قضايا وآراء

رئيس أميركا القادم

| د. يوسف جاد الحق

في العام القادم، عام الانتخابات الأميركية التي سوف تسفر إما عن فوز الرئيس الأميركي دونالد ترامب بدورة ثانية، إذا لم يتم عزله راهناً وهو ما يسعى إليه حثيثاً خصومه في الحزب الديمقراطي، وفي هذه الحالة سوف يتولى منصب الرئاسة للمدة الباقية من رئاسته الحالية نائبه الحالي مايك بنس، هذا ما قد يحدث، وإما أن يفوز في تلك الانتخابات منافسه منذ الآن جو بايدن الذي شغل منصب نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إبان فترة رئاسته.
الدلالات والممارسات والوقائع التي أسفرت عنها رئاسة ترامب كلها تشير إلى أن حظه في إمكان شغله المنصب المرموق لدورة ثانية بعيد الاحتمال.
خصوم ترامب في الحزب الديمقراطي يشنون عليه حرباً شعواء منذ الآن بدعوى أنه أساء إلى أميركا بسلوكه الهمجي المتغطرس، البعيد كلياً عن اللياقة واللباقة، وحسن الإدارة والحنكة السياسية، خلق لنفسه بنفسه نفوراً واستهجاناً لدى الكثرة الساحقة من الشعب الأميركي، بل إنه، في نظرهم، أساء إلى أميركا وهبط بمستواها إلى حد فقدانها الكثير من هيبتها كدولة عظمى في عالم اليوم.
الاتهامات التي وجهت لترامب، وعلى كل صعيد، لم يسبق إليها عهد أي رئيس أميركي من قبل، سواء كان ذلك في القضايا السياسية أم المالية أو الأخلاقية، فضلاً عن توجهه العنصري حيال كثير من الدول الصغيرة والفقيرة، بل الكبيرة أحياناً، كما هي الحال في مواقفه من أوروبا شريكة أميركا في الحلف الأطلسي والمواقف الدولية.
سياسة ترامب الاستعلائية نحو أوروبا تحديداً أساءت إلى العلاقات معها، ناهيك عن سياسة العقوبات المرتجلة المجحفة، التي يفرضها هنا وهناك، بمسوغات واهية، حتى من دون أن تقرُه عليها القوانين والشرائع الدولية والمؤسسات القائمة عليها.
أمثلة ذلك موقفه من إيران والعقوبات الضارة بمصالحها، التي فرضها عليها في أكثر من مجال، هكذا اعتباطاً، ولمجرد إرضاء إسرائيل، على حين كان موقفه هو الجدير بالعقاب بانسحابه من الاتفاق النووي الذي أقرته مجموعة«5+1» بمشاركة الرئيس السابق باراك أوباما والدول الغربية وروسيا والصين، من دون أن تقيم وزناً لأي حساب سياسياً كان أو أخلاقياً أو حتى إنسانياً، لأن مثل هذه العقوبات تؤذي مواطني تلك الدول، وهو الذي يدعي أنه حريص على رفاهيتهم وعيشهم الرغيد!
وقل مثل ذلك فيما يتعلق بعلاقاته مع كل من الصين وكوريا الديمقراطية وسورية والعراق وفنزويلا والبرازيل والمكسيك في مسائل عديدة كالرسوم الجمركية وغيرها. ينطبق على هذا الرئيس القول «بأن أحداً لم يسلم من شره وأذاه» على سعة هذا العالم!
لم يترك ترامب لنفسه صديقاً، سوى تلك الدولة المارقة إسرائيل الخارجة على القوانين الدولية وشرائعها، بل إن هذه الدولة حظيت من الرجل بالكثير مما لم تكن تحلم به.
هذه هي الحال مع ترامب ما يدل بوضوح على توقع هزيمته المؤكدة في الانتخابات القادمة.
غير أنه لا بد لنا من القول: إن فوز أي من المرشحين الآخرين، في حال حصول ذلك، بايدن وبنس، لا يطمئننا كثيراً فأي منهما لا يقل سوءاً عن ترامب نفسه حيال قضايانا الفلسطينية خاصة والعربية عامة، عدا أولئك الذين يتحالفون معه وينضوون تحت لوائه، وينصاعون لتعليماته ونزواته، فهؤلاء كانوا موضع ابتزازه لأموالهم مشفوعة بالإهانة والإذلال، إذ هم في نظره لم يكونوا أكثر من بقرة حلوب في أحسن الأحوال، وفق تعابيره التي أطلقها في وجوه رؤوس السلطة والحكم عندهم، والأنكى من ذلك أنهم ابتلعوا تلك الإهانات، ولم يكن ردهم عليها بغير الابتسامات الباهتة الذليلة التي أساءت لكل عربي في كل مكان، ما دامت هذه نظرته إلى القيادات العليا في بعض بلدانهم، حيث إنهم يحسبون على العرب في سائر الأحوال.
بايدن وبنس، وربما وزير خارجيته مايك بومبيو، أيضاً لن يكونوا أحسن حالاً من ترامب فهم كما هو ترامب صنائع الآيباك، وعملاء اليهودية العالمية، هم وكلاؤها وخدامها، ثم هم قبل ذلك وبعده ليسوا غير يهود لحماً ودماً، ومعتقداً وتلموداً.
أما ذلك اللوبي اليهودي والمتنفذون المتحكمون في مجريات الانتخابات الأميركية لم يعد ترامب في رأيهم مناسباً لرئاسة ثانية بعد أن استنفد أغراضه، وتم ابتزازهم له حتى آخر قطرة، فقد قدم لهم القدس عاصمة أبدية، إضافة إلى نقله سفارة بلاده إليها، و«منحه» إياهم الجزء المحتل من الجولان لضمه إلى الكيان الصهيوني، وأخيراً وليس آخراً، إقراره بأن من حق رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو ضم المستوطنات في الضفة إلى الإدارة والسيادة الإسرائيلية، وأن ذلك لا يتعارض مع القرارات الدولية، وهكذا هو يمنح ويهب ويتبرع على هواه ومزاجه، وكأنه المالك لكل شيء، والمخول بالتصرف في كل ما تظله سماء هذا الكوكب من الأرض العربية، ولاسيما الفلسطينية. الفلسطينيون هؤلاء ليس لهم في حسابه أي مكان على حين أن تعدادهم أمسى ثلاثة أضعاف تعداد أحبائه في إسرائيل، ناهيك عن حقوقهم التي أهدرت وأرضهم التي اغتصبت. غير أن هذا كله لا يعني شيئاً عند ترامب، التاجر الراكض حثيثاً نحو جمع المال، ولو على حساب شعوب برمتها تتعرض للقتل والإبادة، كما هي الحال في اليمن، مقابل سلاح يصدر للجناة لقاء مليارات الدولارات، تغطيةً للعجز في ميزانية دولته، ولحل مشكلة البطالة الضاربة أطنابها هناك. هذه كلها أهداف تستحق من أجلها أن تهدر دماء تلك الشعوب البائسة، لتجري من دمائها الأنهار، هي سادية ولا إنسانية منقطعة النظير، تكشف عنها نفوس كبار الأميركيين هؤلاء، حيث أصبح الحديث عن وازع الضمير والمانع الأخلاقي مسألة مثيرة للضحك عندهم.
نقول هذا كله لأبناء أمتنا، فهذه الحقائق المؤلمة جديرة بأن تدفع بنا إلى التكاتف والتعاضد والتصدي لما يحاك لنا على أيدي هؤلاء عملاء الصهيونية العالمية قراصنة العصر.
لقد بات من المعيب في حق هذه الأمة أن تواصل السير على هذا النهج الذي ينتظر في كل انتخابات أميركية فوز هذا المرشح أو ذاك، أملاً في أن يكون أفضل من سابقه في مواقفه وسياساته نحونا أو أقل انحيازاً لأعدائها على حسابها.
إن انتظار نتائج الانتخابات الأميركية لتقرير مصائرنا ذاتها أمر معيب، فهؤلاء أعداء قدامى دائمون «أولاً» ثم هم «ثانياً» لا يعملون لغير مصالحهم، التي تعتبر المحرك والموجه في حساباتهم ولا شيء غير ذلك، هل آن الأوان لصحوة حقيقية قادرة على الفعل؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن