من دفتر الوطن

وحش اسمه الوهم!

| عصام داري

كنت فيما مضى شيخ قبيلة بدائية تنتشر في أدغال إفريقيا على طول خط الاستواء، وذلك في القرن الخامس عشر قبل الميلاد.
وكنت أسيطر على القبيلة سيطرة مطلقة بقوة النساء أولاً، وبقوة ما أمتلكه من بقر وأغنام وماعز ودجاج وما إليه من مخلوقات الله، أي البهائم، فيما كان السلاح الثالث والأكثر مضاءً الوهم، نعم الوهم.
فقد كانت النساء تنتج كل عام نحو مئتي ولد بين صبيان وبنات، حفظ اللـه أولادكم وذريتكم، ولا تسألوني عن عدد زوجاتي لأنني بصراحة أجهله بشكل كامل، لكن على ما يبدو يزيد على المئتين! وكان الأولاد يزيدون في عزوتي وقوتي في القبيلة، فنحن نشكل نصف عدد هذه القبيلة تقريباً.
أما الأغنام والبهائم فقد كانت مصدر قوتي الثاني، فهي تعطيني الحليب واللحوم والبيض، وكنت أوزع من هذه الخيرات على جميع أفراد القبيلة بالعدل والقسطاس، وحتى اليوم لا أعرف معنى«القسطاس»!
ولعلمكم فقد كنت أستخدم جلود الحيوانات وصوفها لصنع ملابس للنساء والرجال، بحيث لم تستطع كوكو شانيل وبيير كاردان من مقارعتي في الأزياء، حتى يومنا هذا.
كما قلت، سلاحي الثالث الذي مكنني من السيطرة على القبيلة هو الوهم، وللحقيقة والتاريخ لم أستخدم هذا السلاح ولا مرة، إذ كان يكفي أن أهدد المذنب أو من يحاول إثارة الفتن والمشاكل والخروج على الطاعة وإعلان العصيان المدني بسلاحي الوهمي حتى يعود إلى رشده ويعلن توبته وولاءه المطلق.
لم يعرف أحد في القبيلة ما هو سلاح الوهم، حتى زوجاتي العزيزات على قلبي وقرة عيوني وحبيباتي الغاليات لم يعرفن سر هذا السلاح، ومرة سألت إحداهن عن سلاح الوهم فهددتها بأنني سأعاقبها بهذا السلاح فخافت خوفاً شديداً وطلبت العفو والمغفرة، والعفو عند المقدرة، بل يومها قررت أن أبات عندها كي أراضيها، وكي لا يأتيها كابوس الوهم وهي نائمة فتصاب بمرض نفسي خطير لا سمح الله.
كان الجميع يظن أن الوهم وحش كاسر بمخالب طويلة وأنياب حادة يمزق الشخص إرباً، وأنه مثل الغول الذي عرفناه من حكايا الجدات، وأنني إذا ما غضبت من أحدهم قد أسلط عليه هذا الوهم فيفترسه أو يعذبه، لذا كان أفراد القبيلة يخشون الوهم وينصاعون للأوامر بلا أدنى تردد.
لكن إضافة إلى أسلحتي الثلاثة الفتاكة كنت قد بنيت سجناً صغيراً «على قد الحال» لسجن الخارجين على القوانين، وكنت أنا من اخترع قانون (العدل أساس الملك) وأي شخص يخالفني الرأي سأسلط عليه سلاح الوهم الكاسر!
المهم سارت الأمور على أفضل ما يكون لكن المشكلة حدثت بعد أن انتقلت إلى الرفيق الأعلى– اللـه يرحمني برحمته- إذ إنني لم أعط سر الوهم لأحد من أبنائي أو أحفادي، ، فصار الناس لا يهابون السلطة ويخرقون القانون على عينك يا تاجر، حتى السجن الصغير لم يعد يستخدم لزج المجرمين فيه، وإنما لزج كل من يسأل عن سلاح الوهم ويشكك في نزاهة وعدالة من جاء بعدي، في ظل غياب العقاب والثواب انتشر الفساد ومازال حتى يومنا هذا وإلى أن يرث اللـه الأرض وما عليها نقطة أول السطر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن