قضايا وآراء

العرب ومجابهة شروط التطبيع النهائي

| تحسين الحلبي

تخطئ معظم الدول العربية إذا اعتقدت أن إسرائيل تريد محاصرة سورية والشعب الفلسطيني والمقاومة اللبنانية والعراق وإيران فقط، بل هي تريد محاصرة جميع الدول العربية سواء ممن وقع معها على اتفاقية تسوية أو ممن لم يوقع، فإسرائيل تشن كل أشكال العدوان المباشر العسكري على عدد من الشعوب، والسياسي والثقافي على شعوب أخرى، بواسطة التهديد والابتزاز من أجل فرض علاقات التطبيع معها. وتقوم في الوقت نفسه بتجنيد كل الدول الحليفة لها لفرض العقوبات على كل دولة تحاول الدفاع عن ثقافتها ومواقفها الوطنية والقومية الثابتة.
لتحقيق هذه الغاية بدأت إسرائيل تعمل على تجنيد دول الاتحاد الأوروبي من أجل فرض عقوبات على كل دولة عربية تسمح لمواطنيها بوصف الصهيونية بالعنصرية والتنديد بها، وأعدت قانون عقوبات خاصاً بعد أن أقرت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وألمانيا أن كل من يسمح بانتقاد الصهيونية ويعدها عنصرية يصبح معادياً للسامية، أي لليهود، وتجب معاقبته، وبواسطة هذا القانون يصبح كل من ينتقد سياسة إسرائيل العدوانية ضد أي عربي داخل الأراضي المحتلة أو خارجها معرضاً لعقوبات أوروبية وهذا بدوره يعني أن إسرائيل تريد من قادة وحكام الدول العربية تغيير مناهج التعليم وحظر كل ما تنشره الصحافة العربية عن التعاطف مع حقوق الفلسطينيين وضد جرائم الاحتلال.
إسرائيل تنجح في تجنيد دول يعدها كثيرون من المدافعين عن حقوق الفلسطينيين مثل النرويج، فقد ذكرت وسائل الإعلام الغربية الخميس الماضي، أن البرلمان النرويجي اتخذ قراراً يطالب فيه الحكومة بمنع المساعدات التي تبلغ 220 مليون كرونا عن السلطة الفلسطينية ما لم تقم بإجراء تغيير في مناهج التعليم الفلسطينية وتمنع التعليم عن حقوق الفلسطينيين وتاريخهم في وطنهم.
وإذا كان هناك من يشك في وجود مثل هذا المخطط الإسرائيلي الذي يسعى لإلغاء كل حقائق الصراع العربي الصهيوني واستبداله بالقوة بما تفرضه إسرائيل من سرديات لا صلة لها بالواقع، فلينظر كيف فرضت الحركة الصهيونية قبل إعلان دولة إسرائيل على كل أوروبا والعالم بواسطة الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا، قراراً صادقت عليه برلماناتهم بمنع نشر أي رواية تخالف رواية الحركة الصهيونية عن وجود «محرقة قتلت ستة ملايين من اليهود» فجرى تغيير فصول مهمة من تاريخ الحرب العالمية الثانية وبقي هذا القرار سارياً حتى الآن وحوكم بموجبه كتّاب حاولوا تفنيد هذه الصيغة وصودرت كتب علمية مخالفة للرواية الصهيونية وجرى إحراقها بهدف تثبيت السردية الصهيونية وفرضها على التاريخ.
كما فرضت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا على ألمانيا ودول أوروبية أخرى، دفع مبالغ مالية لا حصر لها للحكومة الإسرائيلية التي فرضت نفسها وارثة قانونية لكل أموال اليهود الأوروبيين الأحياء والأموات، أي الملايين الستة، في حين أن عدداً من أصحاب هذه الثروات كان من الأحياء بعد الحرب العالمية الثانية وبعضهم جرى تهجيره إلى فلسطين وآخرين بقوا في أوروبا من دون أن يكون لهم الحق باستعادة ممتلكاتهم الخاصة ومنهم اليهود الألمان لأن الحكومة الإسرائيلية استلمتها بشكل انتهكت فيه حقوق الأفراد اليهود الأوروبيين.
بموجب هذه السابقة، تطالب الحكومة الإسرائيلية الآن بما يزيد على تريليون دولار تعويضاً من عدد من الدول العربية وإيران عن ممتلكات اليهود فيها، وتزعم أن هذا التعويض يخص 850 ألفاً!
وأعدت الحكومة الإسرائيلية منذ فترة طويلة سلسلة من المطالب والشروط التي تريد فرضها على الدول العربية عند التطبيع النهائي لعلاقاتها معها ومنها استعادة ممتلكات اليهود في هذه الدولة أو تلك، وبواسطة ذلك تقوم في كل مرحلة من مراحل التطبيع بالعمل على تحقيق جزء من أهدافها وتحديداً في منع التداول والنشر لأي رواية أو سردية تخالف مزاعم إسرائيل التاريخية والثقافية ومن الطبيعي أن تتبنى كل دول الغرب مهمة فرض الشروط التي تحددها إسرائيل لأشكال ومضامين التطبيع النهائي مع العرب ويمكن معرفة بعض شروطها من الاطلاع على القوانين التي فرضتها إسرائيل على ألمانيا ودول أخرى أوروبية وهي:
1- فرض إجراءات لإعادة رسم الحدود النهائية لإسرائيل مع الجوار العربي لفلسطين المحتلة بما في ذلك المملكة الأردنية.
2- الاعتراف بحق حكومة إسرائيل باستعادة التعويضات المالية عن ممتلكات اليهود بصفتها «دولة كل الشعب اليهودي».
3- تغيير المناهج وقوانين النشر والمطبوعات بموجب ما تحدده إسرائيل في كل ما يتعلق بها وبالحركة الصهيونية ومعاقبة كل من يخرق ذلك.
4- المشاركة في كل إطار إقليمي سياسي أو اقتصادي تقيمه الدول العربية لأن أي تحالف أو إطار من هذا القبيل ستعده مناهضاً لها ويخرق شروطها للتطبيع النهائي إذا لم يكن لها فيه دور قيادي مهيمن.
بانتظار الظروف التي تعدها إسرائيل لمثل هذا التطبيع النهائي الشامل تحاول الآن التكيف بقدر المستطاع مع بعض التحركات الإقليمية تمهيداً لتصفية القضية الفلسطينية والانتقال إلى مرحلة التطبيع النهائي الشامل وفرض شروطه بكل وسائل القوة والتأثير الأميركي والغربي.
ومع ذلك ما زال هذا المخطط الصهيوني الأميركي في طور الانتظار لأن القوى المتصدية له ما تزال قادرة على إحباطه بتحالفها وبقواها الذاتية الإقليمية وهي تسجل زيادة ملحوظة في مستوى قدراتها العسكرية يوماً تلو آخر يجبر واشنطن وتل أبيب على وضع الحسابات لها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن