اقتصاد

رجل «الاحتكار»

| علي محمود هاشم

خلال سنوات الحرب، قضى المدير السابق لهيئة المنافسة ومنع الاحتكار جلّ منصبه في توليف التصريحات اللطيفة المتخصصة بإحلال التجار من تهمة الاحتكار الضارب في الأسواق.
في أحد تجلياته المشهودة، ذهبت به السجيّة إلى اتهام مؤسسات التدخل الإيجابي بالاحتكار، يومها كان التجار يخوضون معركتهم المصيرية لعتق قدرتهم على التلاعب بالعرض والطلب باستصدار قرار بإلغاء آخر يجبرهم على تسليم 15% من مستورداتهم الأساسية لمصلحة مؤسسات التدخل الإيجابي.. في نهاية المطاف، نجح الجميع بإلغاء قرار الـ15% لتنطلق ملكات الاحتكار من عقالها، قبل أن تتم معاودة إحيائه لسبب ما، في تموز الماضي.
على الأرجح، لم يكن رجل «الاحتكار» السابق ينوي إعلان اصطفافه بكل هذا القدر من الفجاجة، بل مجرد مؤازرة معنوية اعتيادية في تبرئة التجار من أي ممارسة احتكارية وإلصاقها بظهر القطاع العام، ورغم ذلك، لم يصدف أن لفتت مسانداته المديدة تلك أي انتباه، وكان من المرجح أن تسير الأمور على هذه الشاكلة مع رجل «الاحتكار» الجديد، لولا أنه «طبش» تصريحاً تفوق فيه على سلفه بأشواط!.
في أسوأ السيناريوهات، لم يكن رجل «الاحتكار» الجديد ليعتقد بأن يستدعي نفيه أي شبهة حيال مسؤولية ممارسات احتكارية عن تأجج الأسعار مؤخراً، أدنى انتباه لولا أن أخدته الحمية فاسترسل في تصريحه إلى حدود اتهام قرارات الحجز الاحتياطي التي أصدرتها الحكومة بحق بعض التجار، بالمسؤولية عن انفلات الأسواق.. هنا، وقعت الفأس في الرأس!
على الفور، حظي رجل «الاحتكار» الجديد بدعوة إلى اجتماع رفيع واجه خلاله سلسلة من التوجيهات التي ألقاها على مسامعه تشكيلة من أعتى المتمرسين في آليات العمل الحكومي، واستمع إلى سلسلة من المطالبات الملحة بضرورة تطوير عمل الهيئة «النائمة»، كما تم وصفها.
رغم ظرافة القصص الحكومية من هذا النوع، ونهاياتها الركيكة أيضاً، إلا أن ذلك لا يلغي التساؤل عن طينة «هيئة منافستنا ومنع احتكارنا» التي لم يصدف أن تعثرت خلال السنوات الأخيرة –ولو مصادفة- بأحد التجار من ذوي الممارسات الاحتكارية!.
ولئلا يخضع الاتهام الأخير للأخذ والردّ، فهل يقبل رجل «الاحتكار» الجديد التحدي بالعثور ولو على تصريح للهيئة، خلال السنوات الخمس الأخيرة على الأقل، تتضمن ولو تلميحا إلى قيام أحد التجار بممارسة احتكارية؟!.
بعض التجار يفعل ذلك، وللمصادفة المحضة، فقبل تصريح مسؤولية الحجز الاحتياطي عن ارتفاع الأسعار بأيام، أكد نقابي رفيع المستوى خلال اجتماع وزير التجارة الداخلية بغرف التجارة، بأن الامتناع عن تداول الفواتير يعد أكبر المشاكل التي تكتنف عمل الأسواق.. هذه الممارسة الغارقة في الزمن، لا تحتاج إلى شروحات مستفضية للتيقن مما تستبطنه من تلاعب بالأسعار، يعكس ممارسة احتكارية فضائحية.
رغم أن عيارها الطائش «طرطش» الحكومة، فمن المؤكد أن رجل «الاحتكار» الجديد لم يكن يقصد اتهام قرارات الحجز بالمسؤولية عن ارتفاع الأسعار، كانت مجرد محاولة صغيرة تميّزه عن سلفه في تبرئة الحيتان من مياه البحر، وهو ما حظي بالتفهم على ما يبدو، وأغلقت القضية عند هذا الحد، وسوف يستطيع المدير استكمال تحضيراته لإقامة منتداه العالمي الذي ينوي إطلاقه العام المقبل.. الأمور على خير ما يرام، ولا ينقصنا سوى مؤسسة قادرة على لمح الاحتكار المترعرع في الأسواق، إلى حدود تتهدد السلم الاستهلاكي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن