من دفتر الوطن

أمثال شعبية.. بنكهة إيطالية

| فرنسا- فراس عزيز ديب

منَ الطّبيعي أن نرى في مجتمعِنا السوري كثرةَ استخدامٍ للأمثالِ الشعبية، نظراً لما يكتنزهُ موروثنا الشعبي من جواهرَ لا تُعد من هذهِ الأمثال التي لا تكمن جماليتها فقط بكونِها مجموعة كلماتٍ قد تختصرُ ساعاتٍ من الشرحِ لتوصيفِ مشكلةٍ ما، لكنها قد تعودُ بنا إلى زمنِ الطيبة والصدق، عندما كانَ كل من الكتب و«ختايرتنا» هما المصدر الوحيد للحكَم والأمثال.
أما في الكتابةِ الصحفية أو الأدبية فيبدو الأمر مختلفاً وقد تنقسم الآراء حوله، فاستخدام الكاتب للأمثالِ الشعبية قد تعكسُ قدرته على التحكمِ بالعبارات وتوظيفها في المكان الصحيح، وقد يبدو تجسيداً لقوةِ شخصيةِ الكاتب التي تتيح لهُ كسرَ الأطر التقليدية لإيصالِ الفكرة الأدبية، ليبدو ذاكَ الذي يهرب من جماليةِ أمثالنا الشعبية أشبهَ بالذي ابتسمت لهُ الدنيا وتناسى جذوره. لكن في مكانٍ آخر هُناك من يعتقِد أن استخدامَ أمثالٍ كهذه هو كسر لـ«البريستيج الثقافي»، أو دليل ضعفٍ في قدرةِ الكاتب على إيصالِ الفكرة بطريقةٍ أكاديمية فيلجأ للاستسهال، هناك من يذهب أبعدَ من ذلكَ ليعتبرها انتهاكاً للغة، حتى لو اضطررنا للاستعاضةِ عنها بحكمٍ موازية أو إعادة صياغة لغة المثل بطريقةٍ أقرب للفصحى.
ربما أن السبب الأساسي الذي جعلني أفكِّر بالكتابة عن أهمية الأمثال الشعبية في حياتنا هو ما حدثَ مطلعَ هذا الأسبوع من امتناعِ قناة «راي نيوز ٢٤» الإيطالية عن بثِّ اللقاء الذي أجروه مع الرئيس بشار الأسد، تحديداً أن أسباب الامتناع عن العرض وإن كانت مجهولة عملياً، لكنها نظرياً معروفة وواضحة، يمكن اختصارها بالمثل الشعبي القائل:
«الملدوع من الحليب بنفِّخ عاللبن».
فكرت كيف يمكن لي أن أجعل هذا المثل فصيحاً كي لا أكسرَ البريستيج الثقافي فلم أجد طريقة، لكني وجدتُ ما هو أهم أي إجراء بعضِ الرتوش ليصبح هذا المثل قادراً ببساطةٍ أن يختصرَ لنا الحالة بالكامل:
«الملدوع من لقاء صحيفة باري ماتش بنفَّخ على لقاء قناة راي نيوز ٢٤»، هذا هو حال الساسة الأوروبيين باختصار، إذ إنه بدا واضحاً أن قرارَ منعَ بث المقابلة الذي شكلَ فضيحة جديدة تُضاف إلى مسلسلِ الفضائِح الأوروبية في تعاطيها مع كذبة «الرأي والرأي الآخر» هو قرار تجاوزَ إيطاليا كدولة، وبمعنى أدق:
هناك في أوروبا من لا يزال حتى اليوم لم ينته من لملمة آثار الدمار السياسي الذي أحدثتهُ مقابلة الرئيس بشار الأسد مع صحيفة «باري ماتش الفرنسية» ولا يبدو ببساطةٍ أنه جاهزٌ لتلقي صفعة ثانية بالنكهة الإيطالية، ولتذهب حرية الرأي التي يتاجرون بها إلى الجحيم، هذا ما يمكن أن تفعلهُ كلمات الحق وعبارات الصدق عندما تخرج من لسانِ من يثقِ بشعبهِ وقضيته.
في الخلاصة: إنها الأمثال الشعبية التي تبدو قادرة على اختصارِ أحداثٍ بتقلباتها وتشعباتها، وعلى سيرةِ سقوط ورقة التوت الأخيرة عن كذبة «الغرب الديمقراطي»، تذكرت أن أسأل عن أولئك الذين يمثلون الطبقة النرجسية أو المخملية من أصحاب البروج العاجية في الفكر، أينَ أنتم من هذهِ الحادثة التي تُعتبر الأسوأ في تاريخ الحريات الأوروبية الحديث؟
للأسف لن نتعبَ أنفسنا بالبحث عن آرائكم فهي كانت ولا تزال ينطبِق عليها المثل الشعبي القائل: «عنزة ولو طارت»، وقبل أن يتهمني أحد بكسرِ البريستيج الثقافي سأُعيد توصيفكم بطريقةٍ أكثر أكاديمة: مثلكم خُلقَ ليَزحف.. فكيفَ لهُ أن يطير؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن