سورية

أكد في مقابلة مع تلفزيون «Rai News 24» الإيطالي أن أوروبا كانت اللاعب الرئيس في خلق الفوضى بسورية … الرئيس الأسد: المجتمع السوري أفضل بكثير ومستقبل سورية واعد ونعالج الأيديولوجيا الظلامية الوهابية

| الوطن

بشفافيته المعهودة في كل لقاءاته الصحفية، أكد الرئيس بشار الأسد، أن وضع المجتمع السوري «أفضل بكثير، حيث أننا تعلمنا العديد من الدروس من هذه الحرب»، معرباً عن اعتقاده بأن «مستقبل سورية واعد، لأن من الطبيعي أن نخرج من هذه الحرب أكثر قوة».
وأجرت المدير التنفيذية لقناة «Rai News 24» الايطالية مونيكا ماجيوني، لقاءً صحفياً مع الرئيس الأسد، كان من المقرر أن تبثه المحطة الإيطالية صباح الإثنين في الثاني من الشهر الجاري، إلا أن المحطة لم تفعل، واعتبر بيان صادر عن «المكتب السياسي والإعلامي في رئاسة الجمهورية» تصرف القناة «مثالاً آخر على المحاولات الغربية لإخفاء الحقيقة عن الوضع في سورية»، مشيراً إلى أن المكتب «سيبث المقابلة بالكامل على حسابات الرئاسة على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى الإعلام الوطني»، وتم ذلك مساء أمس.
وفي هذا اللقاء لفت الرئيس الأسد إلى أن الجيش السوري حقق تقدماً على مدى السنوات القليلة الماضية، وحرر العديد من المناطق من الإرهابيين، ورأى الرئيس الأسد أن الوضع السياسي أصبح أكثر تعقيداً بسبب وجود عدد أكبر من اللاعبين المنخرطين في الصراع السوري من أجل إطالة أمده وتحويله إلى حرب استنزاف.
وجدد الرئيس الأسد التأكيد أن ما يجري في سورية ليست «حرباً أهلية» كما تحاول الرواية الغربية تصويره، وإنما حرب ضد إرهابيين مدعومين من قوى خارجية ولديهم المال والسلاح.
وأوضح، أن الدولة السورية تعمل على معالجة الأيديولوجيا الظلامية الوهابية التي عملت التنظيمات الإرهابية إن كان داعش أو «جبهة النصرة» أو «حركة أحرار الشام الإسلامية» على تجذيرها في عقول الناس في المناطق التي كانت تحتلها.
وأوضح الرئيس الأسد أنه وبسبب الدور الأميركي السلبي، والدور الغربي السلبي فيما يتعلق بتركيا والأكراد، تدخل الروس من أجل تحقيق التوازن مع ذلك الدور، لجعل الوضع أقل سوءاً، موضحاً أن «هذا هو دورهم في هذه الأثناء، أما في المستقبل، فموقفهم واضح جداً: سيادة سورية وسلامة أراضيها، وسيادة سورية وسلامة أراضيها يتناقضان مع الغزو التركي، وهذا واضح بجلاء».
وأكد، أن روسيا لم تساوم بشأن سيادة سورية، بل «إنهم يتعاملون مع الواقع. وهناك واقع سيء، وبالتالي عليك أن تنخرط فيه، ولا أقول للمساومة، لأن هذا ليس حلاً نهائياً»، موضحاً أنه «قد تكون مساومة فيما يتعلق بوضع قصير الأمد، لكن على المدى الطويل، أو المتوسط، ينبغي على تركيا أن ترحل وليس هناك أي شك في ذلك».
واعتبر الرئيس الأسد، أن مشكلة اللاجئين التي تعاني منها الدول الأوروبية اليوم سببها هو الإرهاب المدعوم من أوروبا ومن الولايات المتحدة وتركيا وآخرين؛ لافتاً إلى أن أوروبا كانت اللاعب الرئيس في خلق هذه الفوضى في سورية، وبالتالي «كما تزرع تحصد».
وأوضح أنه رد على الرسالة التي أرسلها البابا فرنسيس وتمحورت حول قلقه بشأن المدنيين في سورية، وقال: «كان لدي ذلك الانطباع بأن الصورة ليست مكتملة لدى الفاتيكان، وهذا متوقع»، مشيراً إلى أن رده كان برسالة تشرح للبابا الواقع في سورية، و«بأننا أول وأكثر من يهتم بحياة المدنيين»، لافتاً إلى أنه ينبغي على دولة الفاتيكان، أو أي دولة، أن تعالج الأسباب، ومعرباً عن أمله في أن يلعب الفاتيكان ذلك الدور داخل أوروبا وفي العالم، لإقناع العديد من الدول بالتوقف عن التدخل في المسألة السورية، والتوقف عن انتهاك القانون الدولي.

وفيما يلي نص المقابلة

سيادة الرئيس، شكراً لكم على استقبالنا، هل لكم أن تخبرونا عن ماهية الوضع في سورية الآن؟ ما هو الوضع على الأرض، وماذا يحدث في البلاد؟

•• لو أردنا الحديث عن المجتمع السوري، فإن الوضع أفضل بكثير، حيث أننا تعلمنا العديد من الدروس من هذه الحرب، وأعتقد أن مستقبل سورية واعد، لأن من الطبيعي أن نخرج من هذه الحرب أكثر قوة.
فيما يتعلق بالوضع على الأرض، فإن الجيش السوري يحقق تقدماً على مدى السنوات القليلة الماضية، وحرر العديد من المناطق من الإرهابيين وبقيت إدلب، حيث توجد جبهة النصرة المدعومة من الأتراك، وهناك أيضاً الجزء الشمالي من سورية، حيث غزا الأتراك أراضينا الشهر الماضي.
أما فيما يتعلق بالوضع السياسي يمكن القول: إنه أصبح أكثر تعقيداً بسبب وجود عدد أكبر من اللاعبين المنخرطين في الصراع السوري من أجل إطالة أمده وتحويله إلى حرب استنزاف.

العفو للجميع

عندما تتحدثون عن التحرير، نعلم أن هناك رؤية عسكرية في ذلك الشأن، لكن ماذا عن الوضع الآن بالنسبة للأشخاص الذين قرروا العودة إلى المجتمع؟ أين وصلت عملية المصالحة؟ هل تحقق نجاحاً أم لا؟

•• في الواقع، أن النهج الذي تبنيناه عندما أردنا خلق مناخٍ إيجابي أسميناه المصالحة، لكن من أجل تمكين الناس من العيش معاً، ولتمكين أولئك الذين عاشوا خارج المناطق التي تسيطر عليها الحكومة من العودة إلى المؤسسات وسيادة القانون، منحنا العفو للجميع، وسيتخلى هؤلاء عن أسلحتهم ويلتزمون بالقوانين.
الوضع ليس معقداً فيما يتعلق بهذه القضية، وقد تتاح لكِ الفرصة لزيارة أي منطقة، وسترين أن الحياة تعود إلى وضعها الطبيعي، فالمشكلة لم تكن في أن «الناس كانوا يقاتلون بعضهم بعضاً»؛ ولم يكن الوضع، كما تحاول الرواية الغربية تصويره، أن السوريين يقاتلون بعضهم بعضاً، أو أنها «حرب أهلية» كما يسمونها، هذا تضليل، وواقع الحال هو أن الإرهابيين كانوا يسيطرون على تلك المنطقة ويطبقون قواعدهم، وعندما لا يعود أولئك الإرهابيون موجودين، سيعود الناس إلى حياتهم الطبيعية ويعيشون مع بعضهم بعضاً.

لم تكن هناك حربٌ طائفية ولا حربٌ عرقية ولا حرب سياسية، بل كان هناك إرهابيون مدعومون من قوى خارجية ولديهم المال والسلاح، ويحتلون تلك المنطقة.

الأيديولوجيا الظلامية الوهابية

هل لديكم مخاوف من أن هذا النوع من الأيديولوجيا الذي طبق وأصبح أساساً لحياة الناس اليومية لسنوات عديدة، يمكن أن يظل، بطريقة أو بأخرى، موجوداً في المجتمع وأن يعود إلى الظهور عاجلاً أم آجلاً؟

•• هذا هو أحد التحديات الرئيسة التي نواجهها، وما طرحته صحيح تماماً، فلدينا مشكلتان، وتلك المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة كان يتحكم بها أمران: الفوضى، بسبب غياب القانون، وبالتالي لا يعرف الناس، خصوصاً الأجيال الشابة، شيئاً عن الدولة والقانون والمؤسسات. والأمر الثاني، متجذر بعمق في العقول، وهو الأيديولوجيا الظلامية الوهابية، إن كان داعش أو النصرة أو أحرار الشام، أو أي نوع من هذه الأيديولوجيات الإسلامية الإرهابية المتطرفة، والآن، بدأنا بالتعامل مع هذا الواقع، لأنه عندما يتم تحرير منطقة، ينبغي حل هذه المشكلة، وإلا فما معنى التحرير؟ الجزء الأول من الحل هو ديني، لأن هذه الأيديولوجيا هي أيديولوجيا دينية، ورجال الدين السوريون، أو لنقل المؤسسة الدينية في سورية، تبذل جهداً كبيراً في هذا المجال، وقد نجحوا في مساعدة هؤلاء الناس على فهم الدين الحقيقي، وليس الدين الذي علمتهم إياه جبهة النصرة أو داعش أو الفصائل الأخرى.

إذاً، فقد كان رجال الدين والجوامع، بشكل أساسي، جزءاً من عملية المصالحة هذه؟

•• هذا هو الجزء الأكثر أهمية، الجزء الثاني يتعلق بالمدارس؛ ففي المدارس، هناك مدرسون وتعليم، وهناك المنهاج الوطني، وهذا المنهاج مهم جداً لتغيير آراء تلك الأجيال الشابة، ثالثاً، هناك الثقافة ودَوْر الفنون والمثقفين، وما إلى ذلك.
في بعض المناطق، لا يزال من الصعب لعب ذلك الدور، وبالتالي كان من الأسهل علينا أن نبدأ بالدين، ومن ثم بالمدارس.

روسيا وتركيا

لنعد إلى السياسة للحظة، لقد ذكرتم تركيا، صحيح؟ وقد كانت روسيا أفضل حلفائكم على مدى هذه السنوات، وهذا ليس سراً، لكن روسيا تساوم تركيا على بعض المناطق التي تعتبر جزءاً من سورية، كيف تقيّمون ذلك؟

•• لفهم الدور الروسي، علينا أن نفهم المبادئ الروسية، فالروس يعتبرون أن القانون الدولي، والنظام الدولي الذي يستند إليه، هو في مصلحة روسيا ومصلحة العالم أجمع، وبالتالي، فإن دعم سورية، بالنسبة لهم، هو دعم للقانون الدولي. هذه نقطة.

النقطة الثانية هي أن عملهم ضد الإرهابيين هو في مصلحة الشعب الروسي وفي مصلحة العالم بأسره، وبالتالي، فإن قيامهم بـ«مساومات» مع تركيا لا يعني أنهم يدعمون الغزو التركي، لكنهم أرادوا أن يلعبوا دوراً لإقناع الأتراك بأن عليهم أن يغادروا سورية.

إنهم لا يدعمون الأتراك، إنهم لا يقولون: «هذا واقع جيد ونحن نقبله، ويتعين على سورية قبوله»، إنهم لا يقولون ذلك، ولكن، وبسبب الدور الأميركي السلبي، والدور الغربي السلبي فيما يتعلق بتركيا والأكراد، تدخل الروس من أجل تحقيق التوازن مع ذلك الدور، لجعل الوضع، أنا لا أقول أفضل الآن، وإنما أقل سوءاً، إذا توخينا الدقة.
إذاً، هذا هو دورهم في هذه الأثناء، أما في المستقبل، فموقفهم واضح جداً: سيادة سورية وسلامة أراضيها، وسيادة سورية وسلامة أراضيها تتناقضان مع الغزو التركي، وهذا واضح بجلاء.

إذاً، تقولون إن الروس يمكن أن يساوموا، لكن سورية لن تساوم تركيا، أقصد أن العلاقة لا تزال متوترة تماماً؟

•• لا حتى الروس لم يساوموا بشأن السيادة، إنهم يتعاملون مع الواقع، وهناك واقع سيء، وبالتالي عليك أن تنخرط فيه، ولا أقول للمساومة، لأن هذا ليس حلاً نهائياً، وقد تكون مساومة فيما يتعلق بوضع قصير الأمد، لكن على المدى الطويل، أو المتوسط، ينبغي على تركيا أن ترحل، وليس هناك أي شك في ذلك.

وعلى المدى البعيد، هل هناك خطة لإجراء نقاشات بينكم وبين السيد أردوغان؟

•• لن أشعر بالفخر إذا تعين عليّ ذلك يوماً ما؛ بل سأشعر بالاشمئزاز من التعامل مع مثل هذا النوع من الإسلاميين الانتهازيين. ليسوا مسلمين، بل إسلاميون، وهذا مصطلح آخر، مصطلح سياسي.
لكنني أقول دائماً: إن وظيفتي لا تتعلق بمشاعري، ولا بأن أكون سعيداً أو غير سعيد بما أفعله، وظيفتي تتعلق بمصالح سورية، وبالتالي، أينما كانت تلك المصالح سأتجه.

أوروبا ودعمها للإرهاب

في الوقت الراهن، عندما تنظر أوروبا إلى سورية، بصرف النظر عن اعتباراتها بشأن البلد، ثمة قضيتان رئيسيتان: الأولى تتعلق باللاجئين، والثانية تتعلق بالجهاديين أو المقاتلين الأجانب وعودتهم إلى أوروبا. كيف تنظر إلى هذه الهواجس الأوروبية؟

•• بداية، علينا أن نبدأ بسؤال بسيط: من خلق هذه المشكلة؟ لماذا لديكم لاجئون في أوروبا؟ إنه سؤال بسيط، لأن الإرهاب مدعوم من أوروبا، وبالطبع من الولايات المتحدة وتركيا وآخرين؛ لكن أوروبا كانت اللاعب الرئيسي في خلق هذه الفوضى في سورية، وبالتالي كما تزرع تحصد.

لماذا تقول إن أوروبا كانت اللاعب الرئيسي؟

•• لأن الاتحاد الأوروبي دعم علناً الإرهابيين في سورية منذ اليوم الأول، أو لنقل الأسبوع الأول، ومن البداية حمّلوا المسؤولية للحكومة السورية؛ وبعض الأنظمة، كالنظام الفرنسي، أرسلت لهم الأسلحة، وهم قالوا ذلك، أحد مسؤوليهم، أعتقد أنه كان وزير الخارجية (لوران) فابيوس الذي قال: «إننا نرسل أسلحة». هم أرسلوا الأسلحة وخلقوا هذه الفوضى، ولذلك فإن عدداً كبيراً من الناس، ملايين الناس، لم يعد بإمكانهم العيش في سورية ووجدوا صعوبة في ذلك، وبالتالي كان عليهم الخروج منها.

الاضطرابات المجاورة

في اللحظة الراهنة، هناك اضطرابات في المنطقة، وهناك نوع من الفوضى، وأحد حلفاء سورية الآخرين هي إيران، والوضع هناك يسير نحو التعقيد، فهل لذلك أي انعكاس على الوضع في سورية؟

•• بالتأكيد، فكلما كانت هناك فوضى، ستنعكس سلباً على الجميع، وستكون لها آثار جانبية وتبعات، خصوصاً عندما يكون هناك تدخل خارجي.

إن كان الأمر عفوياً، وإن كنت تتحدثين عن تظاهرات وأناس يطالبون بالإصلاح أو بتحسين الوضع الاقتصادي، أو أي حقوق أخرى، فإن ذلك إيجابي، لكن عندما تكون عبارة عن تخريب ممتلكات وتدمير وقتل وتدخل من قبل القوى الخارجية، فلا يمكن لذلك إلا أن يكون سلبياً، لا يمكن إلا أن يكون سيئاً وخطيراً على الجميع في هذه المنطقة.

هل أنتم قلقون حيال ما يحدث في لبنان، وهو جاركم الأقرب؟

•• الشيء نفسه بالطبع، لبنان سيؤثر على سورية أكثر من أي بلد آخر لأنه جارنا المباشر، لكن مرة أخرى، إذا كان ما يحدث عفوياً ويتعلق بالإصلاح والتخلص من النظام السياسي الطائفي، فإنه سيكون جيداً للبنان، ومجدداً، فإن ذلك يعتمد على وعي الشعب اللبناني بألا يسمح لأي كان من الخارج بأن يحاول استغلال التحرك العفوي أو المظاهرات في لبنان.

الرد على البابا

لنعد إلى ما يحدث في سورية. في حزيران، بعث البابا فرنسيس لكم برسالة يطلب فيها منكم الاهتمام بالناس واحترامهم، خصوصاً في إدلب، حيث ما يزال الوضع متوتراً جداً بسبب القتال هناك، وحتى عندما يتعلق الأمر بمعاملة السجناء، هل رددتم عليه، وماذا كان ردكم؟

•• تمحورت رسالة البابا حول قلقه بشأن المدنيين في سورية، وكان لدي ذلك الانطباع بأن الصورة ليست مكتملة لدى الفاتيكان، وهذا متوقع، بالنظر إلى أن الرواية في الغرب تدور حول هذه «الحكومة السيئة» التي تقتل «شعباً طيباً».
وكما ترين وتسمعين في نفس وسائل الإعلام بأن كل طلقة يطلقها الجيش السوري وكل قنبلة يرميها لا تقتل سوى المدنيين ولا تقع إلا على المستشفيات! إنها لا تقتل الإرهابيين بل تختار أولئك المدنيين! وهذا غير صحيح.

بالتالي، رددت برسالة تشرح للبابا الواقع في سورية، وبأننا أول وأكثر من يهتم بحياة المدنيين، لأنك لا تستطيعين تحرير منطقة في حين يكون الناس فيها ضدك، لا تستطيعين التحدث عن التحرير في حين المدنيون أو المجتمع ضدك، والجزء المحوري الأهم في تحرير أي منطقة عسكرياً هو أن تحظى بالدعم الشعبي في تلك المنطقة بشكل عام، وهذا ما كان واضحاً على مدى السنوات التسع الماضية.

لكن هل جعلتك تلك الدعوة تفطن، بطريقة ما، بأهمية حماية المدنيين وحماية الناس في بلدكم؟

•• لا، فهذا ما نفكر فيه كل يوم، وليس من منظور الأخلاق والمبادئ والقيم وحسب، بل من منظور المصالح أيضاً.
كما ذكرت قبل قليل، فدون هذا الدعم، من دون الدعم الشعبي، لا يمكن تحقيق شيء، لا يمكن تحقيق التقدم سياسياً، أو عسكرياً، أو اقتصادياً أو في أي وجه من الوجوه، وما كنا سنتمكن من الصمود في هذه الحرب لتسع سنوات دون الدعم الشعبي، كما لا يمكنك أن تحظي بالدعم الشعبي في حين تقومين بقتل المدنيين، إنها معادلة بدهية لا يمكن لأحد دحضها، ولذلك قلت إنه بصرف النظر عن هذه الرسالة، فإن هذا هو هاجسنا.

لكن الفاتيكان دولة، ونعتقد أن دور أي دولة، إن كان لديها قلق بشأن أولئك المدنيين، هو أن تعود إلى السبب الرئيس، والسبب الرئيس هو الدعم الغربي للإرهابيين، والعقوبات المفروضة على الشعب السوري التي جعلت الوضع أسوأ بكثير، وهذا سبب آخر لوجود اللاجئين في أوروبا الآن.

كيف تتسق رغبتكم بعدم وجود اللاجئين في حين تقومون في الوقت نفسه بخلق كل الأوضاع أو الأجواء التي تقول لهم: «اخرجوا من سورية واذهبوا إلى مكان آخر»؟ وبالطبع، فإنهم سيذهبون إلى أوروبا.
إذاً، ينبغي على هذه الدولة، أو أي دولة، أن تعالج الأسباب، ونأمل أن يلعب الفاتيكان ذلك الدور داخل أوروبا وفي العالم، لإقناع العديد من الدول بالتوقف عن التدخل في المسألة السورية، والتوقف عن انتهاك القانون الدولي، هذا كافٍ، فكل ما نريده هو التزام الجميع بالقانون الدولي، وعندها سيكون المدنيون في أمان، وسيعود النظام، وسيكون كل شيء على ما يرام، ولا شيء سوى ذلك.

تقرير دوما

لقد اُتهمتم مرات عدة باستخدام الأسلحة الكيميائية، وشكل ذلك أداة لاتخاذ العديد من القرارات، ونقطة رئيسة، وخطاً أحمر ترتبت عليه العديد من القرارات، وقبل عام أو أكثر من ذلك بقليل، وقع حادث دوما اعتبر خط أحمر آخر، وبعد ذلك، كانت هناك عمليات قصف، وكان يمكن أن تكون أسوأ، لكن شيئاً ما توقف.

هذه الأيام، ومن خلال ويكيليكس، يتبين أن خطأً ما ارتكب في التقرير. إذاً، لا أحد يستطيع حتى الآن أن يقول ما حصل، إلا أن خطأ ما ربما حدث خلال صياغة التقرير حول ما جرى، ما رأيكم؟

•• نحن نقول دائماً، ومنذ بداية هذه الرواية المتعلقة بالأسلحة الكيميائية، إننا لم نستخدمها، ولا نستطيع استخدامها، ومن المستحيل استخدامها في وضعنا، لعدة أسباب، دعينا نقل أسباباً لوجستية.

أعطني سبباً واحداً!

•• سبب واحد وبسيط جداً هو أننا عندما نكون في حالة تقدم، لماذا نستخدم الأسلحة الكيميائية؟! نحن نتقدم، فلماذا نحتاج لاستخدامها؟! نحن في وضع جيد جداً، فلماذا نستخدمها؟! خصوصاً في العام 2018، هذا سبب.
السبب الثاني، ثمة دليل ملموس يدحض هذه الرواية: عندما تستخدمين الأسلحة الكيميائية، فأنتِ تستخدمين سلاح دمار شامل، أي تتحدثين عن آلاف القتلى، أو على الأقل مئات، وهذا لم يحدث أبداً، مطلقاً، وهناك فقط تلك الفيديوهات التي تصوّر مسرحيات عن هجمات مفبركة بالأسلحة الكيميائية، وفي التقرير الذي ذكرته، طبقاً للتسريبات الأخيرة، ثمة عدم تطابق بين ما رأيناه في الفيديوهات وما رأوه كتقنيين وخبراء.

كما أن كمية الكلور التي يتحدثون عنها، وبالمناسبة فإن الكلور ليس سلاح تدمير شامل، هذا أولاً، وثانياً، الكمية التي عثروا عليها هي نفس الكمية التي يمكن أن تكون لديك في منزلك، لأن هذه المادة، كما تعرفين، موجودة في العديد من المنازل، ويمكن أن تستعمليها ربما في التنظيف، أو لأي غرض آخر، نفس الكمية بالتحديد، وما فعلته منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، هو فبركة وتزوير التقرير لمجرد أن الأميركيين أرادوا منهم فعل ذلك.

لذلك، لحسن الحظ، فإن هذا التقرير أثبت أن كل ما كنا نقوله على مدى السنوات القليلة الماضية، منذ العام 2013، كان صحيحاً، ونحن كنا محقّين، وهم كانوا مخطئين، وهذا هو الدليل، الدليل الملموس بشأن هذه القضية.
إذاً، مرة أخرى تثبت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية انحيازها، وأنها مسيّسة ولا أخلاقية، وتلك المنظمات التي ينبغي أن تعمل بالتوازي مع الأمم المتحدة على خلق المزيد من الاستقرار في سائر أنحاء العالم، تُستخدم كأذرع لأميركا والغرب لخلق المزيد من الفوضى.

بعد تسع سنوات من الحرب، تتحدثون عن أخطاء الآخرين، وأودّ أن تتحدثوا عن أخطائكم، إذا كان هناك أي أخطاء. هل هناك شيء كان يمكن أن تفعلوه بطريقة مختلفة، وما الدرس الذي تعلمتموه ويمكن أن يساعد بلدكم؟

•• بالتأكيد، فعندما تتحدثين عن فعل أي شيء، لابد أن تجدي أخطاء، وهذه هي الطبيعة البشرية، لكن عندما تتحدثين عن الممارسة السياسية، لنقل، ثمة شيئان: هناك الإستراتيجيات أو القرارات الكبرى، وهناك التكتيك، أو لنقل التنفيذ.
وهكذا، فإن قراراتنا الإستراتيجية أو الرئيسة تمثلت في الوقوف في وجه الإرهاب، وإجراء المصالحات والوقوف ضد التدخل الخارجي في شؤوننا، وحتى اليوم بعد تسع سنوات، ما زلنا نتبنى نفس السياسة، بل بتنا أكثر تمسكاً بها، ولو كنّا نعتقد أنها كانت خاطئة، لغيرناها، وفي الواقع، فإننا لا نعتقد أنه كان هناك أي خطأ فيها، لقد قمنا بمهمتنا، وطبقنا الدستور في حماية الشعب.

الآن، إذا تحدثنا عن الأخطاء في التنفيذ، فبالطبع يوجد العديد منها، لكن أعتقد أنك إذا أردت التحدث عن الأخطاء المتعلقة بهذه الحرب فلا ينبغي أن نتحدث عن القرارات المتخذة خلالها، لأن الحرب، في جزء منها، هي نتيجة لأمور حدثت قبلها.
هناك شيئان واجهناهما خلال هذه الحرب: الأول هو التطرف، والتطرف نشأ في هذه المنطقة في أواخر ستينيات القرن العشرين وتسارع في ثمانينياته، خصوصاً الأيديولوجيا الوهابية.

إذا أردت التحدث عن الأخطاء في التعامل مع هذه القضية، نعم، سأقول إننا كنّا متساهلين جداً مع شيء خطير جداً، وهذا خطأ كبير ارتكبناه على مدى عقود، وأتحدث هنا عن حكومات مختلفة، بما في ذلك حكومتنا قبل هذه الحرب.
الشيء الثاني هو عندما يكون هناك أشخاص مستعدون للثورة ضد النظام العام، وتدمير الممتلكات العامة والتخريب، وما إلى ذلك، ويعملون ضد بلدهم، ويكونون مستعدين للعمل مع قوى أجنبية وأجهزة استخبارات أجنبية، ويطلبون التدخل العسكري الخارجي ضد بلادهم، فهناك سؤال آخر: هو كيف وجد هؤلاء بيننا؟ إن سألتني كيف، سأقول لك إننا قبل الحرب، كان لدينا نحو 50 ألف خارج عن القانون لم تقبض عليهم الشرطة، على سبيل المثال. وبالنسبة لأولئك الخارجين عن القانون فإن عدوهم الطبيعي هو الحكومة، لأنهم لا يريدون أن يدخلوا السجن.

الوضع الاقتصادي

وماذا عن الوضع الاقتصادي أيضا؟ لأن جزءاً مما حدث، لا أعلم ما إذا كان جزءاً كبيراً أم صغيراً، تمثل في سخط السكان والمشاكل التي عانوا منها في مناطق معينة لم يكن الاقتصاد ناجحاً فيها. هل يشكل هذا درساً ما تعلمتموه؟

•• قد يشكل هذا عاملاً، لكنه بالتأكيد ليس عاملاً رئيساً، لأن البعض يتحدث عن أربع سنوات من الجفاف دفعت الناس لمغادرة أراضيهم في المناطق الريفية والذهاب إلى المدن، وبالتالي يمكن أن تكون تلك مشكلة، لكنها ليست المشكلة الرئيسة.
البعض أيضاً يتحدث عن السياسات الليبرالية. لم يكن لدينا سياسة ليبرالية، بل ما نزال اشتراكيين، وما يزال لدينا قطاع عام كبير جداً في الحكومة، لا يمكن الحديث عن سياسة ليبرالية في حين لديك قطاع عام كبير، وكنّا نحقق نمواً جيداً.
مرة أخرى بالطبع، وفي أثناء تنفيذ سياستنا، يتم ارتكاب أخطاء. كيف يمكن خلق فرص متكافئة بين الناس، بين المناطق الريفية والمدن؟ عندما تفتح الاقتصاد بشكل ما، فإن المدن ستستفيد بشكل أكبر، وسيؤدي هذا إلى المزيد من الهجرة من المناطق الريفية إلى المدن.

قد تكون هذه عوامل، وقد يكون لها بعض الدور، لكنها ليست هي القضية، لأنه في المناطق الريفية، حيث هناك درجة أكبر من الفقر، لعب المال القطري دوراً أكثر فعالية مما لعبه في المدن، وهذا طبيعي؛ إذ يمكن أن يدفع لهم أجر أسبوع على ما يمكن أن يقوموا به خلال نصف ساعة، وهذا أمرٌ جيد جداً بالنسبة لهم.

إعادة الإعمار

شارفنا على الانتهاء، لكن لديّ سؤالين أودُّ أن أطرحهما عليكم. السؤال الأول يتعلق بإعادة الإعمار التي ستكون مكلفة جداً، كيف تتخيلون أنه سيكون بإمكانكم تحمّل تكاليف إعادة الإعمار، ومن الذين يمكن أن يكونوا حلفاءكم في إعادة الإعمار؟

•• ليس لدينا مشكلة كبيرة في ذلك، وبالحديث عن أن سورية ليس لديها المال. لا، لأن السوريين في الواقع يمتلكون الكثير من المال. السوريون الذين يعملون في سائر أنحاء العالم لديهم الكثير من المال، وأرادوا أن يأتوا ويبنوا بلدهم؛ لأنك عندما تتحدثين عن بناء البلد، فالأمر لا يتعلق بإعطاء المال للناس، بل بتحقيق الفائدة. أنه عمل تجاري. ثمة كثيرون، وليس فقط سوريين، أرادوا القيام بأعمال تجارية في سورية. إذاً، عند الحديث عن مصدر التمويل لإعادة الإعمار، فالمصادر موجودة، لكن المشكلة هي في العقوبات المفروضة التي تمنع رجال الأعمال أو الشركات من القدوم والعمل في سورية. رغم ذلك، فقد بدأنا وبدأت بعض الشركات الأجنبية بإيجاد طرق للالتفاف على هذه العقوبات، وقد بدأنا بالتخطيط. ستكون العملية بطيئة، لكن لولا العقوبات ما كان لدينا أي مشكلة في التمويل.

كل السوريين ناجون

أودُّ أن أختتم بسؤال شخصي جداً. سيادة الرئيس، هل تشعر بنفسك كناجٍ؟

•• إذا أردت الحديث عن حرب وطنية كهذه، حيث تعرضت كل مدينة تقريباً للأضرار بسبب الإرهاب أو القصف الخارجي أو أشياء من هذا القبيل، عندها يمكنك اعتبار أن كل السوريين ناجون، لكن مرة أخرى أعتقد أن هذه هي الطبيعة البشرية، أن يسعى المرء للنجاة.

وماذا عنك شخصياً؟

•• أنا جزءٌ من هؤلاء السوريين، ولا يمكن أن أنفصل عنهم، ولديّ نفس المشاعر، مرة أخرى، الأمر لا يتعلق بأن تكون شخصاً قوياً ناجياً، لو لم يكن لديك هذا المناخ، هذا المجتمع، هذه الحاضنة، إذا جاز التعبير، للنجاة، فإنك لا تستطيعين النجاة. إنها عملية جماعية، ولا تقتصر على شخص واحد. إنها ليست عملاً فردياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن