من دفتر الوطن

في مديح الصبر

| عبد الفتاح العوض

شيء ما في حياة المواطن السوري يجعل منه حقاً سيد الصبر.
هذه الميزة الخاصة التي اكتسبها المواطن السوري أصبحت جزءاً من جيناته.
وقد بدا واضحاً خلال السنوات الأخيرة أن ميزة الصبر هذه قادرة على جعله يبدع في تجاوز «صعاب صعبة»، ففي سنوات الحرب، وفي سنوات المحن والمصائب تختبر معادن الناس.
وفي هذه المحن المتتالية أثبت المواطن السوري قدرته على التكيف والتأقلم وهذه ميزة الشعوب الحية والقادرة على تجاوز ما يمر بها مهما كان ما يمر مريراً ومؤلماً.
من أين جاءنا الصبر؟!
في علم النفس تعريف خاص للصبر فحواه بأن الصبر هو القدرة على اتخاذ قرارات تجاه مشكلة تفضل فيها المكافأة الكبيرة المؤجلة على المكافأة الصغيرة العاجلة.
في الأديان التعريف يكاد يكون متشابهاً لأنه يقوم على فكرة «ترك الشكوى من ألم البلوى».
وفي علم النفس أيضاً هناك ما يمكن أن نطلق عليه «تعلم الصبر» وهذا حديث يطول على الآليات التي يمكن للإنسان أن يعتاد الصبر وهي تقريباً ذات التقنية التي يسميها الإسلام «التصبر» حسب الحديث النبوي: «ومن تصبر صبّره الله»، على حين يقول جولي مراد: من أركان النجاح المثابرة والصبر، فالأولى تمنحك النوعية والثاني يمنحك الوقت.
لم تكن حياة السوريين على مدى سنوات طويلة ممتدة في التاريخ مفروشة بالورد.. وهذه الأزمات المتتالية التي تظهر أحياناً وتختفي قليلاً إنما هي جزء من تاريخ السوريين على مدى حقب طويلة.
ولعل هذه كانت جزءاً من الدروس القاسية التي علمت السوري على التأقلم والتكيف بانتظار القادم مع الأيام.
وكثرة المأثور سواء الديني أم الشعبي في مديح الصبر والصابرين إنما هي تعبير عن مدى ما مر بالسوري من مصاعب احتاجت إلى الكثير من الصبر.
ثمة أشخاص يعتبرون «الصبر» هو استكانة وخضوعاً وذلاً وأن ما يمكن أن يعلمك إياه الصبر هو الاعتياد على المشكلة وليس حلها.
لكن في الوقت ذاته فإن ما يعلمنا إياه الصبر أن دوام الحال من المحال وأن كثرة المشكلات وتعقيداتها تحتاج دوماً إلى وقت لحلها وأن الأشياء الجميلة إنما تنال بالصبر لأن القدرة على الصبر هي قوة بحدّ ذاتها.
كمٌّ هائل من المشكلات التي يصبر عليها المواطن السوري، وكان من الممكن أن يجعل المسؤولون حياة السوريين أسهل لو كانوا أكثر صدقاً أو حتى أقل كذباً.
لكن المؤسي في هذا أن الوعود تتكرر والمشكلات هي ذاتها تتكرر باستمرار من دون أن يكون هناك حل لها مع كل الوقت الذي استمرت به، ومع كل الصبر الذي دفعه المواطن من جهده وماله.
عندما تتكرر المشكلات نفسها دوماً فإن القائمين على الأمر عاجزون عن حلها.
وفي كل مرة ترى هذه المشكلات كما لو كانت مسلسلاً يعاد عرضه على شاشة الوطن تدرك أن صنّاع المشكلة ليسوا مؤهلين لحلها.. وإن بعض ما يتخذ من قرارات إنما يقع في التجريب الممل.
إن مكافأة المواطن السوري على صبره تتم بالصدق معه وبتأمين حاجاته.. والسوري مواطن ذكي ومتفهم ويعرف حقائق الأشياء ويدرك حجم المعاناة العامة ولديه الإمكانية على المساعدة في حلها لو شرح له المسؤولون ذلك.
الصبر جزء من ثقافة شعوب هذه المنطقة…. مشكلته أنه صبر غير جميل.

أقوال:
– الوهم نصف الداء، والاطمئنان نصف الدواء، والصبر أولى خطوات الشفاء.
– إذا ما ألمت شدة فاصطبر لها.. فخير سلاح المرء في الشدة الصبر.
– أقوى المحاربين هما الوقت والصبر.
– الهجر الجميل: هجر بلا أذى، والصفح الجميل: صفح بلا عتاب، والصبر الجميل: صبر بلا شكوى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن