مما يبشر بنهاية وشيكة للكيان الصهيوني، بعد هذه العقود الطويلة لوجوده غاصباً محتلاً بين ظهرانينا وجود مغامر أحمق يدعى بنيامين نتنياهو رئيساً لوزراء هذا الكيان همه الأوحد أن يظل في موقعه هذا لإشباع نزعته العدوانية من ناحية، وإشباع غروره بالموقع الذي يشغله من ناحية ثانية. عقدة الزعامة المرضية ونرجسية الأنا المتضخمة لديه تدفعانه إلى تصرفات طائشة غير محسوبة العواقب، يحاول أن يثبت فيها أنه رجل هذه الدولة وهذه المرحلة، من ثم فهو يقدم من حين إلى آخر على تصرفات عدوانية على هذه الجهة أو تلك، من أطراف محور المقاومة مما سيجرِ عليه شخصياً، كما على كيانه ما يوصل إلى النهاية المحتومة المنتظرة لهذا الكيان.
ومن يدري لعله القدر جاء به في هذا الوقت، في هذه الظروف الإقليمية والعالمية المتشابكة لكي تتحقق هذه النهاية، إنصافاً، ولو متأخراً، للفلسطينيين الذين تآمر العالم عليهم فأصابهم من الأذى والظلم وضياع الحقوق ما لا قدرة للكائن البشري بتحمله.
ترى هل يفكر نتنياهو في العواقب التي يمكن أن تسفر عنها اعتداءاته الهمجية، وهو الذي يعلن بنفسه، من قبيل التخويف والتحذير لبني جلدته لكي ينال دعمهم بوصفه المنقذ الأوحد، بأن محور المقاومة يملك من الصواريخ والطائرات المسيرة وغيرها من وسائل القتال ما هو كفيل بالوصول إلى كل مكان في ذلك الكيان؟
فضلاً عن اعتداءاته الهوجاء هنا وهناك، وبرغم ما يواجهه من ردود صارمة تفضي إلى فشلها، فقد عمد، منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، على تحريضه المتواصل على إيران، زاعماً أنها السبب في اضطرابات المنطقة، وعدم استقرارها، بل إنها خطر، ليس على الإقليم وحده إنما على العالم كله!
وهو بهذا يحاول دفع ترامب «المتصهين» إلى حرب يشنها على الجمهورية الإسلامية الإيرانية، نيابة عنه، ظنّاً منه أن إيران لن تقدر على مواجهة أميركا، وبسبب من جهله المطبق أعمته بصيرته عن ملاحظة المواقف الإيرانية الحازمة تجاه ممارسات أميركا ترامب، ومن قبله من رؤساء أميركا منذ عهد الرئيس كارتر حتى يومنا هذا تجاهها.
ما برح نتنياهو يلجأ إلى هذا بين اليوم والآخر، في تصريحات وتلفيقات شبه يومية، وكأنه لم يكتفِ بما ابتزه من ذلك الرجل المماثل له في العدوانية والاستعلائية العنصرية، بما قدم له من الهبات المجانية ما لم يكن يحلم بمثله قط، فالقدس «عاصمة أبدية» لبني إسرائيل، والجولان المحتل منحة مجانية أيضاً، والمستوطنات في الضفة إسرائيلية يهودية «شرعية»، بحيث لم يبقَ لدى السيد ترامب شيء آخر يقدمه غير حرب يعلنها على إيران وسورية وسائر أطراف المقاومة، إرضاءً للسيد نتنياهو وحلفه الشيطاني المتفشي كالسرطان في جسد الدولة الأهم، حتى وقت قريب، ابتغاء حصوله على دورة ثانية في سدة الرئاسة فهذا هو المراد ولا شيء أبعد منه، الأمر الذي أفضى إلى تعزيز نزعة العدوان والخيلاء عند نتنياهو، ومن ثم مواصلة اعتداءاته، لكي يثبت وجوده، قائداً وزعيماً لا يشق له غبار، أمام الإسرائيليين، ومما يزيد الطين بلة ضلوع عرب خارجين على أمتهم يقرونه على ما يمارس من عدوان، بل هم يتمسحون بأعتابه دونما خجل، غير مدركين أن الرجل لا يكنُّ لهم في قرارة نفسه، برغم ابتسامته الباهتة المصطنعة غير الازدراء والاحتقار.
من الوقائع التي تؤكد ما ذهبنا إليه ما أقدم عليه منذ أسابيع من عدوان على منزل في غزة ومنزل في دمشق، من أصحاب المنزلين نساء وأطفال نيام، أسرة الشهيد بهاء العطا، فاستشهد الرجل وأسرته جميعاً، كما استشهد ابن المقاوم الفلسطيني في منزله بدمشق.
ردت المقاومة على العدوان فأمطرت الأرض المحتلة بالصواريخ موقعة إصابات في جنود وليس في مدنيين كما يفعل أولئك مما أفشل العملية العدوانية ومني صاحبها بالخذلان، والمزيد من الضعة أمام شعبه، كما أخفق مخططه الذي كان يرمي إلى أبعد من ذلك، غير أن العملية كان من شأنها أنها كشفت أمام العالم كله مدى الجبن الذي يتحلى به نتنياهو وعصابته، ومدى استهتارهم بالروح البشرية وفق تلمودهم، وما تنطوي عليه نفوسهم من حقد وبربرية في الوقت الذي يتظاهرون فيه «بالتحضر» و«المدنية»، بل وصفهم لأنفسهم بأنهم «واحة الديمقراطية في المنطقة». غير أن اللافت للنظر هو الموقف الأميركي وبعض المواقف الأوروبية و«العربية» التي لم تبدِ أي استنكار لما حدث، وكأنها لم ترَ ولم تسمع فيما هي تبدي عطفها على «المواطنين» في إيران الذين تظاهروا هناك زاعمة أنها حريصة على «حريتهم وأمنهم ورفاهيتهم»!
من بين دوافع نتنياهو لما أقدم عليه بالأمس وما كان قبله، هو ذلك الغيظ والرعب معاً، مما حققته سورية من انتصار على جيوش الإرهاب، وما ظهر من تلاحم الشعب والجيش والقيادة في مواجهة عدوان غير مسبوق، من حشود جيوشهم المرتزقة من إرهابيي العالم ممن صنعتهم أميركا ودول عديدة أوروبية وعربية محددة، إضافة إلى هذا ما وصلت إليه أطراف المقاومة جميعاً، سورية وإيران ولبنان وغزة من منعة وقوة، يرون اليوم أنها قادرة على تغيير الموازين في المنطقة كلها، كفيلة بالوصول، وفي يوم قريب، إلى تحرير فلسطين كاملة، وما تبقى من الأرض العربية في سورية ولبنان، ذلك أن وجود قوات معادية في هذا المكان أو ذاك إنما هو وجود عدواني مؤقت، صنعته أحداث حرب قائمة تحت عناوين ومصطلحات مضللة، مآله إلى زوال وشيك، فهذا الوجود «اللقيط» مخالف لسنن الكون ونواميس الطبيعة، فضلاً عن خروجه على سائر الشرائع والقوانين الأرضية والسماوية، ناهيك عن الأعراف السياسية والدولية والقيم الأخلاقية والمشاعر الإنسانية.