ثقافة وفن

بترا الطفولة.. جريمة المدى

| إسماعيل مروة

براءة طفولة لا يعنيها أنها ابنة ملك وملكة، أحبتها الحاشية للطفها، وليس لأنها ابنة الملك والملكة.
تنسجم معهم، تلهو بطفولتها، بجدائلها، بكل ما كانت تملك من أحلام وبراءة تريد أن تحياها بأي طريقة كانت، شريطة أن تكون هذه الطريقة محبوبة، فكأن طفولتها كانت على وعي تام بأنها بترا التي تحمل اسم المملكة، فقد أطلق عليها الملك اسم المملكة، وما من عبث اختار الأخوان رحباني اسمها، فهي بترا، والمملكة بترا، والمملكة في صراع مع الرومان، ولابد من أن تبقى بترا واحدة، فإما أن تبقى بترا المملكة التي تحارب، وإما تبقى بترا الطفلة التي تحلم.. وهذه الحتمية والقدرية رسمها الأخوان رحباني ببراعة من خلال العلاقة القدرية، ولو كانت بترا ابنة أي شخص سوى الملك، فما من معنى لهذه التسمية، والمفاضلة بين الابنة والمملكة مفاضلة لا قيمة لها في أي موقع آخر سوى موقع الملك والملكة.
في الزواريب والحارات تلعب بترا لعبة الطميمة والتخفي، واختيار الحارات في بترا له دلالة على أمن وهدوء واطمئنان وعدل، وحاشية القصر تشاركها لعبتها، ومشاركة الحاشية تحمل دلالة أخرى على أن ما ينتظر بترا لن يؤثر فيه الحضور والغياب للحاشية والمرافقة مهما كانت واعية ومفتحة العين.. لكن المؤامرة من الأغراب استطاعت أن تغافل وعي الحاشية حين أغمضت عيونها لحظة من الزمن! هل يدرك أحدنا أن يغمض عينيه ساعة لا يفترض أن يغمض فيها وما يترتب على هذه الإغماضة المفاجئة؟ وعينا من الأهمية بمكان، فالذي يتربص ببترا، بالطفلة، بنا ينتظر إغفاءتنا! أما عرفنا أن الحرب خدعة؟ أما عرفنا أن النوم الفيزيولوجي موت مؤقت؟ فكيف إن كان نوم الغفلة عما يجب ألا نغفل عنه؟ عن بترا! عن وطن! عن طفولة!
اختطفها الروماني
اختطف طفلة
اختطف وطناً
كان رهانه على المبادلة والخوف والحرص
وكان رهانها على الشرف والكرامة
كل أوسمة الكون لا تساوي براءة طفلة
كل الممالك لا تعني شيئاً أمام الحرص على البراءة.
لكن الموازنة بين حياة وشرف عند فيروز والرحابنة كانت لمصلحة الشرف
من أجل الشرف لم تقبل الملكة المقايضة..! لم تسأل عن البنت! لم يعنها أي شيء!
كان الملك يهم بالعودة منتصراً
وكانت براءة بتراتهم بمغادرة الحياة على يد المعتدي
أحدهما مات من أجل شرف روما كما أراد، كما فهم شرف القتال.
والآخر مات من أجل العدوان على بترا، وليثني الملك عن القتال والانتصار
اختار الآخر أمّا فحاورها
وفهم مجد روما بالقتل دون اكتراث لشيء
انتصر الملك، وعاد إلى مملكته بترا وملكته وشعبه.
لكن بترا الطفولة غادرت إلى الموت النهائي
هكذا فهمت الملكة شرف الوطن
بترا المملكة تأتي ببترا الغد والطفولة!
ما قيمة الولد دون شرف المملكة
تنوح روحها.. وتتعملق بالملكة، لأنها لم تشأ أن ينتصر رحمها على مملكتها ومجد بترا المملكة.
فهم الرحابنة أن الأرض تبقى والناس راحلون، وأن بترا ستبقى شاهدة على إجرام الرومان، وأن صرخة الأمومة التي تنتصر للوطن ولبترا أهم بكثير من إنسان يأتي ويرحل..
وتبقى روما القاتلة علامة الجريمة
وبترا تتحدى القادم من أي مكان أتى
لمجدك يا وطن لا تردد في التضحية، وإن كانت الضحية براءة لا تعقل، إلا أنها تشهد بجريمة المجرم على المدى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن