مصالحة خليجية تمهيداً لاتفاقٍ مع «إسرائيل».. أكثر من انفتاح وأقلّ من تطبيع
| فرنسا- فراس عزيز ديب
إذا أردت أن تعرف ماذا يجري في الخليج العربي فعليك أن تعرف ماذا يجري في إسرائيل. مقاربةٌ ماغوطية عادةً ما يتم إسقاطها على ما تعانيه الملفات في المنطقة والعالم من تشابكٍ باتت معه عصية على تناولها فرادى، ليس فقط بسبب صراعٍ في المصالح فحسب لكن في صراع الإرادات وهو الأهم.
ربما لم يعد الوضع الداخلي المتأزم الذي يعيشه الكيان الصهيوني خافياً إلا على المنهزمين من الداخل، على العكس من مثيلاتها الخليجية التي تعاني الكثير من الاستقرار، بمعزلٍ إن كان هذا الاستقرار ناتجاً عن وجود قرار أميركي بالحفاظ على تلك الأنظمة الحالية، أو أن الرخاء التي تعيشه الشعوب في تلك الدول وسط هذا المحيط المتفجّر شكل حافزاً لها لتفضيله على متطلباتٍ أخرى.
على هذا الأساس ومع ارتفاع الحديث عن تسارع الانفتاح الخليجي على إسرائيل يصبح السؤال المنطقي: هل هذا الانفتاح حاجة إسرائيلية لتحقيق النقاط، أم إنه أحد الأثمان الواجب دفعها من قبل دول النفط لقاء منع الانفجار فيها؟
يبدو أن ما تريده إسرائيل واضح: أكثر من انفتاح وأقلّ من تطبيع، هذه البديهية تنطلق من التعطش للانعزال الذي تفضله الدول والكيانات العنصرية. هي تريد فقط معاهدات عدم اعتداء ولا تريد مثلاً للسياح الخليجيين أن يغزوا أراضيها كي لا تفتح على نفسها باب كذبة الأماكن المقدسة، بالوقت نفسه لن تمانع إن كثرت أفواج الزوار الإسرائيليين للدول الخليجية كون هذا الأمر يمنحها الكثير من المصداقية. من ناحيةٍ ثانية يبدو جلياً أن هناك في إسرائيل من يدرك فعلياً أن محاربة إيران عبر دول الخليج هي كذبة ابتدعها بنيامين نتنياهو لضمان بقائه، بل هناك من يذهب أبعد من ذلك للقول بأن هذا الستاتيكو في الخليج هو الأكثر مواءمة لبقاء إسرائيل، لكن هذا الستاتيكو بحاجةٍ لبعض الرتوش لينتهي بالمصالحة الخليجية، رتوشٌ لا يبدو أنها مرتبطةٌ فقط بالحيز الجغرافي الذي تمثله تلك الدول، لكنه بالمعنى الأعمّ مرتبطٌ بتأثير المال النفطي في العديد من الملفات الساخنة في المنطقة، رتوشٌ تبدو طلائع ظهورها مرتبطةٌ بملفين أساسيين:
أولاً: الحرب على اليمن
يوم الجمعة الماضي وخلال مشاركته في مؤتمر «الحوار المتوسطي»، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير: «إن كل اليمنيين بمن فيهم الحوثيون لهم دور في مستقبل اليمن»، تبدو نكتةٌ سمجة تلك التي أطلقها الجبير عن وجود مكانٍ للحوثيين في الحل السياسي القادم لليمن، ربما لم يجد في الأدبيات السياسية ما قد يسعفه من معانٍ وعبارات ليعبر فيها عن استسلام السعودية بالنهاية لمشيئة وصمود الشعب اليمني في وجه العدوان، من ناحيةٍ ثانية يبدو هذا الكلام السعودي تجسيداً فيما يبدو لنتائج الزيارة التي قام بها نائب وزير الدفاع السعودي وهو المسؤول عن ملف اليمن، خالد بن سلمان منتصف الشهر الماضي إلى سلطنة عمان، يومها حكي عن وساطةٍ بدأتها السلطنة لما تتمتع به من مكانةٍ وعلاقة لدى كل الأطراف تحديداً بعد أن قسّمت الحرب على اليمن الخليجيين فيما بينهم، فاتفاق المصالحة بين المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً وحكومة هادي المدعومة سعودياً سقط ولم يعمّر إلا لأيام لزوم التسويق الإعلامي، أما سلطنة عمان نفسها فهي بدأت تتحسس خطورة الوضع على حدودها، لكنها بذات الوقت لا تريد صداماً مع الميليشيات المدعومة من كلتا الدولتين، هذا عدا عن التباعد الكبير بين الإمارات والسعودية أساساً في النظرة لأهداف تلك الحرب فكيف ذلك؟
أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي، القضية هنا ليست بقصف أرامكو ولا بقصف المطارات الإماراتية القضية فعلياً هي بالنظرة الخاطئة لظروف تلك الحرب، تحديداً أن نجاح اليمنيين بصدّ العدوان بطريقةٍ أنست جميع المهتمين روح المقاومة الفيتنامية، كان له مفعول السحر بتعويم فكرة أن إرادة الشعوب المقاومة لا يكسرها سلاحٌ متطور ولا تصدها منظومات دفاعية حديثة.
إن إنهاء الحرب في اليمن فيما يبدو بات مطلباً دولياً وصل لمرحلة انتظار إيجاد المخرجات التي تنزل الجميع عن الشجرة، فهي حكماً لن تصل للنتيجة التي تمنتها إسرائيل أي صدام خليجي إيراني، فمن سيحارب إيران في الخليج؟ ثم كيف يمكن الحديث عن إبعاد الخطر الإيراني عن الحدود فيما أغلبية دول الخليج أساساً تتمتع بعلاقاتٍ أكثر من جيدة مع إيران نفسها؟ أما كذبة الخطر الإيراني فيمكن الرد عليها بسهولة: إن إيران لا يمكنها المرور لمجتمعاتنا في السلم، لكن الفوضى هي من تخلق تلك الثغرات التي تجعل الجميع يريد اختراقها، حتى فرضية تصدير الثورة التي كانت في يومٍ من الأيام سبباً لانتحار الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين كان ببساطة يمكن الرد عليه بأننا لسنا اليوم في زمن تصدير الثورات، هذا الكلام عفا عليه الزمن، فالشعوب اليوم باتت واعية لفكرة أن ما من ثورة هي الأنموذج الذي يشكل المدينة الفاضلة.
ثانياً: ملف الحراك في العراق ولبنان
تبدو الساحتان المشتعلتان في كل من العراق ولبنان فرصة جديدة تلزم الفرقاء الخليجيين باتخاذ خطوات جدية نحو إعادة التموضع، تحديداً أن القضية هنا مرتبطة بعمقهم الجيوسياسي الذي لا يقل أهمية عن الحرب على اليمن.
في الإطار العام يبدو الحراك في العراق يختلف جوهرياً عن مثيله اللبناني، فالحراك العراقي بدا واضحاً أنه لازال حتى الآن متحرراً من المال النفطي أياً كانت التأويلات والاتهامات، لكنه بذات الوقت موجه ضد النفوذ الإيراني في العراق، هذه الجدلية قد تتعب الخليجيين أكثر مما تريحهم، تحديداً عندما لا يستطيعون الدخول عبر التفاصيل الصغيرة من قبيل «ضرب النفوذ الإيراني».
أما الحراك في لبنان فقد يدخل سجل غينيس للأرقام القياسية كأحد أسرع الحراكات في العالم التي تمت مصادرتها من قبل من هم من المفترض أن يكونوا جزءاً من هذه السلطة التي يستهدفها الحراك، وإن كان من يتناول هذا الحراك وتحديداً أولئك الذين يصوبون على الدور السعودي يتجاهلون الدور القطري، بمعزلٍ عن ضعف هذا الدور وبمعنى آخر: نتذكر جميعاً كيف تم بين ليلةٍ وضحاها إنهاء ظاهرة أحمد الأسير في صيدا، والذي كان يمثل المصالح القطرية في لبنان بضوءٍ أخضر سعودي، حتى فكرة إعادة تعويم أشرف ريفي تبدو فاشلة، فهو فعلياً قادر أن يكون بوقاً للفتنة لكنه ليس بالمستوى الذي يهدّد النفوذ السعودي في لبنان فماذا ينتظرنا؟
ربما أن الدفع اليوم باتجاه المصالحة الخليجية بات في لمساته الأخيرة، فالأميركي لا يريد عملياً غياب أي دولةٍ خليجية عن توقيع اتفاقٍ ما مع الكيان الصهيوني، لكن بذات الوقت هناك أثمان لمثل هكذا مصالحات قد يذهب ضحيتها الكثير من الأوراق، فهل يكون رأس عصابة الإخوان المجرمين أحدهم؟ ما المشكلة إن خسر البعض الإخوان وكسبت إسرائيل؟ لا مشكلة لأنه أساساً لا فرق بينهما، فقط لننتظر ونرى.