– عبره تعرف كثير من القراء العرب على غابرييل غارسيا ماركيز، ماريو بارغاس يوسا، إيرزابيل الليندي، خوسيه ساراماغو، ميغيل إنخل استورياس… وغيرهم.
– أشرف على ورشات عمل تطبيقية في الترجمة الأدبية بالعديد من المعاهد بدمشق.
– عمل في وزارة الثقافة السورية حتى تقاعده في منتصف الألفية الثالثة، وخلال فترة عمله قدّم عشرات الترجمات التي تنوّعت مجالاتها بين الرواية بشكل أساسي، والشعر والمسرح والمذكرات.
– قدم دراسات نقدية منها «رؤى إسبانية في الأدب العربي» (مؤلّف مشترك/ 1990)، «نيرودا.. دراسة نقدية» لـ ألبيرتو كوستي (1982).
– قدم مؤلّفات تاريخية كـ «أميركا اللاتينية، تاريخ الحضارات القديمة ما قبل الكولومبية» لـلاوريت سيجورنه (2003)، «إسبانيا، ثلاثة آلاف عام من التاريخ» (2004).
– مُنح من السلطة الفلسطينية محمود عباس وسام الثقافة والعلوم والفنون في عام 2014.
– كما حصل على جائزة «خيراردو دي كريمونا» الدولية للترجمة عام 2015.