ثقافة وفن

انطلاقتي المهمّة كانت مع سلسلة مرايا وشخصيّة الفنان تتجسد في «ياسر العظمة» … ليلى سمّور لـ«الوطن»: عندما أراجع دفاتر الذكريات أقول عن نفسي إنّني ممثلة بالمصادفة

عامر فؤاد عامر :

قادتها المصادفة لتجد نفسها في ميدان المنافسة، وكانت من نجمات سورية اللواتي تميّزن بحضورٍ خاصّ ولافت بين الجميع، تعتني كثيراً بتفاصيل الشخصيّة التي تقرر تأديتها؛ فتصنع منها قالباً ذا نمط فريد، رأيناها في مسلسلاتٍ كثيرة كـ«البناء 22»، و«مرايا»، و«أبو الهنا»، و«سي بي إم»، وغيرها من مسلسلات الكوميديا، لتثبت أن الكوميديا وجه من وجوه شخصيّتها الفنيّة، وأيضاً في مسلسلات اجتماعيّة وتاريخيّة، وبوليسيّة مثل: «جريمة في الذاكرة»، و«باب الحارة»، و«خلف القضبان»، و«حدث في دمشق»، وغيرها؛ لتبرع في تقديم كلّ شخصيّة تتبناها، فهي تعمل على قراءة ما وراء السطور التي تصف الشخصيّة المكتوبة على الورق – على حدّ قولها – وهي خريجة المعهد العالي للفنون المسرحيّة عام 1990، كما لديها أدوار وتجارب مهمّة في المسرح والسينما، وبالمجمل يمكن القول إنها بارعة في تقديم الشخصيّة المركبّة بسهولة، واليوم تتحدّث ضيفتنا النجمة «ليلى سمّور» للوطن حول الكثير من القضايا الفنيّة المتعلقة بمسيرتها.

حكاية المصادفة والزواج

ذكرت النجمة «ليلى سمّور» في أكثر من مرّة أن دخولها عالم الفنّ التمثيلي جاء «وليد المصادفة»، وحول هذه الفكرة والبدايات التي انطلقت منها تقول: «لم أقرر منذ البداية دخول عالم التمثيل، لكن زواجي من الفنان «جورج حداد»- وهو من خريجي الدفعة الأولى للمعهد العالي للفنون المسرحيّة في دمشق- هو ما دفعني لارتياد هذا العالم، على الرغم من أنني كنت أدرس الأدب الإنكليزي في جامعة دمشق، وأعمل مساعدة جرّاح في أحد المشافي، وأسعى لوظيفة مضيفة طيران، فقد كان عالمي وتوجهاتي فيها اختلاف كلّي عن موضوع الفنّ والتمثيل، لكن بعد الزواج وجدت أن الأمور أخذت تتجه بطريقٍ مختلفٍ عن الذي أردته، وفي بداية زواجي لم أتقبّل مهنته كثيراً، ولم يكن لي أمل فيها، من حيث إنها مهنة من الممكن أن نكسب عيشنا منها كما نريد ونطمح، لكنه وبما أنه درس التمثيل عن رغبة ومحبّة كان لديه مقدرة على إقناعي في دراسة النقد المسرحي، بهدف أن أكون أكثر قرباً وتقبلاً لمهنته، والتي نفرت منها منذ أيّامي مع أختي الفنانة «فيلدا» التي كنت أرافقها في التدريبات المسرحيّة أثناء العروض الجامعيّة، فقد وجدتها مهنة متعبة، وتحتاج إلى كثير من الجهد والوقت، ولكن اقتنعت من زوجي بفكرة دراسة النقد المسرحي، وذهبت للتسجيل في المعهد وقابلت عميد المعهد العالي وحينها كان «غسان المالح»، ودار بيننا حديث شجّعني من خلاله على الدراسة في قسم التمثيل، وليس في قسم النقد، وهذا الحديث مع رغبة زوجي في التقرب من عالمه جعلني أترك كلّ ما كنت أعمل فيه، وكذلك دراستي الجامعيّة، وسجّلّت في قسم التمثيل في المعهد العالي، وبذلك دخلت هذا الميدان لكني بقيت على حالة من التردّد، وعدم القناعة حتى نهاية الفصل الأوّل من السنة الأولى، والعامل الذي كان يشجّعني على ترك الدراسة من جديد؛ هو أن ابني «طارق» كان بعمر العامين فقط، وقد كان دوام المعهد صعباً وطويلاً، إضافة إلى منطقة سكني البعيدة عن مكان الدوام الدّراسي، ولكن مرّت الأيّام بسرعة حاملةً لغة التحدّي للتغلب على كلّ العقبات وتجاوزها، وقد تكرّرت فرص العمل في التمثيل مراراً قبل تخرجي في المعهد، وكنت أقبل بعضها لكسب المال، وهذا ما جعل فترة الدراسة ضاغطة أكثر، لكنني تخرجت في المعهد، وكنت الأولى على دفعتي، في العام «1990».

قدريات
بين لغة القدر والخيار البشري كانت كلّ الحكاية، وقد عبّرت عنها «ليلى سمّور» من خلال ما تذكره لنا: «عُرض عليَّ الكثير من الأدوار المهمّة، وفرص السفر خارج البلد، إضافة لأدوار سينمائيّة قويّة، لكنني رفضتها جميعها، ولم أبدأ بالتمثيل بعد مرحلة التخرج؛ إلا بمضيّ عدد من السنوات، فقد رغبتُ أن أرتاح لفترةٍ، وأقرر بعدها ما عليّ فعله بهدوءٍ وتروّ، فقد شعرتُ أن فترة الدراسة والعمل في أثنائها ضغطتني كثيراً، وأنا بطبعي أحتاج إلى الهدوء والاستقرار أكثر. ولذلك عندما أراجع دفاتر الذكريات، وأيّامي السابقة أقول عن نفسي إنّني ممثلة بالمصادفة، وإنّ القدر يتحكم بكلّ خطواتي، وإنّني قبلتُ التحدّي، بل حتى دراستي هي مصادفة، وكوني الأولى على طلاب دفعتي أيضاً جاء بالمصادفة، فأنا لم أقرر كلّ ذلك، بل القدر هو من كان يقرر، وأنا أقبل ما يقرره بلغة عالية من التحدّي والصبر».

الإنطلاق الأوضح
لسلسلة «مرايا» ذكرى مختلفة في حديث «ليلى» فهو مساحة ذكرتها بالمزيد من الكلام الجميل، وحول هذه التجربة، والعلاقة مع الفنان القدير «ياسر» تقول: «(مرايا) هي انطلاقة مهمّة لي قدّمها لي الفنان الكبير «ياسر» فقد كان لي حلم منذ كنت صغيرة أن ألتقيه، وعندما أرسل لي دور في هذا المسلسل كانت فرحتي لا توصف، وهي من المرّات القليلة التي كنت فرحة فيها لدخولي عملاً مهمّاً، وعندما صوّرت معه أول مشاهدي اكتشف عالمه الهادئ، وخصوصيّة العمل معه، وهذا يمنح العمل بالمجمل أثناء تصويره طابعاً يشبهه، ويحاكي كِبره، ومحبّته للجميع، فهو إنسان راق جداً، وهو صديق في العمل، وأذكر أنّني عندما كنت أذهب للتصوير في «مرايا» ينتابني شعور كما لو أنّني ذاهبة للتنزه، فلا خوف ولا قلق بل هناك متعة حقيقية، والفنان «ياسر العظمة» في التمثيل يجعل من الجميع عائلة واحدة، ويشترك معنا في كلّ تفاصيل الحياة المهنيّة، وشخصيّته رائعة، وتلزم الجميع بمحبّة العمل، فهو يدلّل كلّ من حوله، وعموماً أن أقدّم مجموعة شخصيات وأكثف كل منها خلال ربع ساعة هي مسألة تحتاج إلى تحدّ وثقة وذكاء وهذا العمل يذكرني بما كنّا نشتغل عليه في المعهد العالي للفنون المسرحيّة، فالعمل في مرايا ممتع جداً». وعن سبب عدم تواجدها في سلسلة بقعة ضوء على الرغم من تمتعها بالشخصيّة الكوميديّة تجيب: «لا أعلم سبباً مباشراً لعدم وجودي في أي من أجزاء «بقعة ضوء»، ولربما الشركة المنتجة هي المسؤولة عن ذلك أو لا رغبة لديها في مشاركتي بالعمل، وعموماً هناك تغييب واضح لمجموعة من الأسماء أنا من بينهم، وهو تغييب مقصود، والشلليّة تحكمنا في نهاية المطاف».
ملكة ربانية

عن الشخصيّة الكوميديّة وكيف يمكن لـ«ليلى» التعرف إليها ووصفها تقول: «لا يمكنني وصفها لكن من يتابعني يحكم عليّ بأنّني أمتلك شخصيّة كوميديّة، فأنا أضع ليلى في الظرف المفتعل، وأرى ما يمكن أن أخدم فيه الكاركتر، ولكن بعفويّة، والحالة هذه إمّا أن توجد لدى الممثل أو لا، فلا يمكن افتعالها، فالحالة الكوميديّة حالة فطريّة، فهي ملكة ربّانيّة، تولّد الفرح لدى المتلقي، لربما يتلقاها المتابع من خلال موقف عادي لكنها تثير الضحك أو الفرح في دواخله، ولا يمكن التحكّم بها لكن يمكن في الدراسة الأكاديميّة تلمّسها والتعرف إليها أكثر».
تنميط المخرج للممثل في دورٍ واحد، هو نمط تفكير سائد في درامانا، وبالتالي يكون الممثل هو من تلقى الضربة، إذ يمرّ الزمن ويمضي دون أن يُظهر ما يمتلكه من مواهب، وتعريجاً على هذه الفكرة؛ تقول ضيفتنا «ليلى»: «أعتقد أن المخرجين لدينا لا يكلّفون أنفسهم عناء البحث الحقيقي في شخص الممثل وما يملكه من مقدرات، وهذه القاعدة طُبّقت عليّ بقسوة، فالأدوار التي جسّدتها هي الأدوار التي قدّمتها على خشبة المسرح في بداية ظهوري، وما جسدّته من أدوار هو نقيض حياتي تماماً، فلا شخصيّة من كلّ ما قدّمت تشبهني على حقيقتي أو تقترب مني، فكان كلّ ما يقدّم إليّ على مدى سنوات وسنوات هو الشخصيّات المتسلّطة، والشريرة، والقويّة، والمتحكمة، لكن كلّ هذه الشخصيّات لا تقترب منّي، فقد تمّ تنميطي من خلال شكل خارجي وملامح توحي بذلك، وجاءت الأدوار الأولى التي قدّمتها لتكرّس هذه القاعدة إلى يومنا هذا، وعندما نجحت في تأدية شخصيّات متسلّطة في البدايات أصبحت كلّ العروض تأتيني حول ما يشبه شخصيّة كهذه، وقد عانيت كثيراً لإقناع بعض المخرجين للخروج من هذه الشخصيّة، وقد كان لي تجارب أثبت خلالها المقدرة على تجسيد أدوار متجددة وأتمنى أن تتقدم لي فرص مختلفة بعيداً عن الرؤى السابقة، والموضوع صعب جداً ومؤذ جداً، ولذلك مرّت فترة طويلة اعتذرت فيها عن أدوار كثيرة كلّها من نفس الصنف، فقد اشتغلتها لمدّة 20 عاماً ألا يكفي ذلك! في حين كان لدي محاولات لتجسيد أدوار من نوع آخر مثل دور المرأة اللعوب في مسلسل «شركاء يتقاسمون الخراب»، والمرأة الرومانسيّة في مسلسل «دنيا»، وشخصيّة «منال» في مسلسل «خلف القضبان»، وغيرها، فأنا في النهاية ممثلة قادرة على تمثيل كلّ أنواع الشخصيّات، وأتمنى أن يرى مخرجو اليوم بصورة أوضح وأدق».

فوزية شخصية كرتونية
حول حكاية دور «فوزيّة» في مسلسل «باب الحارة» وما منحته «سمّور» للدور تشير: «حتى الدور المكتوب في مسلسل «باب الحارة» هو دورٌ ضئيل جداً، اشتغلت عليه لأرفع من وجوده بين شخصيّات العمل، فكانت شخصيّة «فوزيّة» التي أخذت رواجاً غريباً في الوطن العربي، وقد قبلت بهذا الدور للتجربة فقط، فهو مع مخرج لم أعمل معه سابقاً، ولم أعرفه عن كثب «بسام الملا»، والسبب الثاني أنّني أحببت أن أقرأ الشخصيّة وما بين سطورها، وأرفع منها، لأنّني أصنع من أيّ دورٍ شيئاً مختلفاً، ففي شخصيّة «فوزيّة» وعلى الرغم من صغر مساحة الدور، وكتابته بطريقةٍ أقلّ من عادية، عملت على حملها لمستوى مهمّ مؤثر ومهم في المتابعة بدليل أن فضائيّة (LBC) عملت منها في رمضانٍ سابق مسلسلاً كرتونياً تحت عنوان «حزورة فوزيّة» وكانت الشخصيّة المرافقة لها هي «أبو بدر» التي اجتهد في تقديمها الفنان «محمد خير الجراح» وقُدّم العمل مدّة شهرٍ كامل، وفي كلّ يوم سؤال وجائزة، وعلى الرغم من أنهم لم يأخذوا الإذن في هذه المسألة مطلقاً، ولكن هذا إن دلّ على شيء فهو دليل على التعب الذي أحسست به أثناء تقديم هذه الشخصيّة التي أثرت في المتلقي».
أسباب الرفض

بين مسألة الانتظار وبين حالة الرفض المتكررة وقعت ضيفتنا «ليلى سمّور» في فخّ لا بدّ لها من الخروج منه عاجلاً أم آجلاً، ولذلك تقول: «وصلت اليوم إلى حالة من التغييب ارتبطت زمنيّاً باعتذاري عن دور «فوزيّة» في الجزء الثالث من «باب الحارة»، واليوم لا يتقدّمني فرص مهمّة، ولا يمكنني قبول أيّ دور، على الرغم من أن مساحة الدور لا تهمني، ويبدو أن اعتذاري عن دوري في «باب الحارة» سبب لي مشكلة فرفض بعض الأسماء سيكلف الفنان دفعه لثمنٍ غالٍ لتتمّ المحاربة في كلّ شيء وفي لقمة العيش، وبالتالي يتمّ عزل الفنان بصورة تدريجيّة ليستبعد في النهاية من الدائرة. على الرغم من أن الاعتذار هو حقّ طبيعي ومشروع وفي حقيقة الأمر جاء الاعتذار لكونهم لم يقدّموا لي الأجر المناسب، بل كان هناك مزيد من الاستهتار بالتعب مقارنة بالأجر المعروض! واعتذرت ولست نادمة على ذلك».

لا للندم
بعد مسيرة ليست بالقليلة في مشوار الفنّ التمثيلي وبين قبول بعض الشخصيّات ورفض الكثير من الفرص هل تعاني «ليلى سمّور» من الندم على ما فات؟ وعن إجابة هذا السؤال: «لست نادمة على كلّ الفرص التي رفضتها، لكنّي منزعجة، لأنّني حتى اليوم لم آخذ فرصتي كما يجب وكما أستحق، فما أمتلكه من مقدرات فنيّة لم يقدّم في شخصيّة واضحة ومتناسبة مع ما أملك، واليوم في رصيدي قرابة 200 عمل بين سينما، ومسرح، وتلفزيون، والمعلومات الواردة في الإنترنت مغلوطة جداً، ولا تحمل الدّقة حتى في تاريخ ولادتي، ومكان التولد، ومع الأسف تحكمنا اليوم هندسة غريبة، وبشعة، هي شبكة علاقات، واتصالات، وتنازلات، ولا علاقة لي بهذه الهندسة».

جولة عربية
شاركت «ليلى سمّور» في عدد مهمّ من أعمال الدراما العربيّة فكان لها حضور في الكويت، والسعوديّة، وليبيا، ولبنان، والأردن، وغيرها، وحول هذه التجربة، والفائدة منها تقول: «التجربة في الأعمال خارج سورية كانت كبيرة، أذكر منها التجربة مع الفنانين «عبدالله» و«ناصر» وهما من أجمل الأشخاص الذين تعاملت معهم في الوسط الفني، ففيهم شيء من الفنان «ياسر العظمة»، وكانت تجربتي معهما بين الكوميديا، والميلودراما، وهذان الممثلان فيهما شيء حضاري وراق جداً، وأفتخر في العمل معهما. أمّا في لبنان فكانت التجربة في مسلسل «سي بي إم» وهو فرصة للعمل مع أهمّ نجوم الدراما المصريّة، واكتشفت كم يحترم المصريون بعضهم، وكم يقدّمون أنفسهم وزملاءهم بطريقة جميلة، وأذكر منهم: «سيّد زيّان»، و«أحمد حلمي»، و«أحمد السقا»، و«شيرين»، و«سمير غانم»، و«أحمد بدير»، و«غادة عبد الرازق»… وقد شجّعوني للذهاب إلى مصر لكنني لم أسع باتجاه هذه الخطوة. وفي العمل في الأردن كان لي تجربة في اللهجة البدويّة، وكلّ هذا يمنحني تحدّياً وغنى في التجربة، ومن الأشياء التي لاحظتها واستغربتها أن الممثل السوري هو الأوّل في التمثيل والتكنيك والعمل بالمقارنة مع غيره من الممثلين في الوطن العربي، ولكنّه الأقل أجراً بين كلّ الممثلين ضمن بلده وهذه معادلة غريبة جداً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن