«عشق دمشق يجمعنا» عبارة تدعو كلّ محبّ يهوى شامه، وكلّ صاحب شغف إبداعي، وكلّ من يطرق الأبواب لمبادرات تؤكد سوريتنا الأصيلة. ومِن طرق الأبواب سنقف عند (دقاقات) الأبواب التي منها جاءت فكرة معرض (الرموز البصرية في أبواب الدور الدمشقية) محتضنا في «غاليري مشوار» بدمشق، ما يفوق الخمسة والعشرين عملا، قدّمها لنا كلّ من الفوتوغرافي أنطون مزاوي والسيدة تمار شاهينيان، حيث طرقا الأبواب عبر (الدقاقات) لتجربة فنية وتوثيقية هي الأولى، بدمج الفنون سواء التصوير الفوتوغرافي، بالتطريز الفوتوغرافي، مُقدِمين على الانفتاح والعصرنة بفن لم يسبق له أن يتداول في سورية، ولكنه منتشر في الأوساط الغربية وله رواج وقيمة تقديرية من الجمهور المتابع للفنون ومقتنيها. والأجمل أن هذه التجربة تَقدّم لنا بحث تاريخياً وتراثياً يوثق عقليات وعادات وتقاليد سادت في دمشق، ودلت عليها(دقاقات) الأبواب، وما زاد التراث غِنى التمسك بمرموز دمشق من ياسمينها ونارنجها، أو حروف كلمتها الأصيلة بشعر نزار قباني وأهم الأمثال الشعبية التي كانت سائدة. للحديث أكثر عن هذه التجربة نضيف لكم التالي:
دمشق القديمة المتجددة
حدثنا الباحث والمصور الفوتوغرافي أنطون مزاوي كيف يتجول ليلتقط بعينه قبل الكاميرا أدق التفاصيل التي تعبُر عن كثيرين، ولكنه هو يتوقف عندها ليوضح لنا أن ما في دمشق لا يمكن أن يعبُر أو يمرّ مرور الكرام، فلكل رمز هدف والغاية منه بالغة الأثر والعمق. هذا بالعموم ولكن عن موضوع المعرض، فلقد توقف عند رموز أبواب دمشق القديمة عبر (الدقاقة) اليد المعلقة على الباب، بما تحمل حولها من رموز. وفي حديثنا معه تحدث شارحا هذه التجربة وأشار إلى الكتاب الذي احتوى بحثه هذا بتفاصيله التوثيقية كاملة، ليقول مزاوي «جرت العادة أن يحمي أهل البيت في دمشق أنفسهم من الطاقات السلبية والشر والحسد برموز، وهذه المعتقدات تعود لآلاف السنين، اليوم مازال منها شاهد على طريقة التفكير والإيمان بدفء البيوتات الشامية بمعتقداتها وطيب خاطر أهلها، وحسن نياتهم ومحبتهم للآخر، كما أن الياسمين والنارنج بقيا برمزيتهما حاضرين ليؤكدا وليذكرانا دائماً بدمشق بتفاصيلها العميقة والعتيقة في آن معاً.
لقد جاءت فكرة معرض (الرموز البصرية في أبواب الدور الدمشقية) من أنني أحب التجوال بالشوارع الدمشقية وأرى التنوع التراثي الكبير في كل زواياها وحواريها وأحجارها، ومن هذا الغنى لاحظت الأبواب الدمشقية العتيقة في الأحياء القديمة، ومن (الدقاقة) المعدنية المثبّتة على الباب الخشبي لطرقه، بدأت بالبحث عن الرموز وقمت بتحليلها وبتصويرها وتوثيقها بصريا من خلال الصور الفوتوغرافية. ومن ثم توسعت في بحثي مقدما كتابا طبعته وقدمته خلال المعرض.
أحب أن أوضح نقطة مهمة بأن هذه الرموز قديمة جداً ومنها ما يعود إلى ثلاثة آلاف سنة، وأيضاً احتوى المعرض على لوحات لدقاقات للأسف اندثرت، وبالمقابل تمكنت من العثور على أبواب قديمة ونجحت بتصويرها وعرضها».
ولابد من الإشارة إلى أن هذا المشروع قد انطلق به المصور الفوتوغرافي أنطون مزاوي منذ عام 2007 «لم يكن عملي مستمرا في هذا المشروع بل كان متقطعا، وأخيراً دمشق هي عشقي وهاجسي، وكل ما في قلبي من مشاعر وأفكار متعلق بكل تفاصيلها، فمدينة دمشق قديمة ومتجددة في الوقت ذاته وهي من الرموز المهمة في حياتنا».
التجربة الأولى
الشق الثاني بالمعرض حمل جرأة في طرح تجربة كما ذكرنا أعلاه هي الأولى، من خلال التطريز الفوتوغرافي، وكي لا يكون هناك اختلاف في المواضيع، جاءت الرموز المحتواة في الأعمال متوافقة في الفكر والتقديم، وعن تجربة التطريز الفوتوغرافي نترككم مع السيدة تمار شاهينيان التي بدا واضحاً عمق حبها لدمشق كعمق كل قطبة بالإبرة والخيط غُرزت في الصور الفوتوغرافية لتزيد من الجمال.. كلّ جمال، لتقول «هذه أول تجربة لنا في سورية بمجال التطريز الفوتوغرافي، ولكن ما شجعني على هذه الخطوة هو أنني أعمل بمجال التطريز الالكتروني منذ خمسة وعشرين عاما، والهاجس موجود عندي بأن أشكّل فنا من هذه الآلة التطريزية.
بالبداية اعتقدت بأنني سأواجه تحديات تقنيّة لكوننا سنطرّز على صور فوتوغرافية، ولكن ورغم خبرتي الطويلة واجهت تحديات أخرى، لأن كل لمسة أو قطبة على الصورة دقيقة جدا، وإما أن يكون حضورها جميلاً ومكمّلاً، وإما أن يكون وجودها غريبا عن الصورة كلها. ومما لاشك فيه العمل على الصور أتعبني ولكن كان ممتعا ودخلت في هذه التجربة شخصاً وخرجت منها شخصاً آخر، فنظرتي لما حولي تغيّرت، ورغبتي بتطوير هذا المجال كبُرت لكوني إنسان يحب التطوير ويعشق المعرفة، وخصوصاً أن التطريز الفوتوغرافي يتم تطويره عالميا وفيه إبداعات كثيرة، وأعتبر نفسي أنني فتحت الباب وسنطور جميعاً هذه التجربة مع الوقت». ومن هنا سألنا شاهينيان: الانطلاقة ذكية من حيث طرح رموز أبواب دمشق وبالتراث جاء التطريز كي يعزز الرموز الدمشقية من الياسمين والنارنج وقصائد نزار قباني، لتعقب: «ما أضفته من تطريزات كان من إيحاءات الصور، وعندما شاهدت(الدقاقة) خطر ببالي العشاق الذين مشوا في الحارات الدمشقية بجانب منزل حبيبتهم ولا يمكنهم من خجلهم طرق الباب للسلام عليها أو رؤيتها، هذا إضافة إلى حميمية بيوت دمشق بداية من الباب الخشبي إلى الداخل من حيث جمالية المكان عمرانيا وعلاقة ساكنيه بعضهم مع بعضٍ ومع الجيران بالحي، مع الياسمين والنارنج وكل التفاصيل المادية والمعنوية التي احتضنتها هذه البيوت».
خاتمة حديثها معنا أن التطريز الفوتوغرافي يتماشى مع العصرنة ويساهم بالجذب البصري وهو قادر على حفظ القيمة الفنية للعمل المصور «الفن يقرّب الناس بعضهم من بعضٍ، وعلينا أن نسعى دائماً نحو التجديد والتطوير كي نستقطب أكبر شريحة ممكنة من الجمهور المتابع، كما أنّ الدمج ما بين التراث القديم مع الحديث المعاصر أمر جميل ما دام يعزز القيمة التراثية الجمالية، وأخيراً من هذه التجربة أنا أدعو كل أصحاب الإبداع والفنانين لتتضافر الجهود من أجل إغناء الساحة بكل ما هو جديد ومتنوع، لأن المرء بشخصه الواحد لن يقيم مشروعه الخاص، بل هو بحاجة لمشاركة الأخر».