هل نحن أمام ممثلٍ سيصل إلى العالمية … محمود نصر ممثل يسبر أغوار الشخصية ليقدمها كما يجب بغض النظر عن موقفنا منها
| أحمد محمد السّح
بات عبئاً على من يشتغل في الصحافة أن يكتب كلمة حقٍّ في نجمٍ مشهور، لأن صحفيي التسلق على أكتاف النجوم لم يتركوا لكلمة الحق مكاناً تقال فيه، فبعد أن عاشت الصحافة زمناً طويلاً صانعةً للنجوم، ولعب الإعلام بكل ميادينه الدور الأبرز في توجيه الجمهور إلى الفن الحقيقي تمييزاً له عن الفن المبهرج الفارغ، درجت العادة في السنوات الأخيرة بأن يتراكض صحفيو الضوء متكئين على أقلامهم المكسورة ليسرقوا من أضواء الفنانين المشهورين شهرة، لا بل إن هذه الطريقة صارت منهجاً مكرساً في السنوات الأخيرة، مع فراغ الأداء الفني بمجمله، وخواء وسائل التواصل الاجتماعي الذي نعيش فيه.
وهذا ما يعرفه الفنانون حق المعرفة لكنهم كثيراً ما يضطرون للتواطؤ معه راضين بذلك أو مرغمين عليه، وهذا أمر معقول ومقبول إلا أن تحوله إلى هدف حرف الفنان عن مهمته الأساسية ودوره تجاه الفن والجمهور، وبات يعتمد في شهرته على «الفانز واللايكات وخلافه» من هذه البضاعة من دون أن يركز على الدور الذي نذر حياته لأجله.
الندم علامة مميزة
في السنوات الماضية برز اسم الفنان السوري «محمود نصر» بيننا في مسلسل «الندم» نص «حسن سامي يوسف» وإخراج «الليث حجو» وعاش الجمهور مع شخصية عروة أمل الكتابة في الحرب، لا بل إن جيلاً كان قد نسي دور الأدب وقيمة الكلمة، أعاده هذا العمل إلى المكان الأجمل ليكتب مشاعره، بدل الاحتقان الذي تفرضه ظروف الحرب والاقتصاد ضمن إطار مشوق لعمل استثنائي سيظل محطة في الدراما السورية لسنوات، وقتها حصل إجماع جماهيري ونقدي على أهمية الفنان محمود نصر، وانهالت العروض الفنية عليه، لكن محمود وقتها وكان قد عمل لسنوات في أدوار مهمة أو ثانوية، عرف أن بهرجة الشهرة في عمل واحد بائدة إن لم تستتبع بخطوات ثابتة قادرة على تركيز أدواته، وغاب عن الدراما التلفزيونية، وركز على المسرح والسينما، فلابدّ أن نذكر: «سوريون والاعتراف»، لباسل الخطيب، و«كأنو مسرح» لغسان مسعود من دون أن يقع في صيغة الموافقة على أي عمل ساعياً من أجل شهرة أو مال فحسب، بل اعتمد بشكلٍ أساسي على التركيز على موهبته، وصقلها ومن يعرف محمود نصر شخصياً يعرف أنه فنان يقرأ ويهتم بصحبة الكتاب، ومحافظٌ على تواضعه في التعامل مع الناس، من دون أن يحرم روحه من مساحتها الخاصة، بعيداً عن تراكض المعجبين والمعجبات.
ممالك النار نحو العالمية
هذا العام وخلال هذه الأيام ظهر مسلسل «ممالك النار» بشكلٍ مفاجئ للجمهور، وفق خطة إعلانية محسوبة، لم يعرف بها حتى خاصة الخاصة إلا حين قررت شركة الإنتاج الإفصاح عنها، فبدأ العمل وبدأ الترقب، وكانت النظرة الأولى أننا أمام عملٍ ضخم الإنتاج يضم ممثلين من كل الوطن العربي، وفنيين من كل أنحاء العالم، المخرج بريطاني الجنسية «بيتر ويبر» وكان البطل الذي يجسد شخصية السلطان العثماني «سليم الأول» هو النجم السوري «محمود نصر».
يعرف الكثيرون أن الفن لم يعد بريئاً وهو يدخل ضمن إطار الحرب الناعمة بين المحاور والدول، وأن المملكة السعودية وحلفها، اختاروا هذا العمل بالتحديد، لضرب الصورة التركية التي تحاول تركيا تلميعها، ولكن بالمقابل إن متابعاً لعدد قليل من حلقات مسلسل «حريم السلطان» يعرف أن تركيا في هذا العمل ناقشت مرحلة من السلطنة العثمانية ولم تكن شركة الإنتاج رؤوفةً بشخصية أي واحد من السلاطين، فتاريخهم الدموي لا يمكن تزيينه، وخروجاً عن هذا السياق السياسي المتعب، كان لا بد من التركيز على أداء ممثل عشقه الجمهور السوري على الأقل في دور الشاب الجذاب العاشق والمثقف الذي يحلم الشباب أن يجسدوه وتحلم الشابات أن يرتبطن بأمثاله، ليكون أمام شخص سليم الأول، بتعابير وجه غاية في التفصيل يتم حساب النفس، وارتفاع الشفة، ونظرة العين، حتى التجشؤ، يظهر منعكساً لشخصية كانت من أكثر الشخصيات العثمانية شراً وطمعاً في السلطة.
العمل على التفاصيل التاريخية
مبررات شخصية سليم الأول معها، وهي لا تحتاج ممن سيؤديها إلى أن يدافع عنها أو يتورط في إيجاد مبررات لأفعالها، وما سيكتبه الكاتب مهما كان موجهاً فلن يستطيع إقصاء تفاصيل تاريخية، إنما ستكون مهمته إيجاد رابط درامي ليضع الحدث التاريخي في سياقه فقط، وما فعله محمود نصر هو أنه راجع الكثير من الأبحاث والكتب التي تناولت السلطان القاطع أو الرهيب كما لقبه الصليبيون، معتمداً على دراسته الأكاديمية، لا ليقول لنا إنه في هذا المشهد سيقتل، ولا كيف سيقتل، فهذا سنعرفه من أي مؤدٍّ، إنما يرينا نصر نظرة عين قادرة على إظهار متعة القتل في داخل سليم الأول، وهو في مشاهد كثيرة كما يعرف الكتاب التاريخي أن السلطان سليم الأول لم يكن ماجناً أي إنه لم يكن يعتبر المرأة إلا سبيلاً لقضاء غريزته واستكمال نسله، وهذه ستظهر في المشاهد، ولكن الممثل محمود نصر أبدى اهتمامهُ فقط بأمه، على حين حتى زوجاته عاملهن كبشرٍ عاديين مقامهن يحكم عليهن من خلال موقفهن من السلطة هدفه الأساسي في الحياة.
الفهم والأداء
يستطيع المشاهد من خلال فهم محمود نصر لهذه الشخصية وتبنّيها أن يفهم كل انطباع تقوم به شخصية السلطان سليم الأول، ففي هذا الأداء نجد لغةً عالية المستوى ورشاقةً في اللغة، وسلامة تامةً في نطق الحروف، وحركة اليدين، مع الاحتفاظ بالمبالغة بالأداء وهو ما شدّ المشاهد وامتاز به نصر عن غيره من بقية الممثلين الذين احترفوا أداءهم في العمل، فمن الصحيح أننا أمام مخرج محترف وشركة سخية لكن التفرّد الذي امتاز به نصر شد اهتمام المشاهد العربي ولفت كل من لهم علاقةٌ بالنقد الفني ليس في سورية وحدها بل في المنطقة العربية كلها، والأكيد في العالم، متجاوزين موقفهم من السلطان سليم الأول أو ملاحظاتهم على العمل وتوظيفه، فقبل شهرين وأكثر ظهر فيلم «الجوكر» من بطولة خوان فينيكس، وقد احتفى به عشاق السينما جميعاً، ثم انهالت بعض الانتقادات على العمل، لكن الجميع جمعهم موقف واحد حول أداء فينيكس الممتاز للشخصية، واليوم الحالة نفسها تصيب الجميع مع شخصية سليم الأول، فإذا كنا مختلفين حول سليم فنحن مجتمعون حول محمود نصر، ولدينا من هو أهم من فينيكس نحن أمام ممثل يسير بخطوات ثابتة إلى العالمية سينال دوره من دون شك في التلاعب بشبابيك تذاكر السينما في العالم، وسنفتخر جميعاً بأننا نتشارك معه الجنسية السورية ونقول هذا مبدعٌ من بلدنا التي لا ينضب فيها الإبداع.