وردني بالبريد الإلكتروني تساؤلات حول الحصار الاقتصادي على وطننا سورية، وموضوع انخفاض سعر صرف الليرة السورية مؤخراً، كما جاءني زميل وصديق بادرني بالقول ألا تبدو على وجهك بعض ملامح القلق والحزن الدافئ؟ فقلت يوجد شيء من هذا. أضاف الزميل قائلاً: حالك يا صديقي اليوم كحال الطبيب الذي لا يُستدعى للمساهمة في التخفيف، ولو نسبياً، من ألم وأوجاع من يُحب، وأضاف: أرجو أن تخرج من صمتك، فما العلاج في رأيك؟ أجبته كلنا لوطننا الذي نُحب. إذا كنت تقصد معالجة العقوبات الاقتصادية وموضوع انخفاض سعر صرف الليرة السورية أخيراً، فأنا أحترم وأقدر كل الجهود الخيرة المخلصة التي تبذل للمعالجة من المسؤولين المعنيين في الحكومة.
سأخرج عن الصمت الدافئ لأكتب بعض الإضاءات العامة حول الحصار الاقتصادي التي تتعرض له سورية بما في ذلك موضوع انخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي في هذه الظروف العامة الصعبة، وسأعرض بعض مظاهر الحصار الاقتصادي الظالم على وطننا سورية ودوافعه، واكتفي بالخطوط العامة لمواجهة الضغوط الاقتصادية، لقناعتي أن اقتراحات الحلول لمواضيع حساسة ومهمة جداً كهذه، ليس من المناسب أن تعرض وتناقش بالتفاصيل في وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة ولا في وسائل التواصل الاجتماعي.
العقوبات الاقتصادية نوع من أسلحة الدمار الاقتصادي تفرضها دول الغرب الأميركي والأوروبي كحصار اقتصادي، وهي إجراءات ضغط استعمارية لفرض إملاءات خارجية مشبوهة، وإفقار الشعوب ومنها سرقة النفط السوري.
فشلت سياسة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن القائمة على القصف العسكري للشعوب، وجاء الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وخلفه الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب ليركزا على إحياء سلاح آخر، يتمثل بالعقوبات الاقتصادية، وفي رأينا أن الرئيسين الأخيرين، كل على طريقته، قادا حملة تصغير وتقزيم للقوة والغطرسة الأميركية.
تعود العقوبات الأميركية على سورية إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين، وفي عام 2004 عززت واشنطن هذه العقوبات بعد إدانة سورية للاحتلال الأميركي للعراق.
في عام 2011 فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات كما فرضت الجامعة العربية عقوباتٍ على قطاعات في سورية.
العقوبات الاقتصادية خلفت آثاراً على الاقتصاد السوري الذي كان يتمتع بنوع من الاكتفاء الذاتي، ولكنها وفرت فرصة للمصنعين المحليين ليقوموا بتحسين ذاتي لعملهم، وتشجيع الإنتاج المحلي.
قديماً قيل عندما لا أستطيع أن أعالج الأزمات التي أصادفها فأنا لن أدعها تعالج نفسها بنفسها.
الحكومة مسؤولة أولاً عن هذا الموضوع وعليها أن توضح للمواطنين بعضاً من الوقائع ولو كانت مؤلمة، لكن ليس هذا ما يحصل دائماً.
بالمقابل الحكومة لا تتحمل وحدها مسؤولية إدارة كل الأزمات بما فيها أزمة الدولار التي لها علاقة بالعقوبات والضغوط الاقتصادية الخارجية وأيضاً برجال الأعمال والمضاربين السوريين، وعلى الفعاليات الاقتصادية والمجتمعية دعم الجهود الحكومية ومساندتها.
مواضيع عديدة تدور حولها تساؤلات كثيرة ونحتاج للمعالجة ولمبادرات، وابتكار آليات عمل تنفيذية، تتلاءم مع ظروف الأزمة التي يعيشها الوطن والمواطن.
المواطن السوري الصامد يستحق من المسؤولين الحكوميين، كما يؤكد دائماً رئيس الجمهورية بشار الأسد، الاهتمام المطلوب ضمن الإمكانات المتوافرة من خلال إجراءات المواجهة للأزمة ومتطلباتها؛ فالأزمة ظرف غير عادي يتطلب إجراءات ومعالجات غير عادية، وتحتاج لقرارات شجاعة، وحكيمة؛ وواقعية لابد أن تضع الجهات المسؤولة في الحكومة سلماً واقعياً لأولويات العمل بهدف مواجهة تداعيات الأزمة والعقوبات.
سورية قادرة على إيجاد بدائل لأسواق الدول التي تقاطعها استيراداً وتصديراً وخاصة تعزيز الاتجاه شرقاً، والتعاون مع مجموعة بريكس.
في مقدمة الأولويات الاهتمام بالوضع المعيشي للمواطنين ضمن الإمكانات المتاحة، ودعم الإنتاج الزراعي والصناعي إضافة لدعم وتشجيع الصادرات.
هذا يحتاج لمبادرات، وابتكار آليات عمل، تخفف من آثار العقوبات الاقتصادية.
هناك فلتان للأسعار في الأسواق وغياب شبه كامل للرقابة التموينية وحماية المستهلك، وتذهب الأرباح الفاحشة للوسيط على حساب المستهلك والمنتج؟ وثمة ضرورة لمراقبة أسعار المواد الغذائية المنتجة محلياً والضرورية للمستهلك وتعزيز الرقابة التموينية للتجارة الداخلية بعناصر نظيفة ومؤهلة.
المطلوب من المواقع الحكومية التنفيذية المزيد من الجدية والاهتمام بمحاربة الهدر والفساد، وإعطاء العملية الإنتاجية ما تحتاجه، والاعتماد على مواردنا وإمكاناتنا الذاتية وعلى القطاع الخاص كحامل وطني، والمساهمة في مقاومة العقوبات الأميركية الظالمة إلى جانب القطاع العام، وأن يكشف المضاربون والمحتكرون والمتاجرون بلقمة المواطنين وخاصة أثرياء وتجار الحرب، ويحتاج ذلك لمشاركة واسعة من فعاليات القطاع الخاص ورموزه الوطنية.
لا يجوز اعتبار العقوبات مشجباً يعلق عليه البعض من المسؤولين التنفيذيين تقصيرهم أو أخطاءهم في المهام الموكلة إليهم، بل يمكن أن يكون الحصار حافزاً للإبداع لأن الكوادر الفنية والتقنية الوطنية تستطيع في ظروف الحصار أن تقوم بأعمال إبداعية لمواجهة الحرب الاقتصادية ضد سورية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية التي سرقت النفط السوري، وتستهدف بشكل مباشر لقمة عيش المواطن السوري.
كمواطن وخبير اقتصادي ومالي مُحب لوطنه أقول: في الأزمات الناتجة عن ضغوط وحصار اقتصادي استعماري خارجي كحالنا اليوم في سورية، فإن المعالجات الوطنية للاقتصاد المالي والنقدي خلال الأزمة تراعي خطوطاً عامة أهمها:
– لا توجد مبادئ اقتصادية ثابتة ودائمة للمعالجة، والتنظير في هذه الحالات غير مفيد.
– هناك متغيرات مستمرة ووجهات نظر متعددة يصار إلى اختيار أفضلها وأقربها للواقع.
– الأخذ بالحسبان الظروف والضغوط الاقتصادية الخارجية الكيدية الظالمة والواقع والإمكانات المتوافرة.
– الاعتماد على الذات الوطنية للتخفيف من آثار الحصار، وإثبات القدرة الوطنية.
– المفيد بل الضروري سماع رأي الخبرات الوطنية لأن لها دور مهم في المعالجة.
– الحلول للصعوبات والحصار الاقتصادي وخاصة موضوع سعر صرف الليرة لا يجوز أن تطرح أو تناقش بالتفاصيل في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي وإنما تدرس وتناقش في اجتماعات غبر مُعلنة مغلقة تضم مسؤولين عن الشأن الاقتصادي النقدي والمالي ويدعى إليها خبراء واختصاصيون وطنيون ليس لهم أي مصلحة سوى المصلحة الوطنية العليا للوطن وهناك مجموعة من الأفكار التي يتداولها اقتصاديون وخبراء، وعلى المسؤولين أن يسمعوا وجهات نظر الخبراء الاقتصاديين فالحوار، وسماع الرأي الآخر يساعد على اتخاذ القرار المناسب وآراء الخبراء تبقى مجرد اقتراحات وتوصيات، والقرارات يتخذها من أوكلت لهم هذه المهمة حسب الأنظمة والقوانين.
سورية صمدت بشعبها ودولتها ووحدتها الوطنية بوجه الحرب الاقتصادية التي أرادوا من خلالها وبالتحالف الغربي مع قوى الإرهاب العالمي، تدمير سورية الدولة والوطن، ولم ولن تنجح هذه الحرب في تحقيق أهدافها المشبوهة.
أخيراً أقول هنا رغم كل الصعوبات والضغوط والعقوبات والحصار الاقتصادي الظالم على وطننا، إن سورية ستتجاوزها بتماسك شعبها ومؤسساتها، وستنتصر بفضل بطولات وتضحيات بواسل الجيش العربي السوري، وصمود شعب سورية الطيب.