ثمة نماذج بشرية يصعب عليك أحياناً عديدة إدراك سرّهم. وحين يسقط القناع عن وجوههم ويظهرون على حقيقتهم، تكتشف أنك كنت مخدوعاً بهم وتشعر حينئذ كما لو كنت تطلب ماء وراء سراب. وغالباً ما يكون أحد هؤلاء ممن يعتقدون بأنهم فوق البشر. ومن هذا المنطلق يتصرفون كما كان يتصرف الأسياد في زمن الإقطاع ينظرون إلى خدمهم نظرة السيد إلى عبده ومن خلف أنوفهم.
في هذا السياق يحدثنا التاريخ عن كبار تبيّن فيما بعد أنهم كانوا صغاراً ولكن من وراء أقنعتهم استطاعوا أن يخدعوا الآخرين. وفي أحاديثنا الشعبية كثيراً ما نردد أن حبل الكذب قصير. ولهذا الاعتبار حين يسقط القناع عن وجوه أمثال هؤلاء سرعان ما تنجلي الصورة وتظهر على حقيقتها. في عالمنا اليوم، كما بالأمس القريب والبعيد نسبياً، ثمة أمثلة لا بد أن تصلح مثلاً لمثل هذه الازدواجية في حياة البعض من الناس الذين خيل لنا أنهم كبار في زمن ما ولكن ما إن سقط القناع عن وجوههم حتى اتضحت صورتهم الحقيقية، وذلك على نحو ممتهن الكذب وصولا إلى غايته قبل أن يسقط القناع عن وجهه.
في هذا السياق يحدثنا التاريخ عن كبار سقطوا في التجربة وبينهم من امتهن الكذب والوصولية والأنانية وكانت نهايتهم ذلاً ومهانة على غير انتظار، وذلك على غرار قادة وسياسيين كانوا كبارا في زمن الخديعة التي يتقنون استخدامها لتضليل أتباعهم ثم تبين، فيما بعد، أنهم كانوا صغارا بمقاييس مختلفة ومتنوعة من الأقنعة المعروضة في أسواق النخاسة. فهل نأتي على ذكر أسماء أم إن أبناء جيلنا قرؤوا التاريخ المعاصر وما سبقه من عصور كانت حافلة بأمثلة عن الذين مارسوا الكذب والخديعة حرصاً على المقعد والمكانة التي وصلوا إليها ومن ثم تعرى تاريخهم وانكشفت أسرارهم بعيداً عن التنجيم؟
إن المؤرخ، من حيث المبدأ، لا التاريخ قد يضلل القارئ بنسبة ما، ولكنه في نهاية الأمر، ومع سقوط الأقنعة عن الوجوه التي تعرّت تحت الضوء كضوء الشمس الساطعة لا يمكنه إخفاء الحقائق التي يشهد بها التاريخ، مهما حاول ذلك!