في العاشر من كانون الأول الجاري نشرت مجلة «أنتي وور» الأميركية الإلكترونية تحليلاً عن المملكة السعودية بقلم رونالد اينزفايلير الضابط الطيار سابقاً الذي عاش في المملكة عشر سنوات بعنوان: «هل يحب جمهور المملكة السعودية حقاً الأميركيين»، كشف فيه أن العملية التي قام بها الضابط الطيار السعودي الذي كان يتدرب في القاعدة البحرية الجوية «بينساكولا» في يوم الجمعة الماضي 6 كانون الأول لن تدل بشكل واضح ومؤكد، أن الشعب السعودي يعد الأميركيين أعداء وليس حلفاء أو أصدقاء على النقيض مما يحاول الرئيس الأميركي ترويجه تعقيباً على هذه العملية العسكرية التي نفذها الطيار السعودي في قلب القاعدة حين قال: إن «السعوديين كلهم يحبون الأميركيين»، ونشر اينزفايلير نص الرسالة التي كتبها الطيار السعودي تأكيداً لهذه الكراهية والعداء للولايات المتحدة وجاء فيها: «إنني ضد الشر وأميركا كلها تحولت إلى دولة الشر فأنا لست ضدكم لأنكم أميركيون ولا أكرهكم بسبب حرياتكم لكنني أكرهكم لأنكم تدعمون كل يوم وتقدمون المال لمصلحة ارتكاب الجرائم ضد المسلمين وضد البشرية كلها»، وكتب في رسالته أنه يندد بأميركا «لأنها تدعم إسرائيل بشكل خاص»، وهذا يعني أن أميركا كلها والمخابرات والرئاسة تعرف أن دافع هذا الطيار سياسي وهو يجيد اللغة الإنكليزية بطلاقة بموجب ما نشره في موقعه على تويتر، وكشفت المجلة أن 852 ضابطاً سعودياً يتدربون في مختلف القواعد العسكرية الأميركية، ويقول اينزفايلير إنه خدم في السعودية وفي العراق وفي أفغانستان وأدرك أن حروب أميركا في المنطقة لن تحقق أهدافها ونشر كتاباً بعنوان: «متى سنتعلم ولو لمرة واحدة؟» كشف فيه عن دور واشنطن في حماية الحكام الذين يقدمون لها الأموال ويستخدمون أسلحتها وأن هذه الحماية تقدمها واشنطن ضد الأعداء في داخل السعودية وضد الدول المجاورة للسعودية، فالمخابرات الأميركية تفرض على الحكام المتحالفين معها شعار أن الخطر من الجمهور والشعب في الداخل ولكنها تحت حجة الأخطار الخارجية تحقق كل غاياتها في الداخل، والإدارات الأميركية هي التي تفرض على هؤلاء الحكام مبدأ أنها قادرة على تغيير أي حاكم متى تشاء وهذا ما يثبته تاريخ جميع الممالك والإمارات التي نشأت في شبه الجزيرة العربية منذ بداية القرن العشرين بعد سقوط الدولة العثمانية، فهذه الدول لم يتغير حكامها طوال قرن من الزمان وكل ذلك بفضل الحماية الأميركية التي ورثت الاستعمار البريطاني والفرنسي في المنطقة.
ومع ذلك يحذر الطيار الأميركي المتقاعد من الاستمرار في هذه اللعبة الأميركية مع الحكام لأن تطور وعي العرب في شبه الجزيرة العربية بمصالحهم وحقوقهم في ثرواتهم القومية لا يمكن إيقافه في عصر ثورة الاتصالات وانتشار المعلومات وأن تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترامب للصحافة بأن العملية العسكرية التي قام بها الطيار السعودي ستكون آخر عملية تجري ضد أميركا مجرد وهم، لأن هذه الفئة من الضباط السعوديين وغيرهم من دول الخليج لا بد أن تكون على قدر جيد من الثقافة وهي تتقن اللغة الإنكليزية التي تتيح لها في عصر الاتصالات الاطلاع على معلومات تدفع هؤلاء الضباط إلى إدراك الشر الأميركي ونهب ثروات وطنهم والتحكم بسياساته ويتوقع أن تزداد حركة الوعي داخل السعودية وانتشار نتائجها بين المثقفين داخل الجمهور السعودي شهراً تلو آخر وهي نتائج لن تسر السياسة الأميركية وبخاصة السياسة التي أعلن عنها ترامب لنهب أموال نفط السعودية تحت حجة تقديم الحماية لها من أعداء الخارج، ويبدو من الواضح أن معظم الشعب السعودي يعي الثمن الذي دفعته المملكة نتيجة حربها ضد اليمن الشقيق والمجاور وأخذ يدرك أن واشنطن وتل أبيب تريدان توريط المملكة بحرب ضد إيران وهو ما لا يمكن أن تتحمله مع دولة إقليمية كبرى مثل إيران، ولذلك بدأ بعض المحللين في الولايات المتحدة يشيرون إلى احتمال قوي بتغيير سيحدث في السياسة الخارجية السعودية لمصلحة تهدئة شاملة مع اليمن وبالامتناع عن السير وراء التحريض الأميركي الإسرائيلي ضد إيران.
الحقيقة أن السعودية تجد نفسها الآن أمام فرصة ذهبية لإجراء تغيير يخدم مصلحة جمهورها السعودي والجمهور العربي بشكل عام بعد أن بلغ النهب الأميركي لثرواتها قدراً لا يمكن تحمله.